مجتمع » شؤون المرأة

المرأة.. من سجن الجسد لرحاب الإنسانية !

في 2016/06/01

تضعنا حادثة محاولة زوج قتل الطبيب- الذي قام بتوليد زوجته غيلة باستدراجه وإطلاق النار عليه- أمام عدد من الإشكاليات الثقافية ، فالحادثة تشي بعلاقة الثقافة المأزومة والمضطربة بالمرأة ، ومحورية المرأة -بكل ما يتعلق ويرتبط بشؤونها- في جدلياتنا الثقافية الاجتماعية آنياً وعبر السنين الماضية من قبل !. تضمَّنت التعليقات التفاعلية على الخبر والتي تأججت في مواقع التواصل طوال الأسبوع الماضي حمولات دلالية تشي بعمق هذه الأزمة،وشدة احتدامها في مجتمع يمور بالمتغيرات والتحديثات ، والأفكار الجديدة عن المرأة ودورها ومكانتها من جهة ، بينما لايزال لاوعيه الجمعي غارقاً في سرديات متكلسة عن المرأة ، ومسكوناً بمفاهيم محنطة تختزل المرأة وتحبسها في سياج الجسد والفتنة والعار والشنار!. وذلك على حساب كينونتها ، وكرامتها كإنسانة كرمها الله تعالى وأعلى من شأنها، كما كرم أخاها الرجل !وهنا يحضر الجسد كمعرف أول لهوية المرأة ليحتل الصورة بكافة تفاصيلها كما عودتنا ثقافة التشييء والجواهر المكنونة ، لتتوارى وراءه -ومع حضوره الطاغي في الثقافة- كافة المكونات الأخرى وعلى رأسها إنسانية المرأة وكرامتها ، وحقها الأولي في حفظ النفس والذي يأتي فوق كل حق . وهنا يتداخل الثقافي الاجتماعي بالديني « المتوهم والمزعوم «، في محاولة لإكساب المفاهيم الثقافية المغلوطة الشرعيةَ، والنفخ في نارها لإطالة عمرها من جهة ، ولتبرير الاعتداءات الإجرامية المنفلتة من كل عقال ، وتسويغها ما دامت تلبس رداء الدفاع عن الشرف «الذكوري» المهدور!. حيث يقف هنا التبرير التسويغي كفعل مقاومة ، وحائط صد ممانع لحلحلة المفاهيم القارة في العقل الجمعي ، كما يكشف مكنونات اللاوعي الجمعي المشبع بفكرة دونية المرأة واختزالها في الجسد ، ليس فقط عند العامة والبسطاء بل عند شريحة من المتعلمين ، وعند بعض النساء أنفسهن !. وهنا تصبح آلية التبرير والدفاع عن الجرم - أيا كان شكل هذا التبرير والدفاع - عملاً على قدر كبير من الخطورة ، لابد من الوقوف كثيراً أمام أسبابه وتبعاته وقدرته على تغذية العنف المجتمعي واستيلاده وإعادة إنتاجه. وهنا لا بد من مساءلة الثقافة التي تغذيه وتضخ فيه من تهويماتها وعقدها المستحكمة عن معنى الشرف، والرجولة التي يكفي ذكر اسم الأم أو الأخت لخدشها والانتقاص منها ، وهلم جرا من المفاهيم والعقد النرجسية التي لا تزال تفرض سطوتها وهيمنتها على الثقافة ! فمن لزوم ما يلزم اليوم تفكيك هذه المفاهيم وإيضاح تهافت وزيف مقولاتها ، وتحرير صورة المرأة المنمطة داخل أسوار الجسد وإطلاقها لرحاب الإنسانية الفسيح ، وذلك عبر استراتيجية شاملة في التعليم والإعلام والخطاب الثقافي الموجه للمجتمع بشقيه ، ليس فقط للحد من العنف المجتمعي الذي تكون المرأة طرفاً فيه أو مدعاة لحدوثه ، ولكن لكونه شرطاً من شروط تقدم المجتمعات وتنميتها .

تكشف الجدليات المصاحبة للحادثة أيضاً، والتي دارت تجاذباتها وتدافعاتها في ساحات مواقع التواصل وتعليقات الصحف على مواقعها الإلكترونية ، عن حجم وعمق تناقضاتنا الثقافية ومفارقاتنا العجائبية ! فقد ذكرت بعض التغريدات أن ذات الثقافة التي ترفض عمل المرأة وخروجها من البيت وتقاومه ، بل وكثيراً ما تغمز وتلمز النساء اللواتي يعملن في الحقل الطبي وتتهم أهاليهن بالدياثة ، هي نفسها التي تطلب حضور المرأة الطبيبة -فقط- في مجال علاج النساء ، وذلك في معادلة عصية على الفهم ناهيك عن إيجاد الحلول !.

أمل زاهد- المدينة السعودية-