في مجتمع تهيمن عليه العادات والتقاليد، يعد عمل المرأة السعودية أحد أكبر تحدياتها وأصعب معضلاتها، فمازالت يوماً بعد يوم تنخرط في وظائف مختلفة وغير مسبوقة لتثبت فيه كفاءتها كأي امرأة في العالم، بالرغم من معارضة الكثير لها.
قد تكون المؤسسات ذو الطابع الذكوري أكثر الحصون مناعةً ضد الجنس الناعم لأسباب ثقافية واجتماعية صرفة، إلا انها بدأت خطوتها الأولى للانخراط في المجالات العسكرية والأمنية، فبالرغم مما تعيشه المملكة من تطور ونمو هائل يتطلب توسعاً في الإدوار الممنوحة للمرأة، قد نجد من يعارض دخول المجال الأمني للنساء بالرغم من ضرورته الملحة، ورغم ذلك نجد من شققن طريقهن في هذا المجال إما عن طريق الصدفة والبحث عن الوظائف أو الميل للوظائف الأمنية.
"الرياض" بدورها استطلعت رأي عدد من العاملات في القطاع الأمني للوقوف على أبرز العقبات والإنجازات ومعرفة آمالهن وتطلعاتهن.
عقبات على الطريق
في البداية قالت حنان العويد -رئيسة قسم النسخ بالإدارة العامة للوسائل الرقابية بمصلحة الجمارك العامة-: إن مشكلات عمل المرأة السعودية بالمجال الأمني كثيرة وأولها عدم كفاية البرامج الإدارية، حيث إنها قد تكون غير متوافقة مع طبيعة العمل، بالإضافة إلى السرية التامة في أداء الأعمال وعدم تفشي أي معلومات تخص العمل الأمني، الى جانب عملية المناوبة والتي تعتبر المعضلة الأساسية والتي يرى العديد أنها تخالف طبيعة المرأة، يزامنها مساواة المرأة والرجل في الحصول على الدورات الخارجية والانتدابات، ولا بد ألا نغفل جهود المرأة بكافة الأقسام الأمنية خلف الكواليس فجهودها مكثفة ومضاعفة قد لا يعلم عنها المسؤولون بحكم انعزال الأقسام النسائية عن الرجال مما يجعلها غير ظاهرة للإعلام، وبناء عليه قد تحرم من اي شكر مادي او معنوي تستحقه، كما أن الفصل بين الأجهزة والأقسام يجعل على سبيل المثال عملية التنظيم مع الجهات المعنية بمكافحة المخدرات لمعرفة وسائل التهريب والتصدي مشكلة معقدة والسبب هو انعدام عملية التواصل مع المسؤولين من الجهة المعنية وعدم التعاون بشكل كامل سواء في الندوات والمؤتمرات.
وأضافت العويد نأتي للمشكلة اليومية التي تواجها المرأة العاملة في الأمن كغيرها من النساء السعوديات العاملات، وهي المواصلات خصوصاً في عملية الاعداد والندوات والمشاركات والاحتفالات والمعارض والتي تتطلب تنقلاً دائماً، قد يكون العمل الامني زاد من علاقاتي بالآخرين وأحسسني بقيمتي في المجتمع، فخدمة الوطن واجبة علينا لننعم بخيراته ورخائه، إلا أنني كغيري ممن يعمل في هذا القطاع أجد صعوبة في إقناع المجتمع بأهميته الحسية والأمنية ومدى صعوبة ما نقوم به لحماية بلادنا وأبنائنا، مردفة قد تتغير العقلية تدريجياً إلا أنني أكاد أجزم أن أهمية عملنا تفوقت على غيرها من الوظائف لأهميتها القصوى في ظل هذه الظروف، فما لا يعرفه الأهل والمجتمع أن المرأة السعودية مستهدفة لانعزالها وحساسية الاختلاط بين الجنسين.
