الخليج الجديد-
تعد أحوال السجناء، وخاصة السجناء السياسيين، من أبرز التساؤلات التي تترد في المجالس ومنصات الحديث عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبخاصة بعد سلسلة القوانين الحاطة للكرامة الإنسانية والإجراءات التعسفية المتواصلة خلال السنوات الخمس الفائتة من عمر الدولة المقدر بأربعة وأربعين عاما .
«الخليج الجديد» تنفرد كعادتها بسلسلة تقارير عن أحوال السجناء والمعتقلين في الإمارات من مصادرها الخاصة، والتي رفضت الإفصاح عن هويتها لأسباب أمنية خاصة بها.
في هذا التقرير نجيب على التساؤل حول كيف يدير السجناء والمعتقلين شؤونهم الخاصة والضرورية بالسجون العمومية الاتحادية وتحديدا «الصدر والوثبة»، عبر قسم «الأمانات المالية والكانتين الثابت والمتحرك» وما يتبعه من إجراءات تنظيمية تصب ربحيتها في جيوب السلطات المختصة بإدارة السجون وتوزع عليهم بنهاية كل سنة مالية بحسب تلك المصادر.
سجن الصدر
تفيد مصادرنا الخاصة بأن الوجبات الثلاث المسماة «التعيين» التي تقدمها سلطات السجن للسجناء لا تلبي حاجاتهم في ظل منعهم أهاليهم وذويهم من اصطحاب حاجاتهم المعيشية والغذائية أثناء زياراتهم الأسبوعية المخصصة لهم. حيث يلجأ السجناء للاتفاق مع صاحب «عربانة» الكانتين المتحرك، الذي يرجع ريعه لسلطات السجن، فيذهب السجين، بعد أن يصطف في طوابير الكانتين، إلى موظف من ذوي الجنسية الهندية أو البنغالية ليشتري منه حاجاته خلال المرات الثلاث الذي يأتي فيها إلى كل عنبر من عنابر السجن يوميا.
ويضيف المصدر أن أسعار المستلزمات تباع عبر «العربانة» بأثمان باهظة إذا قورنت بمثيلاتها خارج أساور السجن من حيث النوع والقيمة، ولا يُقبل عليها السجين إلا إذا كان لديه حساب مالي بقسم الأمانات المالية التي يجري افتتاحه للسجين بمجرد دخوله إلى السجن.
وتقضي أنظمة سجن الصدر بتقنين مقدار المال السائل والمحدد بمائتين وخمسين درهما (68 دولارا) في يد السجين أسبوعيا. وتقوم السلطات بسحب هذا المبلغ منه وتحرير إيصال استلام يحمل رقم السجين، حيث يقوم شرطي الأمانات بزيارة كل عنبر مرة واحدة أسبوعيا ليخبر من لديهم حسابات بحركة رصيد حساب أماناتهم، ويقوم الضابط المختص بمنح السجين احتياجاته المالية الضرورية والمقننة من قبل السلطات المختصة التي تساعده على شراء وجبات غذائية وملبوسات ومشروبات وبطاقات هاتف وغيرها من اللوازم الشخصية.
وفي سجن الصدر قد لا يتاح للسجين فرصة الاتصال بذويه إلا مرة واحدة أسبوعيا أو كل أسبوعين بحسب الكثافة العددية داخل كل زنزانة. حيث يأتي مُعرّف العنبر المعتمد «غالبا ما يكون أكبر السجناء سنا» بالمرور اليومي عليهم وتسجيل أسماء شخصين فقط من كل زنزانة للذهاب إلى غرفة الاتصال الهاتفي التي لا تحتوي إلا على ماكينة اتصال هاتفي واحدة ويصطف السجناء طوابير داخل هذه الغرفة وقد تستغرق مدة انتظاره نهارا كاملا حتى يأتي دوره من بين أربعين شخصا وقع عليهم الاختيار لإجراء مكالمات هاتفية.
سجن الوثبة
يقيم سجناء سجن الوثبة في عنابر مكونة من ثلاث طوابق، تحتوي على زنازين بها أسرّة تتباين مساحاتها. فهناك زنازين تسع فردين يخصص لهما سريران، ومع ذلك تشغلها السلطات بثلاثة سجناء، والزنزانة التي تسع ستة أسرّة تشغلها السلطات كذلك بعشرة سجناء، والزنزانة التي تسع اثنى عشر سريرا تشغلها بضعف هذا العدد، وليس من حق السجين أن يعترض أو يمتعض لأن البديل في حال الشكوى أن يحمل بطانيته ومرتبته «الدوشك» لينام عليه في الممرات حيث التيارات الهوائية. وتشهد السجون مشاجرات كل ليلة بسبب صعوبة النوم والحركة، خاصة أن كافة الزنازين تطفئ فيها الأنوار مع حلول الساعة العاشرة ليلا، حيث يكتفى بإضاءة لمبات الممرات المؤدية للزنازين.
وتضيف المصادر أن كل عنبر يحتوي على ساحة صغيرة تتوسط الأضلع الأربعة للعنبر يستخدمها السجناء لأداء الصلوات الخمس جماعة، كما يشاهد فيها السجناء التلفاز المبرمج لمشاهدة بعض الأفلام الهندية والعربية ومباريات كرة القدم والبرامج الترفيهية ومسابقات المواهب. وتقوم السلطات بإطفاء الكهرباء والبث عند حلول منتصف الليل عدا أيام الخميس والجمعة من كل أسبوع.
