مجتمع » حريات وحقوق الانسان

الشيخ النمر.. صوت صارخ في الصحراء

في 2016/01/05

السفير اللبنانية-

«قد لا أنتهي من كلمتي إلا وأنا في السجن أو تحت التراب. لكن هذه الدنيا صراع بين الحق والباطل. بأم أعيننا شاهدنا قوات الشغب تضرب نساءنا واطفالنا. هذه أعراضنا. روحنا نقدّمها ولا نقبل أن يُعتدى على نسائنا. رفض الظلم هو التشيّع. ومن قام بالعمل هو السلطة السياسية وليس السلطة الدينية.. أنا حذرت السلطة من قبل، وقلت لهم: انتم من يحرك السلطة الدينية ضدنا. لن نسكت، ولن نخاف، ومن لديه استعداد للحوار فليتفضل. تريدون اعتقالي تفضلوا. وإذا اعتقلت لا تخرجوا في تظاهرة، فليس الشيخ النمر قضيتنا وانما قضيتنا الكرامة، واذا حال الوضع بيننا وبين كرامتنا سندعو الى الانفصال، وكرامتنا أغلى من هذا الوطن، بل أغلى من هذه الأمة».
تلك الخطبة النارية شكلت بداية الصراع المحتدم بين الشيخ النمر والسلطات السعودية..
من يقرأ أو يستمع الى تلك الفقرة من خطبة في شباط العام 2009، ويعزلها عن الظروف التي اتت فيها يخال أن الحديث يدور عن تمرّد مسلّح للانفصال وهدم الدولة، لا بل الأمة.
ولكن الوقائع ربما تفسر الكثير.
يومها كانت واقعة «تصوير النساء في مقبرة البقيع» تقطع شعرة معاوية بين الشيعة والسلطات السعودية. انفجر غضب الشارع بعدما اتهمت نسوة كنّ يزرن البقيع، التي تحوي قبور اربعة من الأئمة الاثني عشر (الحسن بن علي، وعلي بن الحسين، ومحمد الباقر، وجعفر الصادق)، اعضاء من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بتصويرهنّ.
تظاهر محتجون من ابناء الطائفة الشيعية في اكثر من مكان، وكان التجمع الاكبر عند مقبرة البقيع، حيث استخدمت قوات مكافحة الشغب العنف المفرط بحق المحتجين.
انهى الشيخ النمر وقتها خطبته واختفى، بعدما بلغه أن السلطات السعودية ستقوم باعتقاله.
لم تكن تلك المرّة الأولى التي يواجه فيها النمر قراراً بالاعتقال. في أيار العام 2006، اعتقل الشيخ لفترة قصيرة فور دخوله الأراضي السعودية قادماً من البحرين حيث شارك في ملتقى دولي عن القرآن الكريم. وفي 23 آب العام 2008، اعتقل مجددا في القطيف على خلفية انتقادات وجهت للحكومة السعودية من قبل سعد الفقيه لعدم قدرتها على اعتقال رجل الدين الشيعي لأنه «محمي من ايران».
في مقال نشرته صحيفة «واشنطن بوست» في تشرين الأول العام 2014، كتب الباحث في جامعة اوكسفور توبي ماتثيسن ان «الدور السياسي لنمر متجذر في تقليد طويل من النشاط الشيعي الذي يعود إلى تأسيس المملكة العربية السعودية، والذي أدى إلى تأسيس الحركات الإسلامية الشيعية منذ السبعينيات. فهو ينحدر من عائلة بارزة من العوامية، وهي قرية شيعية فقيرة نسبيًا وتحيط بها مزارع النخيل خارج القطيف، كبرى المدن الشيعية في المملكة السعودية. والعوامية لديها تاريخ طويل من مقاومة نظام الحكم في السعودية. وفي الواقع، جد النمر قاد تمرداً مسلحاً في عامي 1929-1930 ضد جباة الضرائب والمبشرين بالوهابية السعودية.
