مهما كان الخلاف السياسي كبيراً مع شاعر كبير كـ«أدونيس»، إلا أنه ذكر نقطة مهمة جداً وجديرة بالتوقف عندها، هي قوله: «إن هذه ثورة لا تستحق مسماها». مردفاً: «أي ثورة هذه لم يكن لها بيان واحد يتحدث عن النساء»؟ قد يكون الأديب السوري يضع الحرب الأهلية في سورية في معية تفكيره ونصب عينيه وهو يتحدث في ندوة ببروكسيل، إلا أن ما قاله لا يخرج عن الحقيقة مطلقاً.
فمنذ بداية الثورة السورية لم يكن هناك دور ملحوظ للنساء، وإن حدث فإنه بالشكل المبتذل التي تمارس فيه دور الرقيقة، وهذا ليس اتهاماً مشكوكاً به، بل حقيقة ناصعة قامت بها بعض النساء عن طيب خاطر وبفخر لا مثيل له مع بعض الإسلاميين.
هذا الذل والمهانة لم تعشه المرأة المسلمة حتى في أحلك عصورها، بل إن النساء في الجاهلية يضرب بهن المثل في النخوة والشجاعة والكرم وإيواء الضيف. والقصص كثيرة عن تجاوز الرجال آنذاك عن مفهوم العيب الذي يطغى حالياً على الإسلاميين العرب عند ذكر المرأة أو مخاطبتها وكأنها مس من الشيطان.
سأورد مثالاً في ما قبل الإسلام عن كيفية التفكير هو قصة أبي سفيان بن حرب واثنين معه وعلاقتهم بامرأة آنذاك، وعندما حملت وأنجبت طفلاً تنازع الثلاثة، كل منهم يدعي أنه ابنه، واتفقوا أخيراً أن تختار هي الأب فاختارت أبا سفيان، ولاحقاً اعترف فيه معاوية أخاً له ليستفيد منه سياسياً.
ليس المقصود من الرواية أعلاه تحريض على انحلال أو تفكك، فهي مثال آخر للتخلف، لكن المعنى هو أن الحدث ينفي تهمة ازدراء المرأة في الجاهلية.
في دول عربية كثيرة وفي باكستان وأفغانستان ودول أفريقية، يتحد كثير من الإسلاميين على اعتبار المرأة جزءاً لا يتجزأ من الملكية، ناهيك عن الاحتقار والشك والعنف تجاهها. فقط شيئان مهمان يحرص فيه كثير من الإسلاميين بتعاملهم مع النساء: الجنس وإنجاب الأولاد، وليس إنجاب البنات.
ربما احتج أحدهم بكون أن هناك دولاً غير إسلامية تعاني من تهميش للمرأة، كالهند والصين مثلاً، وهذا حقيقي لا لبس فيه، لكن هناك فرقاً كبيراً، هو كون القوانين تدافع عنها بقوة، ولعل وصول النساء، كالراحلة أنديرا غاندي، وكذلك زوجة ابنها راجيف يوضح الدور النسائي المهم. في المقابل بينظير بوتو أصبحت رئيسة وزراء باكستان مرتين قبل اغتيالها، وهي في طريقها لنيل ذلك للمرة الثالثة، لكن يجب ألا ننسى أن بينظير لم تأت بأصوات الإسلاميين، بل كانوا ألد أعدائها وكذلك أعداء والدها الرئيس ذو الفقار علي بوتو، الذي أعدمه وزير دفاعه الإسلامي ضياء الحق بعد انقلاب دبره ضده.
كثير ممن يهاجم الإسلام يلوح بحقوق المرأة في المقام الأول معللاً أنها لا تنالها، وبطبيعة الأمر لا تستطيع أن تنفي ذلك بجرة قلم، بينما يتبرع كثير من الإسلاميين بسلوكيات وممارسات لا يمكن أن يقبلها إنسان يحمل ضميراً حياً رجلاً كان أو امرأة.
الغرب على بشاعاته السياسية وجد في التعامل مع المرأة في منطقة الشرق الأوسط فرصة كبيرة يمرر بها أهدافه، مع أنه يفعلها أحياناً من دون مبررات.
نعم، يدّعي بعض الإسلاميين أن الغرب لا يهمهم، لكن ما يحدث هو أنهم لا يهتمون حتى بدول إسلامية أكثر استنارة منهم في موضوع المرأة بالذات، فمعها تختفي تعاليم الإسلام المستنير وتبرز عادات بالية تطغى على كل حقوقها. في هذه الأيام تنتشر مطالبات كثيرة بخصوص الولاية للمرأة على نفسها وفي حال الخلاف مع زوجها على أطفالها، ولعلنا لا نخرج على النص عندما نطالب بما أوصى به سيد البشر محمد عليه الصلاة والسلام، ومن قبله المسيح عليه السلام بخصوص المرأة، فهناك من يجرؤ على مخالفتهما بسلبها هذه الحقوق بدم بارد.
أحمد الحناكي - الحياة السعودية-