وتشير المصادر إلى أن أوضاع السجناء في سجن الوثبة العمومي تعد الأفضل إذا قورنت بمثيلتها في سجن الصدر الذي يبعد بضع أمتار عن سجن الوثبة، فإجراءات قسم الأمانات متشابهة باستثناء قيام سجن الوثبة بمنح السجين بطاقة خضراء برقم حساب الأمانات الخاص به مع رقم سري لا يعرفه سوى صاحب البطاقة يمكن من خلاله استخدامه في عمليات الشراء من الكانتين أو إجراء المكالمات الهاتفية من الأجهزة الثابتة.
وجبات السجن لا تغني ولا تسمن من جوع
وتضيف المصادر أن الوجبات الغذائية الثلاث لا تكاد تسمن أو تغني من جوع فضلا، عن الفترات المتباعدة بين وجبتي العشاء والإفطار والتي قد تدفع السجناء لاقتناء مواد غذائية مجففة باهظة الثمن من الكانتين تسد جوعهم في الليل. حيث تلزم الإجراءات السجين بعدم إدخال ما يدخره أو يقتطعه من الوجبات الأساسية التي يتلقاها في المطعم المخصص لتناول الوجبات الثلاث خارج العنبر، ويجري تفتيشه بدقه عند خروجه منه فلا يتمكن السجين من تمرير كسرة خبز أو ثمرة فاكهة إلى داخل الزنزانة لتناولها قبل نومه، ومن ثبت ضبطه بمثل هذه «الممنوعات» تجري محاسبته بتوجيهه إلى معاونة عمال النظافة للممرات والمطاعم وغسل الصحون أو يحبس ليلة واحدة في زنزانة فردية.
وتلفت المصادر أيضا إلى أن سلطات سجن الوثبة والصدر توفر في كل صباح كوبا من الشاي بالحليب وعند المساء كوبا من الشاي لكل سجين، ونظرا لأن بعض السجناء كان يعمل في مطابخ تجهيز الأطعمة والمشروبات، فقد تسربت معلومات للسجناء بأن هذه المشروبات الساخنة وضعت فيها سلطات السجن زيت الخروع الذي يؤدي إلى حالة استرخاء للعضلات وتقنين للرغبة الجسدية، ما دفع العديد من السجناء إلى الامتناع عن احتساء هذه المشروبات، ووالسعي لتأمين حاجاتهم الأخرى كالنسكافيه والقهوة والينسون والكركديه والشاي الأحمر والأخضر من الكانتين رغم ارتفاع أسعاره كما سبق الإشارة إليه، من حساباتهم الشخصية التي تعبأ بواسطة ذويهم مباشرة أو عبر حساب مصرفي حددته سلطات السجن للزائرين المعتمدين لديها بطلب من السجين.
وتؤكد المصادر أن سجناء سجن الوثبة قد يكونون أكثر حظا من غيرهم القابعين في سجن الصدر، فعنابر سجن الصدر أرضية فقط وتنقسم إلى نوعان، عنابر للسجناء الخطيرين وهي شديدة الحراسة وفردية، وعنابر أخرى يضم كل منها عشرين زنزانة متقابلة بينهما ممر بحيث يرى السجناء بعضهم البعض لكنهم لا يخرجون من زنزاناتهم إلا عند تناول الطعام في الأماكن المخصصة، على عكس سجن الوثبة العمومي فجميع السجناء غير مقيدين في حركاتهم كما أن الزنازين تظل مفتوحة على مدار الساعة، في حين تغلق العنابر ببوابات حديدية محكمة.
مكالمات السجناء مراقبة ومسجلة
وتستعرض مصادرنا نظام الاتصال الهاتفي المعمول به في سجن الوثبة العمومي، حيث يؤكدون على خضوعه لرقابة صارمة، فجميع السجناء مسموح لهم تعبئة استمارات بها خمسة أسماء كحد أقصى من أقاربهم سواء داخل الدولة أو خارجها، ويجري شحن بطاقة الهاتف أسبوعيا من قبل «عريف» العنبر حيث يجري إعداده مساء كل يوم سبت لتقديمه لموظف قسم الأمانات لشحن بطاقته الهاتفية بالرقم المالي الذي يحدده. وعبر أدوات الهاتف الثابتة والموزعة في الممرات يقوم السجين بالاتصال بذويه من الساعة التاسعة صباحا وحتى الخامسة مساء عدا الجمعة والسبت حيث يغلق النظام الهاتفي تماما. ولا تجد سلطات السجن ثمة غضاضة من أن تسمع السجين وذويه رسالة تفيد بأن جميع هذه المكالمات مسجلة ويمكن الرجوع إليها عند الضرورة.
وتكون مدة المكالمة الواحدة 15 دقيقة بالأسعار المحلية والدولية المعلنة عبر شركة «اتصالات» الإماراتية، ولا تسمح السلطات بإدراج اسم محامي السجين الذي قام بتوكيله عبر كاتب العدل بالشهر العقاري ضمن قائمة مكالماته.
السخرة لمن لا يمتلك المال
وتختتم المصادر بالقول أن سلطات السجن تدفع المساجين الذين لا يتوافر معهم المال إلى العمل بنظام «السخرة» في أعمال النظافة والمطبخ منذ الصباح وحتى المساء وتمنحهم عن كل يوم عمل «درهمان» لإتاحة الفرصة لهم لشراء حاجاتهم الضرورية من أطعمة أو بطاقات هواتف يتواصلون بها مع ذويهم سواء كانوا داخل الدولة أو خارجها.