يحيى عسيري- الاخبار اللبنانية-
يتناول بعض الخبراء الشأن السعودي بطريقة لا تتلاءم مع طبيعة النظام والمجتمع السعوديين، فكثير من التحليلات تتحدث عن الحكام السعوديين وكأنهم خيار شعبي، أو كأنهم أصحاب مشروع سواء كان المشروع المتوهم دينيا أو قوميا، وبهذا تجري المقارنة بين الحكام المتناوبين على الحكم، متجاهلين طبيعة النظام الملكي الوراثي الممسك بمقاليد كل شيء.
بعد تولي الملك سلمان للحكم قال بوضوح «سأسير على خطى من حكموا قبلي»، واختصر الطريق على المحللين المتكلفين في المقارنات الذين وعدوا وراهنوا على عهد جديد، وكان واضحاً أنّ العهد ليس إلا امتدادا لتسيير الإرث والحفاظ عليه كقيمة مقدسة ووحيدة. والفروق في الإجراءات لا في السياسات ولا في الأهداف، وما في الإجراءات فهو قطعاً لم يكن لمصلحة الشعب على الإطلاق، فمنذ اللحظة الأولى كان الناس ينتظرون العهد الجديد بإجراء معتاد مع كل ملك جديد، إفراج عن معتقلي الرأي الأبرياء الذين جمعهم الملك السابق عبد الله، فيصدر ما يسمونه عفوا ملكيا في محاولة لخلاص كل ملك من تحمل تبعات استمرار اعتقال أصحاب رأي اعتقلهم من سبقه، إلا أننا هذه المرة رأينا تشديداً أكثر على نشطاء السعودية، الذين لم يُبق منهم العهد السابق أحدا، إلا سجنه او ضيّق عليه، وجاء العهد الجديد ليضيف المزيد من المحاكمات والاعتقالات والتضييق. ثم أعلن سريعاً تغييرات حكومية واسعة، كان أهمها تعيين وزير الداخلية محمد بن نايف وليا للعهد، وتعيين محمد بن سلمان ولياً لولي العهد.
ومحمد بن نايف هو المسؤول الأول عن انتهاكات حقوق الإنسان، ومن كان يجب أن يؤخذ للمحاكمة أو يقال على الأقل لاثبات فتح صفحة جديدة مع هذا الشعب، الذي عانى القمع طويلاً. وإذا كان تعيين بن نايف يعد مؤشرا إلى قمع متزايد، فإنه بالتوازي معه يُعدّ تعيين محمد بن سلمان وتسليمه المناصب تلو المناصب مؤشرا إلى استمرار الفساد والمحسوبيات والتعجل في التوريث، الذي أهلك البلاد، وهذه أولى الخطوات المحبطة للمهتمين بالشأن الحقوقي.
اما الإعدامات، فسجلت الأرقام إعدام 152 شخصاً في 2015 ليكون بذلك العام الأعلى في الأرقام منذ عشرين عاماً حتى الآن، وفي أحكام أغلبها تعزير لا قصاص، كما نفّذت السلطات بداية العام الحالي إعداما جماعيا بسبعة وأربعين محكوماً عليهم في يوم واحد، كما أن الصغار في السن حُكم عليهم بالإعدام في قضايا لا تتناسب مع أعمارهم.
أما الخطوات الإصلاحية التي يتحدث عنها البعض، فكثيراً ما تتخذ السلطات السعودية - في الأزمات - بعض العمليات التجميلية، التي غالباً ما يتناولها الإعلام بشيء من التضخيم، ثم لا يرى لها المجتمع أثراً على الأرض وتختفي. فالملك عبدالله عين نائبة لوزير، ورأى الإعلام أن هذه خطوة إصلاحية عظيمة، والآن المرأة أقيلت وانتهت القصة.
كما أن السلطات السعودية سمحت بانتخاب ثلثي المجالس البلدية وبدخول النساء أخيراً، لكن الإعلام يضخم الحدث ولا يذكر أن المجالس البلدية دون أي صلاحيات، وأن لا قرار لها.
