مجتمع » شؤون المرأة

مستقبل قيادة المرأة

في 2016/03/09

هادي فقيهي- مكة السعودية-

في عام 1980 وبعد أن ابتكر مهندسوها تقنية الهواتف الخلوية كلفت شركة الهاتف والبرق الأمريكية (آي تي آند تي) فريقا من شركة ميكانزي، عملاق الاستشارات العالمي، بدراسة حجم السوق المتوقع لهذه التقنية بحلول عام 2000 من أجل تحديد ما إذا كانت تستحق اهتمام الشركة. حددت الدراسة الإقبال على اقتناء الجوالات بأنه لن يتجاوز مليون جهاز خلال العشرين سنة القادمة وهو التحليل الذي دفع بآي تي آند إلى صرف النظر عن هذا السوق بسبب تدني عوائده الاستثمارية. ولكن ما حدث خلال الأعوام التالية كان طفرة في سوق الجوالات الذي بلغ حجمه 110 ملايين جهاز في عام 2000 مما اضطر آي تي آند تي إلى دخول السوق عبر الاستحواذ على إحدى الشركات المنافسة بكلفة تجاوزت 12 مليار دولار.

تنبؤ ميكانزي كان أبعد من الحقيقة بنسبة 99% ولا يزال يذكر عظة وسخرية كشاهد على قصر النظر والاطمئنان إلى ديمومة الحاضر. ولم لا نسخر من ميكانزي وعباقرتها الذين يجنون المليارات من الحكومات والشركات حول العالم، فنحن متى ما فحصنا ماضينا الذي كان في يوم ما مستقبلا مجهولا نستغرب عجز من عاشوا آنذاك عن قراءة المستقبل الذي كان ينتظرهم، فكل ما حدث يبدو بديهيا ومتصلا بكل ما سبقه. غير أن قراءة التاريخ تختلف تماما عن صناعته، فالنظرة إلى الماضي دائما ما تكون بجودة «ستة على ستة»، ولكن حين نرفع رؤوسنا لنقرأ ما يختبئ خلف الأفق فغالبا لا نرى أبعد من أرنبة الأنف ونعيش المستقبل متى ما حل كمفاجأة سقطت من السماء ولم تخطر على بال أحد.

في واقع الأمر لا يشكل المستقبل أكثر من تطور للحاضر الذي نعيشه الآن بشكل يلغي بعض هذا الحاضر ليمنح مساحة ودورا أكبر لبعضه الآخر، والحيلة تكمن في أي جزء من الحاضر نختار التركيز عليه والإيمان بسيطرته. فعلى سبيل المثال شكل محرك البحث «قوقل» ثورة لم تكن بالحسبان حدثت أمام أعيننا وفي ظرف حياتنا هذه لتغير قرونا من طريقة حصولنا على المعرفة والتعامل معها. ولكن في أذهان المشتغلين بعلم الحاسب لم يكن «قوقل» سوى نتيجة متوقعة لنصف قرن من البحث في مجال تقنية المعلومات الذي بدأه كلود شانون حين أطلق نظريته المعروفة بنظرية المعلومات في عام 1948، والفارق بين ردة فعلنا كعامة تجاه «ثورة قوقل» وردة فعل المختصين بتقنية المعلومات أن كلا منا عاش حاضرا مختلفا رغم توافقنا الزمني. وبسبب هذا الاختلاف الذي لا مفر منه، ننقسم إلى فريق يواجه ضبابية المستقبل وغموضه بإنكار حقيقة أن الحاضر لا يدوم والتشبث بالخيار الآمن، وفريق يفتش في كل جديد عن الفكرة التي ستصبح موضة الغد ليصنع منها نجاحا لم يسبقه إليه أحد. وإذا علمت أن الدراسات التي فحصت استجابة الناس للابتكارات في محيطهم أظهرت أن 15% فقط يختارون تجربة منتجات أو أفكار لم يثبت نجاحها بعد بينما ينتظر البقية نتائج المبادرين قبل المغامرة بتغيير واقعهم، فإنك ستعلم سبب فشلنا في التنبؤ بالمستقبل ودهشتنا من التغيير الذي يحمله.

فأي حاضر تعيش الآن وأي مستقبل تعتقد أنه ينتظرنا؟ هل تشاركني الرأي أن المخالفة المرورية الوحيدة التي ستحصل عليها خلال أعوام من الآن ستكون عقابا لمحاولتك قيادة سيارتك بنفسك بدل أن تترك مهمة القيادة للسيارة نفسها؟ فقبل عشر سنوات لم تكن السيارات ذاتية القيادة سوى مشروع تخرج يحاول تطبيقه طلاب الهندسة قبل أن تتحول إلى تقنية تقف خلفها شركات مثل قوقل وأبل وتتطور يوما بعد يوم بشكل مدهش يقدم حلا لفشل البشر في قيادة مركباتهم بشكل آمن دون التسبب في قتل مليون ومائتي ألف شخص في عام واحد، كما ستقدم حلا نهائيا لجدالنا الأزلي حول قيادة المرأة. وهل تعتقد أن الروبوتات بمقدورها أن تلغي الحاجة إلى نصف القوة العاملة من البشر خلال العقود القليلة القادمة؟ ربما تشعر بقيمة وظيفتك ولا يهمك الأمر، ولكن لك أن تعلم أن الجيل القادم من الروبوتات سيتمكن من أداء وظائف الأطباء والمحامين والمهندسين بشكل قد يفوق البشر دقة وسرعة.

يستخدم الاقتصاديون مصطلح «تأثير الشبكة» لتفسير الكيفية التي تتحول فيها فكرة حاضرة لا تثير الانتباه إلى مستقبل ينسينا كل ما سبقه. فالمنتجات التي تزداد قيمتها كلما ازداد عدد مستخدميها تخلق شبكة من المستهلكين الذي يتحولون إلى مبشرين بهذه المنتجات، لأن قوة الشبكة تنبع من عدد أفرادها. فقيمة جوالك لا تكمن في حجم شاشته أو سرعة معالجه، وإنما تكمن في شبكة المستخدمين الآخرين الذين يمكنونك من استخدام جوالك لمهاتفتهم أو مراسلتهم، وبالتالي فإن مصلحتك تمكن في دعوة أكبر عدد من أهلك وأصدقائك إلى اقتناء جوال أو تحميل تطبيق مراسلة أو الانضمام إلى تويتر. وهذه الآلية التي تتحول فيها أنانية الأفراد إلى فائدة للجماعة تعد مفتاح النجاح الذي يحول فكرة من خبر عارض لم تمنحه اهتماما إلى سلوك يتشاركه مجتمع بأكمله.

ففي كل حين سيعيش البشر في شبكات تعتمد فيها سعادة الفرد على مشاركة الجماعة، وعملية الانتقال من الحاضر إلى المستقبل في كثير من تفاصليها لا تعدو كونها عملية بحث عن شبكة أكثر نفعا. والفكرة تفرض سيطرتها على الواقع متى ما أصبح الانضمام إلى شبكتها أكثر فائدة من الاحتفاظ بالشبكة القديمة.