الوسط البحرينية-
اعتبر حقوقيون أحكام إسقاط الجنسية في البحرين بمثابة الإعدام المعنوي، وأن حلحلة الوضع الحقوقي في البحرين بشكل شامل، يتمثل في التنفيذ الفعلي لتوصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، مشيرين إلى أن العمل الحقوقي في البحرين بات مقيداً.
يأتي ذلك بالتزامن مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان، والذي دشنت الأمم المتحدة بالتوازي معه حملة مدتها سنة بشأن حلول الذكرى السنوية الـ50 للعهدين الدوليين الخاصين بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية اللذين اعتمدتهما الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 ديسمبر/ كانون الأول 1966.
ويهدف شعار الاحتفال بهذا العام: «حقوقنا وحرياتنا دائماً» إلى إذكاء الوعي بالعهدين في الذكرى السنوية الـ 50 لهما.
دور الجهات الحقوقية مغيَّب من الدولة
وبدأ عضو مرصد البحرين لحقوق الإنسان عبدالنبي العكري حديثه بالتأكيد على ضرورة حلحلة ملف أحكام الإعدام، باعتبار أنه من غير الممكن معالجته بعد وقوعه، وقال: «أكثر الدول الديمقراطية وعدد من الدول الإسلامية ألغت حكم الإعدام، ونأمل صدور أمر ملكي بإيقاف تنفيذ هذه الأحكام، وهو أول ملف حقوقي مقلق بالنسبة لنا لأن أرواح الناس باتت في مهب الريح».
واعتبر العكري إسقاط الجنسية بمثابة إعدام معنوي، وخصوصاً بالنسبة لعائلات المسقطة جنسيتهم، معلقاً: «كل التبريرات التي تعطى في هذا المجال ليس لها أي أساس، ومن لديه جنسية أخرى يمكن نزع جنسيته المكتسبة لا الأصلية».
كما تطرق إلى مسألة الأحكام الصادرة بحق الأشخاص والتي تتجاوز المئة سنة لدى عدد من المحكومين، وقال عن ذلك: «هذا أمر خطير جداً، وحتى في الفقه الجنائي يؤخذ في حال وجود أكثر من جريمة مترابطة بالأشد منها».
وأكد كذلك على أهمية الإفراج عن جميع المرضى والنساء والأطفال من المحكومين، معتبراً أن وجود أكثر من 3 آلاف محكوم ومن ينتظر صدور الحكم بحقه بالأمر «غير الطبيعي».
وقال أيضاً: «هناك صراع سياسي بين الدولة والمعارضة، ولكن أين دور منظمات المجتمع المدني وخصوصاً الحقوقية منها، والتي يمكن أن تكون صمام أمان مساعد للتخفيف من الأزمة؟».
وأضاف: «هذا الدور بات مغيّباً من قبل الدولة، وكانت هناك بوادر جيدة حين بدأت المراجعة الدورية الشاملة، وحتى العام 2010 كانت الأمور واعدة، وكنا نأمل بتطور هذه التجربة، ولكن منذ العام 2011 كانت هناك انتكاسة حقوقية، وترافق ذلك مع الهجوم على المنظمات الحقوقية ليس من قبل الدولة فقط، وإنما من قبل منظمات أهلية أخرى. وربما نجد في ذلك فرصة لأن ندعو لإيقاف حملات التشهير والتعريض بالحقوقيين، ويمكن لكل شخص أن يطرح ما لديه من دون حاجة للإساءة للآخرين».
وفي رده على من يرى أن العمل الحقوقي في البحرين بات شبيهاً بـ «العلاقات العامة»، علق العكري بالقول: «العلاقات العامة جزء من مهام المنظمات الحقوقية، بالإضافة إلى ما تقوم به من رصد يومي للانتهاكات، وحضور المحاكمات التي أحياناً يتم طردنا منها، بالإضافة إلى القيود التي يواجهها المحامون المعرضون للتهديد بسبب دورهم الحقوقي».
وفي تعليقه على التقرير السنوي الثاني للمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، قال العكري: «من المعروف أن المؤسسات الحقوقية يجب أن تصدر تقاريرها بعد انتهاء السنة بشهر أو شهرين، ولكن للأسف أن المؤسسة أصدرت تقريرها بشأن أحداث العام 2014 في الشهر الأخير من العام 2015، والتي شهدت خلالها الكثير من الأحداث».
وانتقد العكري عدم تناول التقرير القضايا الحقوقية الأساسية، وعدم تشخيص الوضع الحقيقي رغم خطورته، ناهيك عن عدم تقديمه توصيات محددة لمعالجة هذا الوضع، وقال: «هذه الوقفات التجميلية أو التبريرية لا تخدم الوضع الحقوقي، وإنما يجب أن تكون المؤسسة واضحة في توصيف الوقائع».