تطوير مستمر
وتؤكد العويد تطور عمل المؤسسات الأمنية فيما يتعلق بقطاعاتها النسائية، مضيفة إلى أنه قد يشكك الكثير بوجود برامج تدريبية أو تأهيلية لوظائفنا، وعدم قدرتنا على إتمام مهامنا على أكمل وجه، إلا انه في الحقيقة يوجد برامج تدريبية منها دورات إدارية مثل دورات التعامل ودورات الادارة وغيرها، ودورات جمركية حيث انه لدينا المعهد الجمركي ومعترف بشهاداته من وزارة الخدمة المدنية مثل دورات الأمن الجمركي، والتي تركز على اساليب التفتيش والتدريب على انواع المخدرات.
وشددت على أن حاجة المجتمع السعودي للمرأة العاملة في القطاع الأمني ضرورة فهناك من تعمل في السجون وهناك من تعمل في التفتيش النسائي حيث أثبتت قدرتها على الإنتاج والأداء لما تتمتع به من تحري الدقة والإنتاجية الممتازة غير المنقطعة، لافتة الى ضرورة وعي المجتمع بأن هذه الوظيفة هي خط دفاع المملكة الأول، كما يتوجب عليها الفصل بين عالمها الاجتماعي وانخراطها في السلك الوظيفي، والتهيئة النفسية التامة لمواجهة الجمهور.
عدالة وظيفية
أما من ناحية العدالة الوظيفية بين الجنسين فتعتبرها العويد مرضية، مضيفة السبب يعود إلى أن الوظيفة والراتب تعودان أولا إلى المستوى الدراسي للفرد، أما مدة الخدمة فهي كل اربع سنوات ترقية ولكن احياناً قد يكون هناك بعض الاعمال الميدانية التي لا يمكن للمرأة ان تقوم بها كعملها مثلاً في المنافذ البرية وعليها رواتب لخطورتها، أيضاً هناك بعض الأعمال يقوم بها الرجال لا يمكن للمرأة ان تقوم بها مثلا "سائس الكلاب" او عمليات التفتيش الكبيرة والتي تحتم على الموظف الجمركي لبس قناع ليحمي نفسه من تجار المخدرات، وكما يحصل الرجل على مكافأة تشجيعية عند اكتشافه لضبطيات، تحصل المرأة على مكافأة عند اكتشافها لأي فروقات في التدقيق الجمركي.
صورة نمطية
من جهتها توضح رائدة الدوسري - موظفة علاقات عامة وإعلام لجهة أمنية وناشطة في الحقوق الانسانية-: تختلف العوائق من مهمات الى مهمات وظيفية أخرى، فالوظيفة الإدارية تختلف في القطاع الأمني وتتشابه بعض الشيء مع العسكري وذلك لما فيه من الأمور الأمنية البحته، ومنحصرة في الصلاحيات ولابد من الرجوع الى المدير القائد وهو من يصنع القرار، أما العائق الأكثر للمرأة هو المناوبات العسكرية لعدة أيام والتي من شأنها أن تؤثر على أسرتها وعلاقتها الاجتماعية.
وأضافت من وجهة نظري المرأة أكثر إنجازاً من الرجل، الأمر الذي يقودنا للحديث عن العدالة الوظيفية، والتي تكاد أن تكون غير دقيقة في القطاع العسكري بسبب عدم قناعة المجتمع بعملها في هذا المجال، ولا تزال الصورة الذهنية لعمل المرأة إما بالمنزل أو التعليم.
