د. زهير الحارثي- الرياض السعودية-
الفكر الغربي يرتهن للعقلانية والمنطق في كل شيء، والفكر الإسلامي لا يعارض ذلك التوجه طالما انه لا يتعارض مع حرمة النص الديني. ومع ذلك فتطبيق عقوبة الإعدام في نظر المسلمين هو تكريس لمفهوم العدالة
بعد تنفيذ الاحكام القضائية على من دينوا بأعمال إرهابية من قتل وتفجير وتحريض طُرحت أحاديث وأقاويل واجتهادات ليست بالضرورة صحيحة حول طبيعة هذه الاحكام وتبعاتها.
وبعيدا عن التسيس والطروحات المفتعلة من بعض الأصوات والأطراف التي تبحث عن التصعيد والاثارة وخلق الفتنة نقول وبكل موضوعية ان الاحكام جاءت تكريسا للعدالة وتأكيدا لهيبة الدولة وعزمها والتزامها بمكافحة الإرهاب عبر كافة الأصعدة وبالتالي الحفاظ على استقرار النسيج المجتمعي.
الاحكام مرت بمراحل متعددة استناداً على نظام الإجراءات الجزائية من الاستدلال للتحقيق والمحاكمة العلنية وانتهاء بالتصديق من الملك على الاحكام لتأخذ طريقها للتنفيذ فضلا عن الضمانات وحقوق المتهم وسلامة الإجراءات التي يكفلها النظام. وكانت محكمة الاستئناف قد طعنت في أربع قضايا عقوبتها الإعدام كما تم تعويض من ثبتت براءتهم بمبلغ 15 مليون ريال وفي هذا رد صريح على الاتهامات التي طالت القضاء.
رسائل مهمة وصلت لأطراف عدة في الداخل والخارج سواء لمن أمعنوا في التحريض والتخريب او من يقف وراءهم داعمين لأجندة سياسية خالصة. ويتوازى ذلك مع رفض المملكة للضغوط والتدخلات الخارجية وعدم خضوعها للمساومة وهي لا تلبث ان تصر ان قضاءها مستقل ولا يمكن السماح لأي من كان بالتدخل في احكامه.
كما ان محاولة اللعب على الوتر الطائفي امر مرفوض ومستهجن والقضاء السعودي بعيد عن هذه الدائرة فهو ينظر للقضايا بتجرد وهو محكوم بالوقائع التي امامه وتوفر الأركان المادية والمعنوية للجرم وكان من المتهمين سنة وشيعة ولكن العقوبة طبقت عليهم بسبب ما اقترفوه من جرم بغض النظر عن الانتماء الطائفي، وهذه قواعد قضائية محددة ومعروفة. ومن المعروف ان الاحكام القضائية في كل دول العالم يجب ان تحترم حتى وإن لم تتفق معها وهو عرف وتقليد يتبع في اغلب دول العالم.
وفي هذا السياق درجت منظمات حقوقية في الغرب على المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام مع محاولات جادة لإلغاء عقوبة الإعدام من قبل الاتحاد الأوروبي الذي يكرس جهده لتحويل مشروع قرار سبق أن طرحه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ليصبح قانوناً ملزماً يدعو فيه الدول الأعضاء إلى إسقاط عقوبة الإعدام. ومع ذلك فالغرب يطرح أفكاراً تنويرية، وهذا محل تقدير واهتمام من حيث المبدأ، إلا أن المشكلة تحدث حينما لا يقدر على التمييز في نوعية الطروحات مع المسلمين، أو مع الدول التي تطبق الشريعة تحديداً، فعندما يتعلق النقد بقضايا تمس العقيدة، فإن نتيجة الحوار تكون سلبية.
نحن نتفهم حماس تلك المنظمات التي تنطلق في دعوتها من زاوية حقوقية وإنسانية بحتة ولكن اشكاليتها انها لا تأخذ في الاعتبار الابعاد الدينية والثقافية والفكرية للمجتمعات. "الإعدام" المحدث في الغرب يختلف عن مصطلح "القصاص" الذي أقره الإسلام، فالأخير تأصيله شرعي إلهي محدد بنص صريح وقطعي، بينما الأول وضعي إنساني متغير النصوص والظروف، وبالتالي فدعوى الإلغاء التي يطرحها الغرب تتعارض وبشكل صريح مع مبادئ القانون الدولي، التي تعطي الحق السيادي لكل دولة في أن تصوغ نظامها الجنائي والقانوني وفقا لتركيبتها الثقافية والفكرية والاجتماعية.