السلطات تعلن إجراء تعديل في نظام العمل والعمال، وتفرض غرامات مالية على بعض أرباب العمل الذين ينتهكون حقوق العمال، الإعلام يشكر الخطوة ولا يذكر أن العامل الذي يعمل ساعات طويلة جداً فوق الساعات المحددة له، وفي بيئة غير ملائمة، وتُنتهك كل حقوقه وفق نظام الكفالة، الذي لا يسمح له بالسفر أو بتغيير المهنة أو بإجراء كثير من أموره إلا بإذن الكفيل، هذا العامل عاجز قانونياً كل العجز عن مقاضاة الكفيل الذي ينتهك حقوقه، ويبقى التعديل حبراً على ورق ما عدا في صفحات من اعتبروه إنجازاً.
كما أن السلطات السعودية أعلنت استقبال عدد من السوريين، إلا أنها حتى الآن لم توقع ولم توافق على الاتفاقية الخاصة باللاجئين، ولم تستقبل أي لاجئ سوري على أراضيها، وبهذا لا ينال السوريون الموجودون على أراضيها أياً من الحقوق المنصوص عليها في الاتفاقية الخاصة باللاجئين، كما لا يملكون الضمان القانوني بعدم ترحيلهم إلى بلادهم كما حصل مع عدد من اليمنيين والصوماليين الذين رحلتهم السلطات السعودية بأعداد رهيبة بعد احتجاز قاسٍ تعرضوا فيه للضرب والحرمان من الطعام والشراب، ثم رحّلوا إلى بلادهم التي تعاني الحروب.
وفي شهر حزيران الماضي ألقى الملك سلمان خطاباً مهماً أعلن فيه أن أي مواطن سعودي يستطيع مقاضاة الملك نفسه، وأيِّ عضو من أعضاء الحكومة وأفراد الأسرة الحاكمة، وأن حقه في ذلك حق أصيل ومكفول، وأنه لا حصانة لأحد في البلاد.
وأضاف أنه يرحب بالنقد، وطلب من كل مواطن يرى أي خطأ أن عليه أن ينبه له ويتحدث عنه، قائلاً: «أبوابنا مفتوحة وهواتفنا مفتوحة وآذاننا مفتوحة».
هذا على الصعيد الإعلامي، أما على الأرض، فالواقع مختلف تماماً. فعلى صعيد حرية التعبير عن الرأي، فقد قالت السلطات السعودية مراراً وعبر أكثر من مسؤول إن حرية التعبير مكفولة في السعودية، ومع هذا فالمملكة تفرض سيطرتها التامة على كل وسائل الإعلام في الداخل، كما استهدفت عددا من المواقع والحسابات على الانترنت بالحجب والاختراق، حتى إنها لم تتورع عن استهداف حساب المغرد المعروف «مجتهد» في موقع «تويتر» لكونه من أهم الحسابات السعودية، وهذا ما تفعله من استهداف مع عدد من المواقع التي تسعى لنقل الحقيقة.
وفي شهر أيلول الماضي حجبت السلطات تصفح موقع «القسط» في السعودية، تلى ذلك أن كتب الكاتب تركي الشلهوب مقالا ينتقد فيه حجب الموقع، ونُشر المقال في صحيفة «نون بوست»، فحُجبت الصحيفة، وحُجبت صحف ومواقع أخرى كثيرة منها «الخليج الجديد» و«شؤون خليجية» وغيرهما الكثير.
ومن وقت لآخر يُلقى القبض على نشطاء ويواجه بعضهم محاكمات مطولة وغير عادلة، وتحقيقات واستدعاءات لمجرد تعبيرهم عن آرائهم، كما ألقي القبض على الكاتب المعروف الدكتور زهير كتبي، واعتقل بعد مقابلة تلفزيونية على قناة «روتانا» المملوكة للوليد بن طلال، وذلك بعدما وجه كتبي نقده لتصرفات جهاز المباحث، وطرح بعض أفكار الإصلاح السلمي في السعودية.
وفي الواحد والعشرين من كانون الأول الماضي، صدر الحكم بحق زهير كتبي بالسجن لأربعة أعوام، ومنع من السفر خمسة أعوام، وبغرامة مالية قدرها مئة ألف ريال، وخمسة عشر عاماً منع من الكتابة. كل هذا بعدما أعلن الملك أن آذانه مفتوحة، وبعدما طالب الشعب بأن ينتقد بأريحية.
