سمر المقرن- الجزيرة السعودية-
تقول لي ابنتي معاتبة: «أنتِ متناقضة، وتعانين من الازدواجية، فعندما نسافر إلى الخارج تسمحين لي بالخروج لوحدي، وهنا بالرياض ترفضين خروجي».. قلت: «هذه الازدواجية خلقها المجتمع المخيف، فعندما تخرجين لوحدك بالخارج فأنا لا أشعر بالخوف عليكِ فلن يصادفك من يعتقلك بلا سبب وبلا قانون لأنكِ تسيرين كاشفة الوجه، ولن يتحرش بكِ أي شخص لأنه وبكل بساطة لديهم في الخارج أنظمة تمنع التحرش.. وهذا بكل بساطة سبب خوفي عليكِ من الخروج وحدكِ بالرياض»..!
إن هذه المشاهد المخيفة والمتكررة لا تجعلني أمنع ابنتي من الخروج وحدها بالرياض، بل إنني أخاف على نفسي، وكثيرًا ما تعاتبني الصديقات لرفضي الخروج معهنّ، وعدم الذهاب إلى مراكز التسوق إلا للضرورة القصوى كوني أستغل كل فرصة سفر لشراء احتياجاتي واحتياجات أبنائي، وأحاول تأجيل شراء أي شيء حتى تسمح لي الفرصة للسفر خارج المملكة. حتى الخروج للترفيه والمطاعم والمقاهي لا أحبذه مطلقاً في الرياض، ودائمًا ما يسخرنّ مني صديقاتي بقولهن: «أنتِ بحاجة إلى جولة سياحية في الرياض»، بل إنني لا أعرف كثيرًا شوارعها لقلة خروجي سوى لمنزل عائلتي وبعض الواجبات الأسرية والمستشفيات، عدا ذلك وبصدق، لا أستطيع الخروج للأسباب أعلاه.
فمثلاً مشهد كالذي حدث لفتاة مجمع النخيل التجاري، قد يحدث لأي امرأة، دون سابق إنذار، ومشاهد التحرش بالنساء المتكررة قد تحدث أيضًا بسبب عدم وجود أي قانون رادع للتحرش، بل إنه لو وصل الأمر لتقديم شكوى فسيتم -أحيانًا- إلقاء اللوم بالكامل على المرأة كونها المصدر الأساسي للإغواء، وهذا ينتشر في العقل الجمعي الذي يحمل هذه الفكرة المسيطرة على السلوك الفعلي أو القولي في المجتمع، وأكثر ما يمكن التعبير عنه بالقول إن المرأة غير متسترة، مع أننا في المملكة لا يوجد لدينا امرأة غير متسترة نظرًا لكون جميع النساء يخرجن بالعباءة، لكن تحديد شكل ولون العباءة يُعتبر في الأفكار المنحدرة من أصول تنظر إلى المرأة بدونية، هي ما تصنف النساء بعباءة مستترة وعباءة غير مستترة!
وما جعل تلك الأفكار تنتشر داخل المجتمع، بل وتُطلق الأحكام على مدى عفة المرأة وحجم ما تتمتع به من فضيلة، هو تحكم أصحاب الفكر السطحي في مفاصل نشر الأفكار والمواقع المنبرية التي تبث هذه الترهات داخل المجتمع، بل ويعزز وجودها القانون الذي قد يحاكم امرأة لعدم تغطيتها وجهها ويجعل من منفذ هذا القانون أن يتجاوز على آدميتها بسحلها وضربها وإيذائها نفسيًا وجسديًا!
عدم الشعور بالأمان هو أمر مخيف جدًا، ومن الطبيعي أن الإنسان الذي يعاني من عدم الشعور بالأمان هو إنسان بحاجة إلى أن يعرض نفسه على طبيب نفسي، لكن عدم الشعور بالأمان في مجتمعنا ليس له علاقة بهذا الخلل، فهو ناتج عن حالة فكرية سيطرت على المجتمع، وقوانين تدعمها وتمنح منفذها كامل الحرية في طرق الإجهاز على فريسته، وهذا لن يتغير إلا بقوانين مدنيّة تدعم حريّة الإنسان وتجعل الجميع يتوقف عند القانون!