واشار ماتثيسن الى ان «النمر أصبح مسيساً خلال هذه الأحداث، وانضم إلى حركة الشيرازي، التي كانت قد بدأت الانتفاضة. وكانت حركة الشيرازي منظمة سياسية شيعية يقودها رجل الدين العراقي ـ الإيراني، محمد مهدي الشيرازي، ولكن الجزء الأكبر من مؤيديه كانوا من شيعة دول الخليج، وخصوصاً الكويت، والبحرين، والمملكة العربية السعودية. وقد التحق بالحوزة العلمية في إيران، ومن ثم أصبح مدرساً في حوزة الحركة في السيدة زينب، قرب العاصمة السورية دمشق».
ويتابع ماتثيسن انه «في مطلع التسعينيات، تفاوض الأعضاء السعوديون من حركة الشيرازي على تسوية سياسية مع الحكومة السعودية، وقبلوا بالعفو العام الذي قدمه آنذاك الملك فهد، في مقابل وقف أنشطتهم المعارضة. ورغم ذلك، كان هناك عدد من نشطاء المعارضة، ومنهم على وجه الخصوص مجموعة من رجال الدين بقيادة النمر، ممن عارضوا الاتفاق، لأنهم اعتقدوا أن الدولة السعودية لم تغير وضع الشيعة.
ومع ذلك، يضيف ماتثيسن، «بقي النمر شخصية هامشية خلال بداية الألفية الثانية، بينما حاول الملك عبد الله الوصول إلى الشيعة، وشملهم في بعض المؤسسات التمثيلية للدولة السعودية. ولكن، وبينما اشتدت التوترات الطائفية الإقليمية والتنافس السعودي الإيراني، ومع تجدد الاحتجاجات الشيعية في المنطقة الشرقية في العام 2009، عاد العديد من الشيعة السعوديين الشباب ليعجبوا بخطبه النارية التي تنتقد بشكل مباشر أسس الدولة المعادية للديموقراطية وللشيعة».
منذ خطبة «مقبرة البقيع» ظل النمر متوارياً عن الأنظار حتى العام 2011، بعد هبوب رياح «الربيع العربي» التي وصلت نسماتها الى القطيف والعوامية، ولم يظهر بعد ذلك إلا بين الحشود، سواء في الجنازات أو في مسجده، أي في كل الأماكن التي يصعب فيها إلقاء القبض عليه من دون وقوع خسائر بشرية أو اثارة اضطرابات امنية. وكان النمر رجل الدين الشيعي السعودي الوحيد الذي دعم الاحتجاجات في البحرين، ومختلف أنحاء المنطقة الشرقية.
بعد وفاة الأمير نايف في 26 حزيران 2012، وقف نمر النمر على منبره في القطيف، ليدافع عن احتفاء بعض الشباب بموت «الطاغية»، فقال «كيف لا نفرح؟ الذي قتّل أولادنا ألا نفرح بموته؟ الذي سجّن أولادنا ألا نفرح بموته؟»، مضيفاً «هذه البلاد يحكمها أبناء عبد العزيز إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. هذا تصريح نايف. فليحكمها من القبر!».
ولكن بعيداً عن المواقف النارية عبر منابر المساجد والحسينيات، فإن طروحات النمر كانت اصلاحية، ولعلّ اكثر ما يعبر عنها عريضة رفعها الى نائب امير المنطقة الشرقية.
في الواقع لم تتضمن تلك العريضة سوى مطالب اصلاحية مشروعة، يفترض أن الهدف منها تعزيز الوحدة الوطنية في الدولة السعودية وليس هدمها، توزعت على ابواب: «الحرية العقائدية والفكرية» و«الحرية المهنية» و «الحرية الاقتصادية» و«الحرية السياسية» و«العدالة الاجتماعية» و «العدالة القضائية».