وأضاف: «التقرير مخيب للظن وشكلي، ونأمل من المؤسسة أن تدعو لعقد لندوة حقيقية لمناقشة مضمون التقرير».
توصيات «تقصي الحقائق» وثيقة وطنية
ومن جانبه، أكد رئيس الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان أحمد الحجيري أن ما يزيد الملفات الحقوقية تعقيداً في البحرين، هو إصدار العديد من القوانين التي تصب في الاتجاه المعاكس لحلحلة هذه الملفات، وقال: «لسنا وحدنا من نقول ذلك، بل حتى تقرير المؤسسة الوطنية الأخير والسابق، اللذان يبرزان الكم الهائل من المسائل الحقوقية التي تؤرق الجميع، بدءاً من التضييق على حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي واللجوء إلى الحلول الأمنية في معالجة حالات الاحتقان، بالإضافة إلى عدم النظر بجدية في شكاوى التعذيب واللجوء إلى الاعتقالات التعسفية».
وتابع: «بالإضافة إلى استمرار سجن واحتجاز ضحايا حرية التعبير عن الرأي ومضايقة النشطاء الحقوقيين، وتغليظ العقوبات القضائية والتي وصلت في بعض الحالات إلى إصدار أحكام الإعدام، وهي سابقة قد تقود إلى مزيد من الأحكام السالبة لحق الحياة، كما شهدنا العديد من حالات سحب الجنسية من مواطنين بحرينيين، ما خلق حالة من انعدام الجنسية وألحق الأذى بالعديد من الأشخاص وبأسرهم».
وانتقد الحجيري ما أسماه بـ «التضييق الملحوظ» على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي و «تورط» جهات دينية وإعلامية في بث خطاب الكراهية، وعدم التقدم في ملفات مثل القضاء التام على جرائم الاتجار بالبشر، ووضع المعوقات أمام حرية الحركة أمام هيئات المجتمع المدني والسعي إلى فرض قيود عليها، وعدم إفساح المجال لزيارة المقررين الخاصين للبلاد بغرض المساعدة في تطبيع الملفات المختلفة».
وفي تعليقه على منتقدي المؤسسات الحقوقية في البحرين، قال الحجيري: «من المؤسف حقاً أن تعمل بعض الجهات والأصوات على مفاقمة الأوضاع الحقوقية بدل المساهمة في إيجاد الحل وكأنها لا تريد للأمور أن تسير إيجاباً، وما يزيد الأمر سوءاً مشاركة بعض التشريعيين والقانونيين والإعلاميين والمثقفين ورجال الدين في الانضمام إلى الأصوات التي لا يسرها تحسن الأوضاع الحقوقية في البلاد، وهي لا تتوانى عن الإساءة لأي نشاط حقوقي والتحريض على الناشطين الحقوقيين واتهامهم بأوصاف مقيتة كالخيانة والإساءة للوطن».
واعتبر الحجيري توصيات لجنة تقصي الحقائق للبحرين بمثابة وثيقة وطنية يأخذها المجتمع الدولي على محمل الجدية وواجبة النفاذ وستظل الدولة مسئولة عن تطبيقها، فيما اعتبر أن التوصيات الصادرة عن مجلس حقوق الإنسان تعكس رغبة المجتمع الدولي بإيجاد وضع حقوقي ينسجم مع المبادئ الحقوقية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدات والصكوك الحقوقية، مشيراً إلى أن المجتمع الدولي سيستمر بمتابعة تنفيذ تلك التوصيات ويحكم من خلال الأخذ بها على مدى التقدم المحرز حقوقياً في البحرين.
وقال أيضاً: «محاولة التقليل من شأن هاتين الوثيقتين يعتبر أمراً غير مجدٍ، وعلى الجميع التكاتف لتنفيذ ما جاء فيهما. والخطأ كل الخطأ هو الاعتقاد بأن تلك التوصيات وردت نيلاً من سمعة البحرين، ولذلك لابدّ من الهبّة لمواجهتها والتصدي لها، بل إن تنفيذها سيكسب البحرين ثناء وتقدير العالم، ولذلك ندعو الجميع للتكاتف من أجل تنفيذ ما جاء في هاتين الوثيقتين خدمة للبحرين وإظهاراً للولاء الحقيقي لها».