كما اعتقلت السلطات في تموز الماضي النشطاء خالد المصلوخي ومحمد عواد الشمري وعبدالله صالح، وذلك أثناء اعتصام نفذه عدد من أبناء القبائل النازحة قرب «منفذ سلوى» الحدودي مع قطر، لطلب تصحيح أوضاعهم أو السماح لهم بالنزوح إلى قطر، إلا أن السلطات فرّقت ذلك الاعتصام، واعتقلت النشطاء مع أنهم عديمو الجنسية في السعودية، ولا يتمتعون بأيّ حقوق إنسانية، ويعيشون حياة قاسية جدا، وتضطرهم السلطات إلى الفقر المدقع أو الجريمة. وتزايد أعداد البدون دون تقديم حلول جدية وسريعة من شأنه أن يفاقم الوضع على نحو كبير جداً.
وتقريباً يقبع الآن كل نشطاء حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين في السجون، أو أنهم في المحاكمة، أو تحت التضييق الشديد، وضحايا حملة لا هوادة فيها ضد أي نقد لانتهاكات السلطات، وضد كل شكل من أشكال المعارضة مهما كان سلمياً، وكذلك ضد حرية التعبير عن الرأي.
وفي إطار الحرب على الإرهاب، فقد سبق أن شنت السلطات في مرات متفرقة، تقريباً بعد كل هجوم يتهمها بالعلاقة بالإرهاب، تشن حملة اعتقالات، أو تتحدّث عن احباط مخططات، وأحياناً تحصل العمليات، وفي كثير من الحملات السابقة يتضح بعد زمن أن عددا من الضحايا أبرياء. وفي شهر أيار الماضي شنت السلطات حملات اعتقالات واسعة طاولت العشرات وعددا كبيرا من أبناء المعتقلين الذين لم تتجاوز أعمارهم سن الثامنة عشرة، وكان عدد منهم من الذين نشطوا في المطالبة بالإفراج عن ذويهم المعتقلين، وعدد آخر من أقارب أو أصدقاء أشخاص آخرين توجهوا للقتال في أماكن الصراع في الخارج.
وفي شهر تموز الماضي إعترفت وزارة الداخلية بأنها نفذّت حملة اعتقالات واسعة طاولت 431 شخصاً في «إطار الحرب على الإرهاب»، موضحةً أنها استهدفت بالاعتقالات أعضاء من تنظيم «داعش». وبعيداً عن المخاوف المشروعة من عدم صحة انتماء المعتقلين لأي عمل إرهابي، كان هناك صخب إعلامي يشيد بالعمليات، وأخيراً، ثبت الإفراج عن عدد منهم بصفتهم أبرياء لا علاقة لهم بأي شيء، وأُخذت التعهدات منهم لمنعهم من الحديث عن تجربتهم، وذلك بعدما نشروا صورا لبعضهم ولمنازلهم مما يسيء لهم ولأسرهم على المدى البعيد، ولا يمكن تعويضهم بعد كل ما تعرضوا له من حملة استهدفتهم دون أن يكون لهم أيّ ذنب.
لا أنظمة تحمي المرأة
ما من أنظمة تحمي المرأة على نحو كاف من العنف المنزلي وغيره من أشكال العنف القائم على نوع الجنس، بل إن هناك ممارسات تمييزية ضدها وتنتهك حقوقها الشرعية والقانونية، ولعل بعضها، تلك المرتبطة بعجزها في كثير من الأحوال عن مقاضاة المنتهك لحقوقها إذا كان هو ولي أمرها، وبسبب ضعف البنية القضائية، كما تتمسك كثير من الدوائر الحكومية بما يسمى ولي الأمر دون وجود أي مسوغات شرعية أو قانونية.
ووفقاً لذلك تحرم المرأة من ممارسة كثير من حقوقها المشروعة، وتمنع من السفر والعمل والدراسة وفي بعض الأحيان من العلاج بسبب غياب ولي الأمر، كما يجري التعامل مع النساء البالغات كقصر لا يحق لهن التصرف في شؤون حياتهن.
في المحصلة، كان العام الأول من العهد السلماني مليئا بالانتهاكات والمظالم، لقد كان عام خوف وبؤس على الشعب، تراجعت الحقوق فيه أكثر، وزاد القمع أكثر... ومع ذلك نأمل عاماً جديد أفضل.