مجتمع » حريات وحقوق الانسان

تفاصيل جديدة عن سياسة «الإخفاء القسري» في الإمارات

في 2016/01/04

الخليج الجديد-

لم تكن واقعة اختطاف السلطات الإماراتية للناشط الإماراتي «عبد الرحمن خليفة بن صبيح السويدي» بالتعاون مع السلطات الإندونيسية، هي الأولى من نوعها في تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة، بل إنها حلقة في مسلسل الإبعاد القسري لمواطنين ومقيمين وحملة جوازات سفر إماراتية على مدار ثلاث عقود متتالية بدأت أولى حلقاته في عام 1994.

مراقبون يعتبرون ترحيل «بن صبيح» غير القانوني وإبعاده عن أراضي دولة كإندونيسيا، وهي عضو في مجلس حقوق الإنسان، يعد مبعث قلق حول حالة التردي الحقوقي، ويثير علامات استفهام عن مدى جدية المنظومة الحقوقية الدولية.

أشكال الإبعاد القسري

وفقا لمصادر «الخليج الجديد»، فإن سجل الإمارات في الإبعاد القسري يتخذ عدة أشكال، في أحدهما يجري استدعاء الشخص، الذي تعتبره الأجهزة الأمنية عنصرا غير مرغوب فيه، إلى أحد المكاتب الإدارية أو الأمنية، حيث يُرحّل إلى موطنه أو يُخيّر بالذهاب لأي دولة أخرى دون إمهاله فرصة لترتيب أوضاعه الاجتماعية والمالية، إذا كان من المقيمين على أرض الدولة.

وأحيانا قد تمهل الأجهزة الأمنية الشخص مهلة، لا تتجاوز بضعة أيام أو أسابيع في أقصى التقديرات، لترتيب أوضاعه مع تسليم جواز سفره وإيجاد كفيل آخر له من أحد معارفه أو أقاربه كي يوقع استمارة ضمان بتسليمه خلال فترة المهلة للجهات الأمنية لترحيله.

وأحيانا يكون الإبعاد القسري مهنيا، عبر إحالة العشرات من الأشخاص إلى التقاعد المبكر أو نقلهم من وظائفهم إلى وظائف أخرى متدنية أو على غير تخصصاتهم لتدفعهم إلى الاستقالة أو التقاعد المبكر، كما تأخذ منهم تعهدات مكتوبة بعدم تأسيس (شركات للحج والعمرة أو مدارس تعليمية أو معاهد ومراكز تدريب تنمية بشرية) ليحصلوا بعد ذلك فقط على معاشاتهم الشهرية.

وقد تقوم ذات الأجهزة باعتقال الشخص وإخفائه قسريا فترة من الزمن في أحد السجون ومراكز التوقيف والاحتجاز للتحقيق معه، وتعذيبه بكل صور الأدوات الحاطة للكرامة والمخالفة للقوانين الدولية، ثم تحيله بعد فترة إلى نيابة أمن الدولة، ومن ثم المحكمة الاتحادية ذات الدرجة الأولى لتصدر بحقه أحكاما في قضايا ملفقة ترديه سنوات خلف القضبان تنتهي بالإبعاد القسري.

وهناك الإبعاد القسري للبدون، أو من لا يحملون جوازات سفر أو ينتظرون موافقة السلطات المختصة على منحهم الجنسية الإماراتية أو الذين يتمتعون بإقامة مفتوحة بناء على مرسوم أميري من إحدى الدوائر المحلية للإمارت السبع، فهولاء يتم إبعادهم مباشرة إلى دول أسيوية، كما حدث مع البعض وتم إبعاده قسريا إلى تايلاند بعدما رفض الذهاب إلى جزر القمر التي تربطها بالإمارات اتفاقية سرية تقضي بمنح الجنسية القمرية مقابل خمسون ألف درهم بالترتيب مع الخارجية الإماراتية وفقا للمصادر.

وفيما يتعلق بالمواطنين الأصليين في الدولة ممن لا يرضى عنهم جهاز أمن الدولة، فإنهم يوصمون بكونهم «عناصر» تهدد الأمن والسلم الاجتماعي، حيث يعرض عليهم سحب جنسياتهم، كما حدث مع دعاة الإصلاح السبعة، والحصول على جنسية جزر القمر، فإذا وافقوا فإنه يتم ترحيلهم. أما في حال الرفض، فإنهم يتعرضون إلى الإخفاء القسري وتلفيق القضايا، ثم الإيداع في السجون ومصادرة الأموال والممتلكات. ومؤخرا، فقد امتدت يد الفمع إلى أبنائهم وبناتهم وبعض أقاربهم لنشر الخوف والفزع والترقب.