بين الأسرة والوظيفة
وأشارت الدوسري إلى صعوبة امتهان هذه الوظائف في مجتمع مثل مجتمعنا، مضيفة قطعت المرأة السعودية شوطاً طويلاً في تقلدها للرتب العسكرية وصولاً إلى رقيب أول إلا انها تحتاج لأن تدخل رتب الضباط، وتفعيل الحوافز وتعديل العديد من الأنظمة في اللوائح العسكرية، وكذلك تحتاج للاهتمام بالرعاية الصحية والنفسية والتأهيلية التي تفتقدها سواء عن طريق دورات تطويرية للذات ومهارات اتصال فعال ودبلوماسية المعاملة، مضيفة للأسف الشديد أغلب العاملات في هذا المجال خصوصاً العسكريات المباشرات للجمهور تحمل المؤهل الثانوي فما فوق بالإضافة إلى الإداريات، أما البقية فهن باحثات اجتماعيات وأخصائيات نفسية، مشيرة انه للأمانة هناك العديد من العسكريات توظفن بشهادات جامعية بعيدة جداً عن المجال العسكري برتبة جندي إلا أن الأمر يحتاج إلى دورات تخصصية مكثفة لتأهيلهن عسكرياً كفتح معهد أمني للنساء أو كلية عسكرية متخصصة، والتشديد على تعلم التكنولوجيا الحديثة واللغة الإنجليزية لوجود العديد من النزيلات اللاتي لا يتحدثن العربية مما يجعل هناك ضغط نفسي وعصبي للطرفين، من جهة أخرى نجد أن الأمر يعد مستحيلاً إذا كان مرفوضاً نسبياً في الدول المتقدمة عمل المرأة في أماكن قيادية عسكرية، لافتة انه من الطبيعي أن يكون مرفوضاً في مجتمعنا حتى وإن كانت رتبها ابتدائية، فالانخراط بالمجال الأمني وكما ذكرت سابقاً يحتاج الجهد من المرأة والتي قد لا يتوافق مع طبيعتها الجسمانية، فما بالك بالوقت، وهل هناك رجال مستعدون لغياب زوجاتهم عن المنزل لفترات طويلة؟. قد يكون الخيار في المجال الأمني ممتاز للنساء اللاتي عانين من البطالة إلا انها ستعاني نفسياً واجتماعياً لفترة طويلة.
تحديات نفسية
تفسر هدى السيلان -أخصائية نفسية- صعوبة العمل في هذا المجال للمرأة السعودية من عدة نواحي خصوصاً لأولئك اللاتي لم يتممن تعليمهن ولم يتلقين تدريباً عملياً ونفسياً وتأهيلياً متخصصاً موضحة بقولها: لا شك أن العمل يشعر المرأة بمكانتها وقيمتها فهي شريك للرجل في التنمية ومساهم فاعل في رفع دخل الاسرة وتمكينها اجتماعياً، حيث يعد العمل أحد وسائل الراحة النفسية والإحساس بالأمان والإنتاجية والانجاز والأهمية، وحتماً المهن تختلف حسب التخصصات والمجالات، ومن مجالات العمل الحديث التي انخرطت فيها المرأة السعودية المجال الأمني بكافة اشكاله وقطاعاته، وكباقي المجالات له إيجابيات وسلبيات التي تحف بطريق المرأة وقد تشكل عائقاً لإنتاجيتها ولكفاءتها، وإحدى هذه السلبيات الاضطرابات النفسية التي قد تعاني منها المرأة نتيجة للضغوط والعجز امام متطلبات العمل وتحدياته، حيث أكدت العديد من الدراسات والأبحاث في هذا المجال شيوع الاضطرابات النفسية والإحساس بالكآبة والتوتر والقلق، وتتباين الاضطرابات ما بين الخفيفة الى المتوسطة والشديدة وتختلف حسب شدة الضغوط والبناء النفسي للمرأة.
سمات متعددة
وأضافت السيلان الجدير بالذكر هنا ذكر المؤشرات للأنماط النسائية المناسبة للعمل في المجال الأمني، أولاً: الصحة النفسية وهي الحالة النفسية التي تتضمن قدرة الفرد على الاستمتاع بالحياة وخلق التوازن بين أنشطة الحياة ومتطلباتها لتحقيق المرونة النفسية.
