شؤون خليجية -
يواصل "شؤون خليجية" فتح ملفات السياسة والاقتصاد وحقوق الإنسان بدولة الإمارات العربية المتحدة، بمناسبة احتفالاتها بعيدها الوطني الـ 44، ويركز في هذا الملف على السجل الأسود في مجال حقوق الإنسان، حيث تصاعدت وتيرة القمع فيه عقب ثورات الربيع العربي، ويضم هذا السجل قضايا بارزة، كشفت مدى رفض السلطات الحاكمة بأبو ظبي لأي من الحريات والحقوق، وتعد ملفات المعتقلين، وسجناء الرأي، وسحب الجنسية، من أبرز الملفات التي تبرز وتكشف الانتهاكات بالإمارات.
وتعد القضية الأبرز والتي تمثل بداية لحركة القمع الحالية في الإمارات، هي قضية إغلاق منتدى إلكتروني دشنه عدد من النشطاء، بينهم طلبة ومدونون لتبادل النقاشات فيما بينهم وذلك عام 2009.
وتم إغلاق المنتدى عقب تناوله نقاش حول تبرئة أحد أفراد الأسرة الحاكمة في أبوظبي، على إثر اتّهامه بممارسة التعذيب والمثلية الجنسية، وهي التهمة التي وثقها فيديو على موقع "يوتيوب". وتزامن إغلاق المنتدى مع تقديم الحكومة الإماراتية لمشروع قانون للأنشطة الإعلامية، وكان قانونًا بديلًا لقانون الإعلام القديم الذي تم إقراره عام 1980.
ملف أسود
أكد الناشط الحقوقي الإماراتي أحمد منصور، أن الملف الحقوقي بالإمارات تغير كثيرًا بعد عام 2010، حيث قال: "إنه وحتى عام 2010 استطاع الحقوقيون، تحقيق بعض النجاحات، ولكن بعد عام 2011 أصبح هناك تعنت من قبل السلطات الإماراتية وعدم استجابة على الإطلاق".
بدوره نقل كريستوفر دايفسون، المحاضر بسياسات الشرق الأوسط بجامعة دراهام البريطانية، أبرز صور تحول هذا الملف لملف أسود، مشيرًا لبروز المطالبة بحقوق أوسع عام 2011، من خلال العريضة التي وقعها 130 مثقفًا إماراتيًا في العام نفسه، وتطالب بأن تعتمد الإمارات نظامًا ملكيًا دستوريًا يلتزم بحقوق الإنسان.
وجاء رد فعل السلطات الإماراتية على تلك المطالب مفاجئًا للمعارضين لها على حد وصف "دايفسون"، حيث اعتقلت خمسة من أبرز الموقعين على العريضة، ويؤكد المحاضر البريطاني أن الخمسة معتقلين تم اختيارهم عشوائيًا، مضيفًا أنهم أُدينوا بـ"الإساءة علناً لكبار المسؤولين الإماراتيين"، وحُكِم عليهم بالسجن ثلاثة أعوام، ثم أُعفي عنهم في غضون 24 ساعة.
كما تعد قضية المواطنون السبعة من أبرز القضايا التي أبرزت انتهاك حقوق الإنسان بالإمارات، حيث اعتقلت السلطات الإماراتية 7 من المعارضين الإسلاميين، من بينهم قاض عقب بروز مطالب كثيرة تدعو لإصلاحات، وتم إصدار قرار بسحب جنسيات المعتقلين السبعة عقب عام من الاعتقال.
الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري
دأبت السلطات الإماراتية خلال السنوات الأربع الماضية، على استخدام وسيلتي الاعتقال التعسفي، والإخفاء قسرًا والمجرمتين بالقانون الدولي، لمحاربة أي مطالب إصلاحية أو حتى حقوقية.
وعلى الرغم من إخفاء الإمارات لعدد المعتقلين الحقيقي لديها، ومنعها أي تواصل حقوقي معهم، إلا أن «الائتلاف العالمي للحريات والحقوق»، أكد أن إحصائية قام بها كشفت أن عدد المعتقلين في سجون الإمارات وصل إلى 204 معتقلين يحملون 13 جنسية مختلفة، وتصدر أبناء الإمارات أعداد المعتقلين، حيث وصل عددهم إلى 108.