تطبيق عقوبة الإعدام هو تكريس لمفهوم العدالة كما يرى المسلمون بينما يرى (البعض) في الغرب أنها تنتهك حقوق الإنسان، اذن نحن امام رؤيتين مختلفتين، فالمرجعية تحدد المفصل الجذري في المنشأ العقائدي والفكري لهذه الثقافة أو تلك، فالعقلية الغربية ترى وجوب الفصل ما بين الدين والدولة (العلمانية)، في حين أن المسلمين يرون أنه ليس ثمة انفصال بينهما، فالدين يشمل (الكل) والدولة جزء ينتمي إلى هذا (الكل)، ولذلك نخلص من هذا بالقول إن المرجعية الإلهية (النص القرآني) تختلف عن المرجعية الوضعية (الفعل الإنساني). وبالتالي يتضح هنا جذر المشكلة والتي تعود إلى اختلاف المرجعية. ومع ذلك فالمقام هنا ليس للهجوم أو الانتقاد أو التقليل من قيمة الآخرين وطبيعة اختياراتهم بقدر ما هو محاولة لتوضيح مفهوم اختلاف المرجعيات.
لاحظ مثلا القوانين الأميركية ترتكز على النشأة الوضعية (الإنسان) في حين أن الأنظمة السعودية، تستنبط من النص الإلهي وبالتالي فإن المرجعية لكلا البلدين تختلف اختلافا كليا، ففي الولايات المتحدة تلعب هيئة المحلفين دوراً رئيسياً في إدانة متهم تكون عقوبته الإعدام، في حين أن هذه العقوبة، وفي دولة كالمملكة لا تأخذ مكانها بالتطبيق إلا بعد دراسة القضية من قبل (13) قاضياً، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تجد أن عقوبة الإعدام في الولايات المتحدة يتم تطبيقها فقط في بعض الولايات، بعد أن تداركت المحكمة الدستورية قرارها عام 1973 بإلغاء العقوبة، لتعطي لكل ولاية الحرية في اتخاذ القرار المناسب بشأن تطبيق هذه العقوبة أو إيقاف العمل بها. في حين أن المملكة ملتزمة بتطبيقها متى ما توفرت شروطها.
وبعد تنفيذ الاحكام في 47 إرهابيا وفي تدخل سافر خرج علينا ملالي إيران وحزب الله والائتلاف العراقي بتصريحات غير لائقة ومتشنجة وعدوانية تكشف عن استهداف معلن لمكانة المملكة فهي تصريحات مرفوضة ومستهجنة، وهي بعيدة عن اللياقة الدبلوماسية، وطهران هي آخر من يتحدث عن هكذا مواضيع، والمسألة ليست لها علاقة بإيران ولا يجوز لإيران أن تتدخل في الشؤون الداخلية للمملكة وعلى إيران الابتعاد عن إشعال الفتنة الطائفية، والا تكون جزءا من المشكلة.
كما فوجئنا باقتحام مجموعات ايرانية للسفارة السعودية والقنصلية وإضرام النار فيهما وتساهل رجال الامن وربما عن قصد ما يعني انتهاكا للمواثيق الدولية ولمبادئ القانون الدولي وهذه جرائم واعمال عدوانية يُدينها المجتمع الدولي ويبدو ان طهران تجاوزت كل الخطوط الحمراء ولم تعد تكترث بالمواثيق الدولية وما زالت تعيش عقلية الثورة وليس الدولة بدليل هذه الممارسات العنترية.. وإذا كانت طهران غير قادرة على حماية البعثة الدبلوماسية السعودية وفقا للقانون الدولي فعودتها لأرض الوطن مطلب لسلامتها قبل اي شيء اخر.
ولا بد من وقفة حازمة للسعودية ودول الخليج في رفض هذه السلوكيات حتى لو وصل الامر الى قطع العلاقات وطرد السفير الايراني من المملكة، كما فعلت البحرين وان تلحقها الدول الخليجية المتضررة. نقول هذا اضطرارا لأن سلوك طهران هو من يدفعنا لهذا القول.
والحقيقة لاننا (هرمنا) ونحن نطالب إيران بأن تنحو للحكمة والحوار والارتهان للعقل وتغليب مصلحة استقرار الاقليم فهي دولة مسلمة وجارة ولكن لا حياة لمن تنادي.
وكنا قد تفاءلنا في بداية حكم روحاني وبالتصريحات الايجابية آنذاك التي لم تستمر وما لبثت ان عادت ريما لعادتها القديمة، بالتدخلات في شؤون دول الجوار وزعزعة امنها تارة والتصريحات الاستفزازية الطائفية تارة اخرى ما يعني ان لديها مشروعا توسعيا ولا تكترث بما يخدم استقرار المنطقة.
صفوة القول: الفكر الغربي يرتهن للعقلانية والمنطق في كل شيء، والفكر الإسلامي لا يعارض ذلك التوجه طالما انه لا يتعارض مع حرمة النص الديني. ومع ذلك فتطبيق عقوبة الإعدام في نظر المسلمين هو تكريس لمفهوم العدالة بينما يرى البعض في الغرب أنها تنتهك حقوق الإنسان ما يعني ان الخلاف في أساسه عقدي وفكري وسوء فهم، ولا علاقة له بحقوق الإنسان.