فواز العلمي- الوطن السعودية-
العفو منك يا منظمة العفو، لأنك خذلت القيم الإنسانية بسلب حقوق المقتول المجني عليه واستبدالها بحقوق القاتل الجاني، فتسببت في اختطاف مبادئ الحرية والعدالة من آلاف اليتامى ومئات الثكالى
العفو منك يا منظمة العفو، لأنك خالفت بالأمس جميع الأديان وكل الأعراف والقوانين، عندما اتهمت المملكة زورا وبهتانا بعدم التزامها بمبادئ حقوق الإنسان، لتنفيذها حكم الإعدام في حق 47 إرهابيا وتكفيريا ومحرضا، ممن ثبت بالدليل القاطع وأمام القضاء العادل، وعلى مرأى ومسمع القاصي والداني، أنهم لا ينتمون إلى الإنسانية بصلة، ولا يعيرون للحقوق أهمية.
فأين كنت أيتها المنظمة عندما كفَّر هؤلاء المجرمون أئمة مجتمعهم، وأهدروا دماء أبناء جلدتهم، وعاثوا فسادا بحقوق الإنسان الأعزل، وأضرموا بأفكارهم التكفيرية نيران هجماتهم الإرهابية؟
بل أين كنت أيتها المنظمة عندما قامت مملكة الإنسانية، خلال وجود الإرهابي "نمر النمر" في سجنه أكثر من 3 سنوات، بنقل وعلاج زوجته من مرض السرطان في أفضل مستشفيات أميركا بمدينة "نيويورك"، وذلك على نفقة المملكة بالكامل طبقا لتقرير مجلة "فورن بوليسي ريفيو" الصادر يوم الأحد الماضي؟
والعفو منك يا منظمة العفو لأنك أهنتِ بالأمس رؤية مؤسسك البريطاني "بيتر بينيسون"، الذي شعر بالغضب الشديد عندما زجت دولة البرتغال بطلابها في السجن يوم الأحد 5 فبراير عام 1961، لأنهم رفعوا كؤوسهم تحية للحرية، مما دفعه لكتابة مقاله الشهير في صحيفة "الأوبزيرفر" البريطانية، وأطلق حملة أثارت ردود فعل عارمة بين الدول المتقدمة، وطالبته بإنشاء منظمة العفو الدولية، ليتضامنوا معه من أجل ترسيخ مبادئ العدالة والحرية في أرجاء المعمورة.
فأين هي هذه الحرية التي سلبها إرهاب الفئة الضالة من شهداء الوطن؟ وأين هي العدالة التي خطفتها يد الغدر من المجتمع المسالم في مملكة تبذل قصارى جهدها لاستتباب الأمن وتوفير الأمان لكل مواطن ووافد وزائر؟
والعفو منك يا منظمة العفو، لأن تقريرك الصادر بالأمس خذلك في سرد الحقائق، فامتلأ بالمتناقضات والمغالطات، عندما أعلنت فيه أن هدف المنظمة الطموح لن يتحقق إلا بعد الإفراج عن آخر سجين رأي في العالم، وعندما يتم إغلاق آخر غرفة إعدام في المعمورة، لتصبح مبادئ الإنسان واقعا ملموسا لدى شعوب العالم، مشيرة بذلك إلى احتجاجك المتكرر على ارتفاع عدد السجناء في دولنا الخليجية إلى 22 ألف سجين، وزيادة عقوبات الإعدام في العام الماضي إلى 865 حالة، بينما تتجاهلين ارتفاع عدد السجناء في الدول المتقدمة إلى 5 ملايين سجين، ليساوي 50 % من كل سجناء العالم، إضافة إلى معتقلي سجن "جوانتانامو" الذين وصل عددهم إلى 166 سجينا، منهم 48 معتقلا لم توجه إليهم تهمة واحدة إلى يومنا هذا، ولم يخضعوا للمحاكمة، رغم مضي أكثر من 12 سنة على اعتقالهم.
والعفو منك يا منظمة العفو، لأننا اكتشفنا بالأمس في تقريرك فضيحة الخلط بين الحق والباطل، وتغاضيك عن التقارير الدولية التي أثبتت دون أدنى شك أن الهجمات الإرهابية خلال العام المنصرم، طالت 161 دولة في جميع أنحاء العالم، وازدادت بنسبة 80 %، ليزداد عدد قتلى الإرهاب إلى أكثر من 32 ألف شخص، ويرتفع عدد جرائم القتل إلى أعلى مستوياته التاريخية ليقارب 468 ألف جريمة في العام الماضي فقط، اقتُرِفَ 62 % منها في الدول التي ألغت أحكام الإعدام في سعيها إلى الحصول على صك الغفران من منظمة العفو الدولية.
والعفو منك يا منظمة العفو، لأنك خذلت القيم الإنسانية بسلب حقوق المقتول المجني عليه، واستبدالها بحقوق القاتل الجاني، فتسببت في اختطاف مبادئ الحرية والعدالة من آلاف اليتامى ومئات الثكالى، الذين فقدوا أعز الناس لديهم بسبب خلطك بين واجبات القاتل وحقوق المقتول.
ألا يكفيك أيتها المنظمة تفاقم حدة انتشار الإرهاب في العالم بسبب ازدواجية معايير حقوق الإنسان لديك، وعدم قناعتك أن القصاص من الإرهابي هو أكثر عدلا وأعظم حقا من الرفق به؟، ولماذا تسمحين لمبادئك المضللة وأهدافك المغلوطة أن تمنح المجرم القاتل حقه في الحياة لتمكنيه من الفرصة السانحة لتكرار جريمته، وقتل مزيد من الأبرياء العُزَّل، كما حدث مؤخرا أمام أعينك وفي عقر دارك في أميركا وفرنسا وبلجيكا؟
والعفو منك يا منظمة العفو، لأنك أغفلت التقارير الرسمية والقرارات الدولية الصادرة بشأن مكافحة الإرهاب منذ 3 عقود، والتي أكدت جميعها ضرورة تدخل المجتمع الدولي بأكمله لمنع هذه الجريمة النكراء، مع إلزام جميع الدول بمعاقبة مرتكبيها.
لذا، ننصحك أيتها المنظمة بدراسة القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، من أهمها القرار رقم 1269 الصادر عام 1999 بشأن دعوة جميع الدول: "للعمل سويا لمنع وقمع جميع الأعمال الإرهابية"، وقرار منظمة الأمم المتحدة رقم 1373 الصادر عام 2001، الذي طالب: "بحشد المجتمع الدولي بأسره لمكافحة الإرهاب وتخويله باستخدام القوة، مع اتخاذ التدابير اللازمة لمنع الأنشطة الإرهابية وتجريم مختلف أشكالها"، والقرار رقم 1634 الصادر عام 2005 الذي أدان: "جميع أعمال الإرهاب بغض النظر عن دوافعها، وكذلك التحريض على هذه الأعمال، وألا توفر الدول الأعضاء ملاذا آمنا لأي أحد يُدان لارتكاب سلوك من هذا القبيل".
وتقديرا لما تبقى من ذكاء خبرائكِ، وترقباً لما تحيكه مؤامرات تقاريركِ، علينا الاقتناع اليوم بأنكِ منظمة لن تعفو عنا إلا إذا قارعناك بقوة حججنا وأحقية مواقفنا، لننقذكِ وننقذ العالم من ازدواجية معاييركِ، وضبابية أقنعتكِ، وانتقائية أهدافكِ.