مجتمع » حريات وحقوق الانسان

تفاصيل الانتهاكات الطبية للمعتقلين في سجون الإمارات (3ـ3)

في 2015/12/31

الخليج الجديد-

على مدار حلقتين سابقتين فتح «الخليج الجديد» ملف الانتهاكات الطبية التي تقع في سجون الإمارات السرية، وفي هذا الجزء نواصل كشف الانتهاكات الطبية التي تمارسها السلطات الإماراتية بحق السجناء في السجون العمومية وتحديدا في سجني (الصدر والوثبة) العموميين في أبوظبي.

في الحلقة الثالثة والأخيرة من حلقات إماطة اللثام عن الانتهاكات الطبية بالسجون الإماراتية نواصل نشر شهادة «سعد البلوشي»، الذي قضى في السجون السرية بضع شهور متنقلا بين زنازينها الفردية، حتى تم نقله إلى السجون العمومية في أبوظبي (الصدر والوثبة). وهي شهادة يوجهها المنظمات الحقوقية العالمية لإدانة ومحاسبة السلطات الإماراتية المتورطة في الأمر، وهي شكوى أيضا موجهة ضد اللجان الصورية التي تبعث بها منظمات حقوقية لرفع واقع مخملي. حيث لا تتيح لها السلطات المعنية حرية كافية للوقوف على المناطق المعتمة في جولاتها بحسب ما جاء على لسان المسؤولية الأممية «غابرييلا نول» في تقريرها الفاضح عن حالة حقوق الإنسان في الإمارات.

يلفت «سعد البلوشي»، الذي قضى صورا من الانتهاكات الطبية التي تقع على السجناء في سجني الصدر والوثبة، إلى أن أنظمة السجون العمومية تقضي بعمل ملفات طبية لكل السجناء سواء كانوا على ذمة قضايا منظورة أو صدرت بحقهم أحكاما في قضايا نظرتها المحاكم المختلفة بالدولة بدرجاتها المتفاوتة.

تعرية الجسد كاملا

يقول «سعد»: «تقوم السلطات التنفيذية بالسجون العمومية بنزع كافة الملابس الداخلية للسجناء والاكتفاء ببدلة السجن الزرقاء الداكنة، نصف كُم، الصيفية التي تُمنح للسجين بمجرد نقله إلى السجن العمومي من مراكز الاحتجاز المختلفة. وفي حال خروجه من العنبر متجها إلى المستشفيات الشرطية أو الحكومية أو العيادات المركزية يؤمر عند منافذ الخروج من السجن بخلع كافة ملابسه ويتم فحصه بجهاز فحص إلكتروني ثابت وآخر يدوي يمسك به الشرطي ليفحص المناطق التناسلية للسجين من خلال إلزامه بالقيام والقعود بطريقة «القرفصاء» بحجج واهية خشية تسريب وريقات تحمل معلومات لمدنيين خارج السجون أو إخفاء أي من الأدوات التي تصنفها السلطات مخالفة.

وينوه «البلوشي» إلى أن هذا الإجراء الحاط للكرامة والمخالف لقواعد الستر يشبه ما تقوم به بعض السلطات العربية تجاه سجناء ونشطاء الرأي والذي يعرف بـ «كشف العذرية» للمعتقلات، وكثيرا ما يُحدث هذا الإجراء مشادات كلامية بين السجناء والشرطيين، لكنهم كانوا يبررون ذلك بأن هذه تعليمات من ضابط شرطة يدعى «إبراهيم الحمادي» هو المسؤول الأول على إصدار ومتابعة هذا الإجراء مباشرة أو عبر كاميرات التصوير المعلقة بمختلف زوايا المنافذ.

ويستطرد «البلوشي» في وصف الآثار الطبية التي تنتج عن التعري من الملابس الداخلية في فصل الشتاء والصيف على حد سواء مما قد يصيب السجناء بنزلات البرد والرعشة الدائمة فضلا عن انتهاك الحرمات بالكشف عن العورات المغلظة بطريقة غير آدمية ومخالفة لحقوق الإنسان المنصوص عليها في القوانين والمواثيق، حيث يقوم عليها شرطيين منسوبين لجهاز الشرطة من حملة الجنسيات (النيبالية أو الموريتانية أو المغربية أو التونسية أو اليمنية).

«البلوفر» ينقل الأمراض الجلدية

ويقول «سعد البلوشي»، أن سلطات السجن، ومع دخول فصل الشتاء والبرد القارس، لا تقوم بتوفير بلوفرات شتوية لكل سجين بل تقوم بتوفير عدد محدود للغاية من البلوفرات الزرقاء التي تأمر السلطات السجين بارتدائها، بدون ملابس داخلية. بحيث يقوم بتسليمها للمريض عند الخروج من السجن متجها إلى المشافي الخارجية وتسليمها إلى سلطات السجن عند عودته وعبر نقاط التفتيش «الحاطة للكرامة».

