هاشم عبده هاشم- الرياض السعودية-
لدينا مشكلة حقيقية تتثمل في تباين الأنظمة والقوانين، وفي نظرة فئة من المجتمع تجاه المرأة كإنسان.. والمرأة ككيان.. والمرأة كوعي.. وثقافة.. وتعليم.. وتربية سوية في مجتمع تطورت مفاهيمه في مناح كثيرة.. ولم تتطور بنفس القدر.. نحو هذا الكائن الذي أثبت أنه جدير بالثقة والدعم لإطلاق مواهبه.. وتغيير طاقاته وإفادة المجتمع به بصورة أفضل..
وعندما قلت تباين الأنظمة الرسمية في التعامل مع المرأة داخل دولة واحدة.. وفي إطار مجتمع واحد.. فإنني أشير بذلك إلى تعاملنا معها في مجلس الشورى.. منذ دخلته عضواً في عام (1434ه) وحتى اليوم..
فقد عاملتها الدولة.. وعاملها الأعضاء.. كما عاملها المجتمع باحترام شديد.. مقدراً كفاءتها.. ومستفيداً من خبراتها.. وطاقاتها الإبداعية.. وفرضها لاحترامها على الجميع.. حتى أصبحت اليوم ترأس العديد من لجان المجلس المهمة والحيوية..
حدث هذا لأن الدولة أرادت باختيار (30) سيدة فاضلة لعضوية المجلس أن تكسر الحواجز النفسية الوهمية، وتتخطى المفاهيم الضيقة والمحدودة.. وتنظر إليها كإنسان.. وكطاقة.. وكخبرة علمية حتى أصبح لها دور ومشاركة في الكثير من الهيئات والمنظمات الدولية.. وحصلت على أرقى الجوائز نظير ما أسهمت به في خدمة الإنسانية من أعمال تشرف كل فرد فينا وترفع رؤوسنا..
لكن الغريب في الأمر هو.. أن المرأة التي كرمتها الدولة بهذا الشكل وصفق لها المجتمع بكل حرارة.. هي المرأة التي سمحت لها نفس الدولة بالمشاركة في المجالس البلدية ناخبة ومنتخبة.. هي نفس المرأة التي منعها نظام المجالس البلدية من الجلوس مع الرجل في صالة واحدة لتحمل المسؤولية.. وأداء الواجب تجاه المواطنين الذين وثقوا فيها واختيارها لتمثيلهم في هذه المجالس.. أليس هذا غريباً وعجيباً وغير مفهوم.. ومثيراً للدهشة.. في آن معاً؟!
المرأة تجلس مع الرجل في مجلس الشورى، وتمنع من ذلك في المجلس البلدي فأين هي المعايير؟
وكيف نمنع هذا التناقض البين.. ونرتهن لاجتهادات الأفراد.. ومواقفهم.. مضحين في ذلك بهيبة دولة.. ومتجاهلين رغبة مجتمع في تصحيح هذه النظرة الظالمة ليس فقط للمرأة.. وإنما للدولة التي تعي.. وتدرك مسؤوليتها جيداً.. وتعمل على تعديل وتطوير وتصحيح المفاهيم المغلوطة.. إدراكاً منها لمصلحة البلد ولأهمية استثمار العنصر النسائي في المكان والزمان المناسبين بعد تعطيل وشل قدراته لأحقاب طويلة.. طويلة..
وإذا كانت السيدة الفاضلة "لمى السليمان" عضو مجلس بلدي جدة التي تعرفها أوساط المال والأعمال في المملكة حق المعرفة لما تملكه من طاقات وقدرات إبداعية ومساهمات حيوية قد تركت مكانها مكرهة ليشغله رجل آخر.. لسبب غريب وعجيب وداخل نفس البلد الذي يتابع مشاركات المرأة الفاضلة في مجالس الشركات.. والبنوك.. وشركة أرامكو.. وفي غيرها بكل تقدير واحترام، فإن وقوع هذه الحالة لا بد وأن يكون بداية لمعالجة جذرية ومفصلية لذلك التباين بين أنظمتنا.. بدلاً من أن نترك الأمور مفتوحة.. وغير مقننة أو محكومة برؤية واحدة تفرضها مصلحة البلد أولاً وأخيراً..
ضمير مستتر:
مستقبل أي بلد.. لا يكتبه الأفراد.. ولا تحميه النظرة الضيقة.. في كل العصور..