الأفكار ليست وحدها الثمينة. الإنسان وطريقة تعاطيه مع ما يحيطه من وحل، واحتكاكات وصراعات بين المعتقدات والتاريخ والحضارة والأعراق، هي الجوهرة التي يمكن أن يحسد عليها، الجميع من دون استثناء يستحق أن يتنفس بكل أمان على ظهر هذه الحياة، حتى هؤلاء الذين لا يمكنهم بناء أوطانهم أو التفاعل مع مجتمعاتهم، أيضا يستحقون الحياة، ويستحقون أن تعطى لهم الفرص لكي يجددوا علاقتهم مع الحياة، ليدركوا أهمية اتساعها، وأن عليهم أن يختاروا إما أن يكونوا بعيدين وعلى هامش الحياة، أو أن يكونوا أكثر اندفاعا وحماسة لأن يخلفوا تاريخا يذكرهم به الآخرون.
الدهشة التي يمكن أن تتملك أي عاقل ليست ذاك التمدن الذي بدأت تتسع مساحاته، وليست تلك النزعات التغريبية القومية، وليست أيضا في عدم قدرة الجميع من دون استثناء أن يتواصلوا مع بعضهم البعض في التو واللحظة، وأن يتقاسموا الصورة والحدث عبر ذبذبات كونية، واتصالات كهرومغناطيسية دون أن يكون وجود لكابلات ضخمة تحملها معك، كي تستطيع أن تكون متفاعلا مع العالم الآخر. الدهشة ليست في البناء وسرعة الحصول على الأخبار، إنما تكوين الدهشة يأتي في عدم قدرة الكثيرين اليوم على الخجل من أنفسهم، وعدم شعورهم بأن هناك دائما ما يمكن لنا تجاوزه مع أي طرف آخر حتى لو كنا نعرف هذا الطرف بشكل شخصي، فما بالك بمن لا نعرف سوى اسمه ومهام أعماله!
الدهشة التي يمكن القول بأني أعيشها بشكل يومي، هي في هؤلاء الذين يعيشون بيننا ولكننا في حقيقة الأمر لا نعرفهم، ولم يكن لنا الشرف يوما بتناول القهوة أو الشاي مع بعضنا البعض، لكنهم يجدون أن العالم قد أعطى لهم الحق والحرية بأن يعلنوا عن أفكارهم ومشاعرهم بشكل إرهابي، لا يختلف عن إرهاب أي داعشي يفخخ جسده، ليقتل الآخرين من دون وجود أسباب جوهرية، إنما أسبابه هي عبارة عن كومة من المعتقدات التي لا يمكن أن يتقاسمها مع من حوله، فهو يموت مع بقية الذين أجرم في حياتهم، دون أن يعلن عن دوافعه الحقيقية.
الواقع يقول إننا حتما لم نكن يوما مسؤولين عن الأفكار التي يحملها الآخرون عنا، نحن فقط مسؤولون عن الأفكار التي نحملها وحدنا، ويمكن لنا أن نتقاسمها وأن نطرحها للنقاش، لكننا لسنا مطالبين بأن يتفق الجميع على الالتزام بها، فهي لن تكون في مقياس واحد مطلقا، كما أنها تختلف من شخص إلى آخر، ويصل اختلافها حتى نحو المجتمع بحسب جغرافيته ومكانته وقربه من البحر أو الجبال، لا يمكن أن يكون هناك ما يدعى بالالتزام أو الفرض الفكري، ولكن المجتمعات تتفق إلى حد كبير بين معتقداتها الأخلاقية التي تصل أحيانا إلى حد التطابق.
قبل أيام قامت صحيفة "سعودي جازيت" بترجمة أحد مقالاتي إلى اللغة الإنجليزية، المقال كان قد حقق ارتباكا في وعي الكثير من المراهقين والمراهقات، وحينما تم نشر المقال، تحول حسابي في تويتر إلى جدل غير أخلاقي البتة، لم يفهم البعض أن القبح لا يمكن أن يكون في الملامح البشرية، إنما يتعاظم القبح حينما ينصب فكر البعض تجاه محاولته لأن يغرقك بطريقته، التي يعتقد أنها الأكثر صحوة والأكثر أهمية، الغريب أن المقال يتكلم عن واقع المجتمع السعودي، التعليقات التي كانت تنبح في حسابي الشخصي، كانت معظمها من حسابات أجنبية! تشتم وتلعن بي أولا ووطني ثانيا، بدأت في استخدام خاصية كتم التعليقات، وهي تختلف عن خاصية الحظر المتعارف عليها، فعلت ذلك حتى أستطيع إبقاء حسابي في حال جيدة، وعندما دخلت إلى الحسابات وتطلعت إلى الوطن الذي يعود منه صاحبه، وجدتهم من البرازيل وكندا ومختلف ولايات أميركا، وتونس وحتى الكونجو وجنوب إفريقيا، فهل يقنعني أحدكم بأن مثل هذه الحسابات، تهتم لأمر المرأة السعودية أكثر منا نحن السعوديون؟ ومن أي منطلق يأتي دفاعهم عن المرأة السعودية؟ يزبدون ويصرخون ويولولون في محاولة لتحرير المرأة كما يريدونها أن تكون، لا كما تريد المرأة السعودية أن تكون عليه.
المنهجية المنظمة في التوغل والتدخل للمساس بحياة المرأة السعودية، يبدو أنه أمر سياسي أكثر مما هو دعوة إلى تحرير المرأة، فالمرأة في كل العالم تشعر بأنها ضعيفة ومهزومة وتحتاج إلى من يساعدها أو يسهم في دعمها وكفل حقوقها، ليست المرأة السعودية وحدها من تعاني من وجود ضغوط قبلية واجتماعية، فجرائم القتل من أجل الدفاع عن الشرف في الأردن وباكستان تحتل المرتبة الأولى، وجرائم الاغتصاب في الهند تتزايد بشكل ملفت للنظر، ولم يشرع قانون حتى الآن في الدفاع عن حق المرأة والذي يذهب مع الريح، حتى إن الهند تعاني من مشكلة عظيمة، وهي اشتراك بعض من عناصر الشرطة في اغتصاب النساء، وفي أميركا بلد الحرية تصرخ النساء من عدم وجود فرص للعمل كما هو مع الرجل، كما وأنهن يحصلن على رواتب تقل كثيرا عن رواتب الرجال، وبالطبع تواجه المرأة في أميركا العنف المنزلي، من ضرب وإهانة وتعذيب لحد الموت.
المشاكل لا يمكن أن تكون مخصصة فقط للمرأة السعودية، المرأة بشكل عام تعاني من عدم إنصاف لحقوقها، ولكن مثل هذه الحسابات يستحيل أن يكون هدفها حماية المرأة السعودية، وإنما بالتأكيد امتلاكها أجندة متطرفة ولها أهداف رديئة، إذ لا يمكن أن يكون زعيقها مجانيا أبدا.
سارة مطر- الوطن السعودية-