ويلفت «البلوشي» في شهادته إلى أن النزلاء قد يتحملون برد الشتاء القارس عن ارتداء بلوفرات غير نظيفة يتداولها السجناء بدون غسيل مما يعرضهم لانتقال أمراض جلدية يصعب التداوي منها إذا حلّت بأجسادهم، ورغم أن البلوفرات المتاحة لا تتناسب مع أعداد السجناء التي تربو على بضع آلاف موزعين على عنابر جماعية وفردية، إلا أن السجناء يتحملون الأوجاع ولايعبرون عنها كيلا يتعرضون لهذه الصور من الانتهاكات الحاطة للكرامة.

الاصطفاف أمام كلاب التفتيش

رغم البوابات الالكترونية واليدوية المخصصة لتفتيش السجناء ورغم أساليب الإهانة الحاطة للكرامة التي يتعرضون لها جراء نزع كافة ملابسهم الداخلية والتعرية التامة أمام الشرطيين، إلا أن «سعد البلوشي» يكشف جانبا آخر من الانتهاكات التي يصطف لها السجناء مرغمين في ساحة «الكلب»، حيث يقوم الشرطي المخصص بمراقبة ومتابعة ومصاحبة السجناء عند عودتهم بالاصطفاف في طوابير متوازية والجلوس بطريقة «القرفصاء» ليقوم بدوره بالتصفير للكلب البوليسي الأسود الذي يتفقد بصحبته الطابور بحاسة الشم لديه، وقد يلعق بلسانه ثياب السجناء أو يروعهم من شدة بأسه. مما يضطر السجناء للتعري فترة من الزمن عند عودتهم إلى سجنهم حتى تجف ملابسهم بعد غسلها، حيث لا توفر سلطات السجن بدلة إضافية للسجين. ويظل السجين يتحرك بملابسه الداخلية داخل العنبر حتى تجف الملابس، مما يجعله عرضة للتعرض للتيارات الهوائية والاستهزاء من السجناء الآخرين، أو الاكتفاء بالجلوس داخل زنزانته ملتحفا بطانيته حتى تجف بدلته. وإذا غفل السجين عن ملابسه، فقد يسرقها سجين آخر من سجناء الزنازين الأخرى ليبيعها لسجين ثالث مقابل علبة سجائر أو بعض الطعام مما يؤدي إلى حدوث نزاعات داخل العنابر، وقد تضطر السلطات للتدخل لفض الاشتباكات، إما بمعاقبتهم بليالي من السجن في زنازين فردية داخل سجن الوثبة أو بنقلهم لعنابر أخرى.

تناول الدواء عبر مخازن الدواء

ويذكر «سعد البلوشي» أن منظومة السجن تقضي بعدم السماح للسجناء باصطحاب أدويتهم داخل الزنازين، ومن أجل ذلك فقد حددت مواعيد كل مخزن طبي يتوسط عنابر كل طابق. حيث يتم من خلال الشرطي المناوب مناداة المرضى الذيين خصصت لهم الأدوية. حيث يصطف السجناء عند باب العنبر لتناول الدواء أمام الصيدلي والشرطي والضابط المناوب أحيانا كثيرة، ولا يسمح للسجين باصطحاب دواء معه إلا قطرات العين أو الأنف فقط.

وهنا يتذكر «سعد» أنه حالات كثيرة، كان يأتي الصيدلي بسرعة لتقديم الدواء وقد يكون السجين نائما أو في دورات المياه فلا يتمكن من تناول جرعة دوائه، ويشير إلى أن إجراءات الذهاب للعيادة الداخلية للسجن تحمل صورا كثيرة للإهانة، فيذكر منها أن أي سجين يرغب في الذهاب للعيادة عليه أن يقف بالساعات الطويلة أمام باب العنبر حاملا بطاقة السجن لتسجيل اسمه وقد تتكرر هذه الوقفة أياما متتالية حتى يأتي دوره.

تقييد اليدين والقدمين بأساور حديدية

ويختتم «البلوشي» شهادته عن صور الانتهاكات الطبية التي يتعرض لها السجناء بالإشارة إلى قيام سلطات السجن بتقييد اليد اليمنى للسجين مع اليد اليسرى لسجين آخر وكذا القدمين، مما يسبب العديد من الآلام العظمية والجلدية عند الصعود إلى الحافلة أو النزول منها، أو عند السير للدخول عبر المنافذ المخصصة للسجناء بكل مستشفى من المشافي المعتمدة لدى سلطات السجن.

ويناشد «البلوشي» عبر «الخليج الجديد» المنظمات الحقوقية العالمية سرعة التدخل لرفع الانتهاكات الطبية بالسجون السرية والعمومية في دولة الإمارات لافتا إلى ضرورة تضمين هذه الشهادة بحلقاتها الثلاث لتقرير المبعوثة الأممية لشؤون القضاء والمحاماة والتي أكدت وقوع انتهاكات بحق المعتقلين والسجناء في دولة الإمارات العربية المتحدة.