ويتهم المعتقلون، وذووهم السلطات الإماراتية بارتكاب انتهاكات كبيرة بحقهم، أبرزها التعذيب الشديد ومنعهم من الزيارات لمدة طويلة، ومنعهم من الحصول على حقوقهم القانونية من محامين ومحاكمات عادلة، بل وصل الأمر لملاحقة محاميهم واعتقالهم كما حدث مع الحقوقي الدكتور محمد الركن، المعتقل على خلفية دفاعه عن المواطنين السبعة.
انتهاكات في حق ذوي المعتقلين
لم تقتصر الانتهاكات الحقوقية للسلطات الإماراتية على معارضيها، ولكنها وصلت لانتهاك أبسط حقوق ذويهم، كنوع من العقاب الجماعي تمارسه الدولة ضد أفراد.
ونقلت جمعيات حقوقية عدة تلك الانتهاكات، وأبرزها مصادرة مصادر الرزق الخاصة بهم، واعتقالهم واختطافهم تعسفيًا، ومنعهم من السفر، وكذلك منعهم من تجديد هوياتهم، وجوازات سفرهم، ومنع إصدار شهادات ميلاد للمواليد الجدد، خاصة ذوي المعتقلين الإسلاميين، بالإضافة لرفض السلطات الإماراتية إصدار خلاصات قيد "الجنسية" لبعض الأسر.
ونقل المركز الدولي للحقوق والحريات تلك الانتهاكات، مضيفًا إليها أنه تحرم نساء وبنات المعتقلين بسجون الإمارات من التعليم العالي، بالإضافة لتعرضهم لتهديدات مستمرة بالاعتقال وتلفيق التهم، والتي يتم تنفيذها في كثير من الأحيان.
القمع يطال الجميع حتى المرأة الإماراتية
تصاعدت حدة الانتهاكات ضد المرأة بالإمارات خلال الفترة الأخيرة، وهو الأمر الذي يعد جديدًا ومعيبًا بالنسبة للمجتمع الإماراتي المحافظ، إلا أن هذا لم يوقف السلطات الإماراتية، خاصة في عهد "بن زايد"، عن مواصلة الانتهاكات.
وتعود بداية تلك الانتهاكات إلى اعتقال النظام الإماراتي لـ"عائشة راشد الزعابي"، في يناير 2014، بسبب أنها زوجة الناشط الحقوقي محمد يوسف الزعابي، وذلك أثناء تواجدها عند نقطة حدودية مع دولة عُمان، المقيم حاليًا في بريطانيا، وذلك دون إذن قضائي أو توضيح أسباب اعتقالها.
واتهم "الزعابي" السلطات حينها باعتقال زوجته على خلفية نشاطه في حقوق الإنسان، وتوثيق قضايا معتقلي الرأي في الإمارات خلال المدة الماضية.
وتواصلت تلك الانتهاكات، حيث قامت السلطات الإماراتية فبراير الماضي، باعتقال الشقيقات الإماراتيات الثلاث "أسماء ومريم والبازية" شقيقات سجين الرأي د. عيسى السويدي، المعتقل منذ منتصف عام 2012 بتهمة الانتماء لتنظيم سري، وهو مدير منطقة أبوظبي التعليمية سابقًا.
وانضم مؤخرًا بنات الشهيد العقيد محمد العبدولي لقائمة انتهاكات الإمارات، حيث اعتقلت السلطات الإماراتية واخفت قسرًا، ابنتي العبدولي، والذي قتل في عام 2013 أثناء قتاله في سوريا بجانب المعارضة السورية، التي تصنفها الحكومة الإماراتية على أنها إرهابية.
وتتهم المعارضة الإماراتية السلطات باعتقال بنات العبدولي انتقامًا من والدهم الراحل، والذي يعد من أبرز رموز جماعة الإصلاح المحظورة بالإمارات.
المنظمات الحقوقية بالإمارات في خدمة السلطات
تلاحق السلطات الإماراتية القائمين بالعمل الحقوقي بها، وتمنع تواجد أي منظمة حقوقية مستقلة بداخلها، ويشير الناشط أحمد منصور إلى أن المنظمة الوحيدة المسموح لها بالعمل هي جمعية الإمارات لحقوق الإنسان، مضيفًا أنها "جمعية تابعة للحكومة، وكأغلب المنظمات والجمعيات التابعة للسلطات تقوم بتشريع انتهاكات الحكومة، فهي بالنسبة للسلطات الإماراتية تعد حائط صد".