يعقوب سيادي- الوسط البحرينية-
جاءت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو)، Convention on the Elimination of all forms of Discrimination against Women ، (CEDAW)، تتويجاً لجهود أممية خلصت في العام 1949، بعقد مؤتمر عالمي لعدم التمييز بين الناس والقضاء على العبودية، ثم في عام 1967 تم اعتماد ونشر «إعلان القضاء على التمييز ضد المرأة» بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، رقم 2263 (د-22) المؤرخ بـ 7 نوفمبر/ تشرين الثاني، والذي كان خيارياً للدول التوقيع عليه والالتزام به، نتيجةً للعادات الاجتماعية والممارسات الدينية المتوارثة، والتي تحتاج التدرج للانتقال منها إلى مجتمع مدني يتساوى فيه البشر وخاصة نساؤه برجاله.
في سبتمبر/ أيلول 1972، تم الاعتماد الأممي لسنة 1975 سنة دولية للمرأة تحت شعار «مساواة- تنمية- سلام»، ثم في يوليو/ تموز 1980، تم عقد مؤتمر دولي تحت شعار «عقد الأمم المتحدة للمرأة العالمية، المساواة والتنمية والسلام» (والعقد عشر سنوات). في 18 ديسمبر/ كانون الأول 1979، ومن بعد مشاورات دولية استمرت خمس سنوات، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة «اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة» (السيداو)، والتي على إثرها تم عقد مؤتمر نيروبي الدولي، لتقييم التقدم في تنفيذها، وذلك في العام 1985، ثم في عام 2000 تم عقد مؤتمر بكين للمراجعة ورفع التحفظات، وبحلول عام 2009، كان عدد الدول الموقّعة على اتفاقية «السيداو» 185 دولة عضواً في الأمم المتحدة.
كل تلك التطورات جاءت تدرجية مع متابعة الأمم المتحدة، وحضها الدول على الالتزام بالاتفاقية ورفع تحفظاتها، التي أساسها ترتيب الدول بُنْيَتَها التشريعية وأوضاعها القانونية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والمدنية والخدمية، بما تتساوى فيها المرأة مع الرجل في الحقوق والواجبات، وعلى وجه الخصوص الترجمة الفعلية لمبتغى الاتفاقية المتلخص بتحقق «إن التنمية التامة والكاملة لبلد ما، ورفاهية العالم وقضية السلم، تتطلب جميعها أقصى مشاركة ممكنة، من جانب المرأة على قدم المساواة مع الرجل، في جميع الميادين».
والمُطَّلع على نصوص مواد الاتفاقية ومفاهيمها الحقوقية الإنسانية، لا يجد فيها ما يعترض عليه أي إنسان عادل حصيف، لأنها لم تأتِ بجديد في حقوق المرأة، تلك الحقوق التي أولت الأديان الرجل، مسئولية إدارتها بالضمان للمرأة، ألا تُجبَر ولا تُقهَر على أمرٍ لا تقبله في نفسها وقلبها وعقلها، وخاصة الإجبار على الزواج ممن لا تَقبَل ولا تهواه نفسها، إلا أولئك الذين يرون أن المرأة أَمَةٌ، مملوكةٌ لرجل (الأب- الولي)، يتناقلها منه إلى رجل آخر (ولي-زوج)، والمرأة عند هؤلاء أي شيء، إلا الإنسانة المتصفة بمثل صفاته، من امتلاك العقل المدبر، لاحتياجاتها الخَلْقِية وتولي شئونها الحياتية. ولو صحّ ذلك لهلكت أية امرأة، بهلاك وليِّها، ولا محالة ما فلحت في تربية نشئها من الأبناء، نتيجة بقائها دون زوج أو أب ماتا، أو دون أخ عقّها وولّى عنها الأدبار، وبقيت امرأة وحيدة تدير أمور نشئها، من ذكور وإناث، ربما فيهم القُصَّر والبالغين سن الرشد، فأنشأتهم تنشئة وربتهم تربية، عجز عنها كثرة من الرجال.
فكل الأمور منوطة عند كلا المرأة والرجل، سواء في زواجهما أو افتراقهما، في تعاونهما أو تجافيهما، فهي منوطة بما ملكت عقولهم من علم وخبرة وتَدَبُّر، وما ملكت قلوبهم من ودّ وتراحم وتأثّر، وليس بسرمدية التفسير البشري لـ»ما ملكت أيمانكم»، فترى تلك المرأة ربما أحكم تدبراً من ذاك الرجل، وترى ذاك الرجل ربما أصوب قراراً من تلك المرأة، فليس هناك ما يعيب الإنسان أو يرقيه، نتيجة لأنوثته أو ذكورته، بل هي الظروف الحياتية، من فقر وغنى، من تعليم وتجهيل، من رعاية وإهمال، من مثابرة ويأس، من تمكين وزجر، هي من تنشئ الإنسان وترقيه أعلى المراتب، العلمية والأخلاقية والتربوية، وتنمي عنده الجَدارة والتَمَكُّن، أو تُلهِيه وتُضَيِّعُه، وتُفْقِرُه وتُجَهِّلُه .
فالتنشئة الصحيحة للنسل في البيوت، والتعليم وغرس المفاهيم والقيم الإنسانية، التي تقوم بها الدولة، تعاضداً وتكاملاً واتساقاً، مع جهود مؤسسات المجتمع، الدينية والمدنية، والمنظومة التشريعية والقانونية، التي تسند الحق الإنساني، للمرأة والرجل توحيداً في الإنسانية، وعدم التفريق بالأنثوية والذكورية، هي الميزان الذي توزن به أمور الإنسان الحياتية، في علاقاته الخاصة والعامة، التي ببنائها الصحيح، لن يرى المتخوفون من رفع التحفظات، التي أباحتها الأمم المتحدة للدول، مؤقتاً لحين تهيئتها لمجتمعاتها منذ 1949 إلى اليوم، لكي تبنى مجتمعاتها بما يجعل اتفاقية «السيداو» ملزمةً إنسانياً لكل البشر، لن يرى أولئك أياً من دواعي تخوفهم.
فلم يعد مقبولاً في العام 2016، من بعد مضي 67 عاماً على المؤتمر العالمي لعدم التمييز بين الناس والقضاء على العبودية، أن يحدثنا البعض اليوم، عن رفضه رفع التحفظات التي أبدتها بعض الدول، ورفضت التوقيع على الاتفاقية ندرة منها، دون تبيانهم لنصوص التحفظات واحداً تلو الآخر، وأثرها المباشر في حالتي استمرار التحفظ ورفعه.
فإن سَوْق إدعاءاتٍ على عواهلها، بما تقرأه علل النفوس المتضررة، من انتفاع البشر بحقوقهم، على قاعدة الوالي والولي والولاية الجبرية، بما يجعل بعض رجال الدين ومدّعي ذلك، وآخرين دونهم، مستعيضين بوجوب ولايتهم على المرأة، عن تولّي بعض الأنظمة أو متنفذيها رقابهم، فقَوَّلوا اتفاقية «السيداو» ما لم تقل.