جاسر الدخيل- خاص راصد الخليج
لم تكن الحادثة التي شغلت الرأي العام السعودي وصفحاته على شبكات التواصل الاجتماعي هي الحادثة الاولى من نوعها والتي ترتكبها عناصر هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فحادثة ما اطلق عليه اسم «فتاة النخيل مول» لم تكن الاولى ولن تكون الاخيرة، لكنها بلا شك فتحت الباب من جديد على ممارسات هذه الهيئة وسلطتها وتسلطها على رؤوس العباد.
لكن هذه الحادثة الاخيرة تتميز عن سابقاتها في انها ترتبط بعنصر آخر هو ذلك رجل الامن الذي يعمل لصالح المركز التجاري، والذي سارع لمساعدة الفتاة، لا في الدفاع عنها امام بطش رجال الهيئة وانحطاط اخلاقهم، ولكن لستر جسد الفتاة التي ظهرت عوراته جراء طريقة تعامل الهيئة معها ومحاولة اركابها في سيارتهم. والذي يزيد الطين بلة ان مبارك الدوسري ( رجل امن المول) يبدي خوفه من الهيئة او الحضور بين يديها للاستماع الى افادته او التحقيق معه خوفا من تلفيقات قد تقوم بها بحقه بحسب ما قاله لصحيفة عكاظ. وهذا الامر بحد ذاته يثير لغطا كبيرا واشكالية مزدوجة. فالهيئة بحسب اسمها هي هيئة للامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكيف يمكن ان تكتسب المشروعية في ظل خوف الناس من انها قد تلفق التهم لهم؟ وثانيا كيف يمكن لهيئة كهذه ان تتسبب بكشف عورة فتاة اثناء اركابها في سيارة الهيئة فيما مهمتها الاساسية هي الحفاظ على كرامة الناس وحمايتهم من الامتهان؟
والواقع ان اسلوب رجال الهيئة في التعامل مع الفتيات خصوصا، فيه احتقار كبير وتطاول على الاعراض. اذ كيف تسمح الهيئة لرجالها باركاب الفتيات بالقوة بسيارتهم بسبب مخالفة صغيرة جدا لتكون النتيجة ان عملية الاركاب تتم عبر مسك الفتيات ولمسهن من اماكن حساسة، لا سيما اذا حصل نوع من المقاومة من قبل الفتاة؟
ان هذا الامر يعيد طرح ضرورة مشاركة المرأة في هذه الهيئة، لتفادي حالات التلامس بين رجالها وبين اي فتاة مخالفة، لتتولى عند ذلك نساء الهيئة في هذه العملية. فهل هذا ممكن؟
نظريا هذا ممكن وفق ثلاثة احتمالات: اولها ان هذا يعني جلوس نساء الهيئة المفترضات مع رجال الهيئة في سيارة واحدة..او جعل سائق خاص لهن ..او السماح لهن بالقيادة. وهي ثلاثة احتمالات يصعب تصور حصولها لان الهيئة نفسها تحارب هذه الاحتمالات بنفسها. فهي تمنع تواجد رجال مع نساء في سيارة واحدة ما لم يكونو من المحارم، وتسعى للتقليل من ظاهرة توظيف سائق للمرأة بسبب منعها من القيادة بنفسها، وبالتالي فان منع قيادة المرأة للسيارة لن يسمح بتمرير قانون يستثني النساء اللواتي قد يعملن في الهيئة.
وبالعودة الى الحادثة المذكورة فان رئاسة الهيئة رغم اعترافها بان عناصرها التي باشرت الواقعة لم تلتزم بالأنظمة والتعليمات المتعلقة بآلية الضبط والاستيقاف، وانها اتخذت بحقهم عقوبات، لكنها رفضت الافصاح عن طبيعتها، في وقت تقتضي العدالة ليس فقط في اتخاذ العقوبات تجاه المخالف وانما ايضا في انصاف المعتدى عليه. واذا ما كانت الهيئة اعترفت بمخالفة عناصرها للتعليمات، فان رجل الامن مبارك الدوسري الذي سارع لستر الفتاة ينبغي التعامل معه على انه قام بعمل الهيئة التي ينبغي ان تقوم به، ما يطرح سؤالا مشروعا : هل ان هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر باتت تحتاج الى هيئة تراقب اعمالها بالطرقات وتسارع لاعتقال المخالفين منهم؟