ثانياً: السمات العقلية، والمقصود بها الذكاء العام لأهمية التفاهم بين المرأة العاملة والجمهور بكافة شرائحه وقطاعاته والأعمار الزمنية بالإضافة لأهمية المعرفة والاطلاع الواسع والثقافة لتمتلك بعد النظر والقدرة على التنبؤ بالمفاجآت والاستعداد للمواقف الطارئة والتصرف بطريقة لائقة وإدراك جيد للمواقف الغامضة كما أنها بحاجة للطلاقة اللفظية، وايضا السمات الاجتماعية حيث إن المجال أساسه التفاعل الاجتماعي والاحتكاك بالجمهور، فمن متطلبات العمل فيه التعاون وامتلاك مهارات التعامل مع الجماعات والانبساط وكسب ثقة الجمهور والرؤساء وزملاء العمل، ومن السمات كذلك السمات الانفعالية وتتمثل في قوة الإرادة وضبط النفس وامتلاك جيد لمهارات إدارة الغضب وتحمل الإحباط، وأخيراً السمات العامة كالصحة والحيوية والنشاط ومعرفة مهام العمل وتعليماته والإلمام بها، عبر الانتماء والفخر والأمانة وحسن السمعة والتمتع بعادات وقيم الدين الإسلامي الحنيف والقيم الإنسانية والمعايير الاجتماعية، مردفة نظراً لأهمية الأمن وحرص حكومة خادم الحرمين الشريفين على أمن بلدنا الغالي وسلامتها يجب التركيز على انتقاء العاملات في المجال ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب وفرض إجراءات مهمة مثل المقابلة والاختبارات النفسية للانتقاء وعلى إيدي متخصصين في مجال علم النفس، ولاستثمار الطاقات الأمنية المتواجدة في الميادين لابد من التركيز على التأهيل والتدريب بشكل مستمر وتبصيرهم بحقوقهم وواجباتهم ورعاية شؤونهم ولهم كرامتهم واحترامهم، كما أن التحفيز واستخدام أسلوب الثواب من خلال العلاوات والترقيات من شأنه رفع الروح المعنوية، وكذلك استخدام المحاسبة بحكمة وحسب طبيعة التجاوزات.
مساندة اجتماعية
وشددت السيلان أن المجال الأمني من المجالات المهمة والحساسة والتي قد تتحدى قدرات المرأة كونها تعيش بعدة أدوار كدور الزوجة والأم والموظفة بل وتتداخل تلك الأدوار ما بين المنزل والعمل ويتصادم طموحها مع أهداف الحياة المهنية حيث يصعب التوفيق بينهما، فالمرأة على غرار الرجل تؤدي عمل مضاعف تمضي ساعات العمل ولا ينتهي بانتهاء الوقت بل تحمل عبئه وهمومه للمنزل وتجد كذلك أمامها هموماً أخرى وواجبات منزلية وأسرية ومطالب، لذلك هي بحاجة للعديد من الطرق التي تجعلها قادرة على التحمل وتجاوز الازمات والإحالة دون تراكم الخبرات السلبية وتحولها الى امراض او اضطرابات نفسية، والمساندة الاجتماعية والنفسية احدى الوسائل الفاعلة في تجاوز الأزمات ويقصد بها وجود أشخاص يمكن ان تثق بهم المرأة العاملة وتعتقد ان في وسعهم الاعتناء بها وحبها والوقوف بجانبها عند الحاجة وتعني الدعم على فهم الأحداث الضاغطة والتبصير بطرق التكيف مع الضغوط ويتم الدعم عن طريق المشاركة الوجدانية في الحديث حتى تستطيع التخلص من مشاعر الوحدة النفسية وما يترتب عليها من تأثير سلبي قد ينعكس على الأداء في العمل أو الإخلال بالواجبات الذاتية أو الأسرية، والمساندة قد تحصل عليها المرأة من الأسرة أو من الأصدقاء.
الرياض السعودية-