المصالحة تتطلب الاستماع إلى الضحايا
أما عضو اللجنة المركزية في جمعية «وعد» فريدة غلام، فاعتبرت أن حلحلة الوضع الحقوقي في البحرين بشكل شامل، يتمثل في التنفيذ الفعلي لتوصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، لأن الموضوع متشعب إذ شمل احتجاز سجناء رأي ونشطاء يمثلون كل الشرائح، بمن فيهم الأطفال والشباب والنساء، مؤيدة ما ذهب إليه العكري بضرورة الإفراج عن النساء والأطفال وممن يعانون من الأمراض والاحتياجات الخاصة.
وطالبت غلام بإنصاف جميع من أصيب بضرر بعد الأحداث السياسية التي شهدتها البحرين، على خلاف الصورة التي تحاول التقارير الرسمية تسويقها، على حد تعبيرها، وذلك في ظل ما يعيشه المتضررون من تلك الأحداث في مناحٍ عدة تمس حياتهم اليومية.
وقالت: «هذه المسألة لن تنتهي بزيادة التقارير لأن هناك بوناً شاسعاً بين مضامين هذه التقارير المتكررة والواقع الذي يعيشه هؤلاء الناس كل يوم وكل ساعة، فالفريق الرسمي يحاول غض النظر أو إعطاء انطباع أن الموضوع انتهى وأن هناك صفحة سابقة وطويت، ولكن الموضوع مستمر والضرر مستمر بل إنه متجدد».
وواصلت: «القضايا السابقة لم تحل، بل إن هناك قضايا جديدة ظهرت وزادت الأمور سوءاً، من ضمنها سحب الجنسية والتي خلقت فئة من المواطنين لا يمكن أن يعيشوا كأشباح، وكل ذلك بسبب الحكم على عائلهم، وهو ما زجّ بالعائلة كلها إلى جملة من المعادلات العجيبة».
وأضافت: «الأزمات التي تعرض لها المحكومون لم تقتصر على الحكم عليهم، بل تضرر مواليدهم بعد إسقاط جنسيتهم، وهو ما يعني عمق الضرر الذي تعرض له هؤلاء وعائلاتهم، وما يؤسف له أن قرار سحب الجنسية بات أسهل ما يمكن».
كما تطرقت غلام إلى أحكام الإعدام، مشيرة إلى أن العديد من الدول باتت تستبدل عقوبات الإعدام في التشريعات الوطنية بعقوبات أخرى، باعتبار أن حق الحياة أصيل ولا يمكن لأحد سلبه، متسائلة: «كيف يتم إسقاط هذا الحق في الحياة بكل سهولة؟».
وقالت: «بتنا نقترب من دول ملفها الحقوقي في أدنى مستوياته، وهو ليس مؤشراً لتقدم حقوق الإنسان في البحرين وإنما لتأخره، وهذا يناقض التقارير الرسمية في هذا المجال، وما ذكره تقرير تقصي الحقائق عن موضوع المصالحة الوطنية يتضمن أموراً كثيرة، بالإضافة إلى تشكيل الهيئات المحققة للعدالة عبر أشخاص محايدين، ليس بينهم متهمون بالانتهاكات».
وأضافت: «المصالحة تتطلب كذلك أن يتم الاستماع للضحايا وأن يكون هناك عفو وجبر حقيقي للضرر، وأن تكون النفوس خلت من الضغائن والحقد والكراهية وأن يتم محاسبة المنتهكين بطريقة عادلة لا انتقامية، وكذلك التأسيس لممارسات وثقافة جديدة».
وتابعت: «نعلم ما يقال في التقارير الرسمية، ولكن من يجب أن يسمع صوته هم ضحايا العائلات المتضررة، وإلا فإن الوضع الحقوقي مازال بعيداً عمّا يتمناه هؤلاء الضحايا وما تطالب به المنظمات الحقوقية والمفوضية السامية لحقوق الإنسان».
وقالت: «هناك تزايد في عدد الحقوقيين، وبات عملهم في كتابة التقارير أكثر حرفية ومهنية، ويحاولون قدر المستطاع التواصل خارجياً ضمن هذه الظروف التي من المفترض أن يستشعرها الجميع. فهناك نشطاء يعملون في ظروف صعبة يمكن أن يضحّوا من خلالها بأثمان كثيرة، وهناك من يطلق فقط الأشتام المبالغ فيها دون وجه حق».
واكتفت في تعليقها على تقرير المؤسسة الوطنية السنوي بالقول: «بشكل عام، عبارة تعزيز وحماية حقوق الإنسان التي يدور حولها تقرير المؤسسة وأهدافها وقانونها وتشكيلها، في مسافة بعيدة جداً عن الواقع، ولم تسعَ المؤسسة السعي الفعال والحقيقي لتحقيق هذه المضامين الحقيقية».