عريضة الإصلاح والقشة التي قسمت ظهر البعير

ويشير مصدر آخر مطلع رفض الكشف عن هويته إلى أن جهاز أمن الدولة في الإمارات يتبع هذه السياسة منذ عام 1994 بعدما أصدرت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بإيعاز من جهاز الأمن قرارا بحل مجلس إدارة جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي ومصادرة أموالها ومنشآتها الوقفية والعمل الممنهج لتفريغها من مضمونها ورسالتها الدعوية بين أبناء الدولة.

ويمضي قائلا: « في شهر مارس/آذار من عام 2011، عندما قام نحو 133 من مواطني الدولة من رجال وسيدات من أساتذة الجامعات وأعضاء سابقين في البرلمان ومسؤولين حكوميين سابقين ونشطاء حقوقيين وأعضاء في جمعيات المجتمع المدني وكتاب صحفيين وغيرهم التيارات الفكرية، بالتوقيع على ما يعرف إعلاميا بعريضة الإصلاح التي يعتبرها مراقبون القشة التي قسمت ظهر البعير، حيث كشفت عن وجه الدولة السافر والمناهض لأي حراك سلمي يستهدف منح المواطنين مزيدا من حقوقهم السياسية والاجتماعية».

إبعاد قسري لأربعة وسبعين مصريا

ويذكر أحد الحقوقيين في حوار خاص مع «الخليج الجديد» أنه، وفي الفترة من أواخر عام 2012 وحتى شهر أبريل/نيسان من عام 2014، أبعدت السلطات الإماراتية العشرات من المصريين على خلفية تأييدهم للرئيس المصري «محمد مرسي»، بعدما قامت بزج نحو أربعة عشر مصريا من الأكاديميين والمعلمين والأطباء والمهندسين والصحفيين في قضية ضمت عددا من أبناء الإمارات فيما يعرف إعلاميا بـ«الخلية المصرية الإماراتية».

وقد قضى هؤلاء شهور من الإخفاء القسري قبل أن يتم تلفيق القضايا بحقهم، والحكم عليهم بالسجن لعشرات السنوات وإبعاد تسعة منهم قسريا وبطريقة مهينة إلى الدولة المصرية عن غير إرادة منهم، وفي خديعة وتحايل على مفوضية شؤون اللاجئين التي تدخلت لمنح المصريين التسعة حق اللجوء السياسي لبعض الدول الغربية بناء على رغباتهم.

وقد سجلت الإمارات في هذه الواقعة أول حالة انتهاك موثقة لاتفاقية جنيف الخاصة باللاجئين السياسيين.

ويشير إلى أن سلطات الإمارات، قد قامت خلال هذه الفترة أيضا بالقبض على نحو 65 مصريا وإخفاؤهم قسريا لمدة ثلاث أشهر في أحد سجونها السرية، ثم أبعدتهم لمصر بدون ضجيج أو صخب إعلامي.

وتؤكد المصادر أن الإبعاد القسري الذي يتبع فترة الإخفاء القسري للمقيمين لم يقتصر على فئة البدون أو المقيمين المصريين بل شمل معظم الجنسيات العربية التي تشهد بلادها حراكا سياسيا واجتماعيا.

يشار إلى أن المحكمة الاتحادية العليا في الإمارات أصدرت أحكاما بالجملة في يوليو/تموز 2013 طالت عشرات من المواطنين، ومن بينهم الشيخ «سلطان بن كايد القاسمي»، وهو أحد أبناء عمومة حاكم إمارة الشارقة، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ دولة الإمارات، وذلك بعد اتهامهم باعتناق أفكار جماعة الإخوان المسلمين والانتماء لجمعية الإصلاح.

كما قضت المحكمة حينها بالسجن لمدة 15 سنة بالتهم ذاتها ضد 8 أشخاص، إضافة إلى السجن لمدة 10 سنوات ضد 56 شخصا، والسجن 7 سنوات ضد 25 آخرين، فيما أمرت بمصادرة أموال بالملايين وعقارات ضخمة وأغلقت مواقع إلكترونية وحسابات على الإنترنت.