المشكلة الحقوقية مقترنة بسمعة البحرين دولياً
أما رئيس دائرة الحريات وحقوق الإنسان في جمعية الوفاق هادي الموسوي، فقال: «المشكلة الحقوقية في البحرين باتت السمة الأبرز التي تقترن بسمعة البحرين دولياً، فعندما نلاحظ اهتماماً دولياً رسمياً وغير رسمي واهتماماً محلياً بالملف الحقوقي في البحرين، نجد أن كل ملف له حضور بشكل واضح، لأن الجهات التي تبدي اهتمامها به تعمل على إبرازه بين الحين والآخر».
وأضاف: «الملفات التي تحتاج إلى حلحلة تحيط بنا من كل جانب، كأحكام الإعدام، الأحكام القضائية القاسية، ملفات التمييز والتجنيس وإسقاط الجنسية والحرمان منها والتعذيب، بالإضافة إلى ملفات حرية الرأي والتعبير وحرية التجمع وتكوين الجمعيات، وحقوق الطفل والمرأة، وكذلك الموضوعات المتعلقة بالتسامح الديني والتعليم والعمل، والإفلات من العقاب، ناهيك عن ملفات الفساد المالي والإداري، والمشاركة المجتمعية في العملية السياسية. فليس من السهل الركون إلى القول أي منها يحتاج إلى حلحلة بشكل أسرع، لأن الحقوق منظومة متكاملة لا يصح تجزئتها أو تفكيكها».
وفيما إذا كانت توصيات لجنة تقصي الحقائق وجنيف قد ذهبت أدراج الرياح، قال الموسوي: «الـ 26 توصية التي كانت خلاصة تقرير تقصي الحقائق والـ 176 توصية من مجلس حقوق الإنسان لم تذهب مع الرياح، بقدر ما باتت توجه الرياح التي تعاني سمعة البحرين منها، وخصوصاً أن هذه التوصيات جاءت على أساس وجود واقع غير سليم».
وأضاف: «لأنه لا يجوز أن يستمر الواقع بشكل غير سليم جاءت التوصيات وستبقى باقية لأسباب أن التوصية لا تفقد قيمتها حتى وإن تم تنفيذها، لأنها جاءت لتبقى، وليس فقط لتصحيح الأخطاء والتجاوزات وإنما لضمان عدم تكرارها. كما أن النشاط الحقوقي المحيط بالبحرين ليس قليلاً، وإنما يستدعي أدوات الربط وإيصال الزمن الفائت بالحاضر والمستقبل وعليه، فلا خوف على التوصيات من جهة قيمتها الفاعلة».
وذكر أن التوصيات التي تصدر في أي شأن له علاقة بالحقوق، لا تنتهي عندما يدعى تنفيذها، وإنما وُجدت أساساً لتشهد على وجود مشكلة، لا ينتهي الاهتمام بها من قبل المراقب إلا بعد معاينة آثار ونتائج علاجها، وأن الطلبات التي تصل من قبل المراقبين بشأن تنفيذ هذه التوصيات أو تلك لا يتوقف، وهناك متابعات حثيثة بشأن كل منها».
أما في تعليقه على تقرير المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، فقال الموسوي: «التقرير يبدو من أول وهلة أنه مقيد تماماً كما القيود التي تحيط بكل ما هو نشاط أهلي تلاحقه عين الرقيب، ولا يرتقي إلى ما عليه المؤسسة من عنوان وكيان، وأنها مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان ووفقاً لمبادئ باريس».
واعتبر الموسوي أن تقرير المؤسسة صدر متأخراً جداً، وأن كثيراً مما جاء فيه، لم يعد ذا فائدة لأن الزمن الذي مر على الضحايا وأصحاب المصلحة من المتضررين، لم يسهم في التأثير لصالح حقوقهم، وفقاً له.
وقال: «إن مفردة التعذيب أصبحت وكأنها من التاريخ، إذ لم يأتِ تقرير المؤسسة على ذكرها، وإنما يستعيض بمصطلح الحق في السلامة الجسدية والمعنوية وكأنه تقرير أكاديمي لا علاقة له بالوقائع». أما بشأن الانتقادات التي توجه للعمل الحقوقي في البحرين، فعلق الموسوي: «هناك رابطة جوهرية بين سمعة البحرين دولياً وبين التعاطي السليم مع التزام السلطات باحترام وصيانة وتعزيز وحماية حقوق الإنسان، والسبب أن هناك مراقبين يبحثون عن الحقائق التي تخفيها لعبة العلاقات العامة والدعاية، ومن جهة أخرى يترصد الناشطون للانتهاكات التي يراد لها أن تغيب عن المشهد فيقدموا الدلائل على وجودها من أبواب أخرى».