سيعود موضوع قيادة المرأة للسيارة مجددا ومتجددا على ساحة النقاش المجتمعي والمؤسسي. ولكن هذه المرة من زاوية مهمة تتمثل في توصية بمجلس الشورى تطالب بإيجاد بيئة مناسبة تستطيع من خلالها المرأة قيادة سيارتها.
إذ تقدم عضو المجلس الدكتور سلطان السلطان بتوصية يطالب فيها وزارة العمل والتنمية الاجتماعية حالياً بالتنسيق مع وزارة الداخلية لإجراء مثل هذه الدراسة. والموضوع الجديد هو دراسة بيئة قيادة المرأة للسيارة وكأن البيئة صالحة لقيادة الرجل. فهي بيئة قاتلة بكل المعايير والدليل تلك المقارنات المخيفة والمخجلة منذ حرب الخليج الثانية والناس تقيس عدد ضحايا حوادث السيارات بعدد الشهداء دفاعاً عن الوطن ونتيجة للحرب. وها هي المقارنة تعود هذه الأيام بمقارنة الوضع بما يجري من معارك دفاعا عن الشرعية في اليمن الشقيق ودفاعا عن حدود بلادنا الجنوبية.
فموضوع بيئة قيادة السيارات في المملكة وتحديدا قيادة المرأة للسيارة أصبح من ابرز المواضيع السطحية في الإعلام العالمي عنا وعن بلادنا وثقافتنا. فالتغطيات الإعلامية تأخذ زاوية حادة ضد مجتمع ذكوري يستند الى تفسيرات ثقافية والى تأخير هذا الحق الذي لا يرفضه التنظيم من حيث المبدأ وإنما يقف منه موقفا صارما عند التنفيذ. فهو باب من أبواب الشر والذرائع التي قد تقود الى شر أعظم. ففي جانب آخر يمثل هذا الحجب نوعا من الخصوصية الثقافية والتي استفادت منها المرأة لسنوات طويلة عندما وضعت الرجل في موضع السائق ليدفع ثمن الممانعة لمنح الحق الى ان بات يتذمر من التكاليف الباهظة لأكثر من سيارة في المنزل. ولعل المطلع على ديناميكية البيئة السعودية يدرك حجم التغيرات المتسارعة في جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والانفتاح على الثقافات الأخرى، فالمرأة السعودية لم تعد تلك التي ترى من زاوية داخلية فقط، وإنما اصبح لديها نوافذ من المعايشة الفعلية وقيادة السيارات خارج الحدود والتأثير الرقمي لبيئتها الاتصالية الجديدة. كما أن قيادة السيارة في ذات البيئة أصبحت بالنسبة للرجل السعودي من امراض العصر، وإذا كان هناك من ظن - واصبح موضع تندر من المجتمع في ظنه - أن قيادة المرأة للسيارة ستؤثر في المبايض، فقد يخرج رأي من بعض فكهاء العصر يقول أإن هوس الشباب بسياراتهم سيؤثر في جوانب من "رجولتهم" الجسدية وليست المتمثلة في مواقفهم الأخلاقية. عموما، بيئة المواصلات في المملكة أصبحت تدفع بقوة الى تدخل وتغيير في قواعد اللعبة. ولعل التفكير الجاد بالمترو ووسائل النقل الجماعي داخل المدن من تلك الحلول لبيئة المواصلات الضعيفة. فالأسرة لم تعد قادرة على تحمل فرد إضافي في العائلة ويستهلك اكثر من بعض افراد الاسرة. بل وأصبح هناك سوق سوداء عند التعامل مع السائقين وقت الحاجة.
وكذلك تحمل التأمين على بعض السائقين الذين لا تعني لهم المركبة شيئا طالما ان هناك من يقوم بالتأمين خوفا منه لا عليه فقط. كل تلك المتغيرات تجعل من المنطقي مساندة تلك التوصية بدراسة بيئة التحرك والتنقل داخل المدن وخارجها بالنسبة للمرأة. الجميل في الأمر أن بعض السيدات اللاتي تعودن على السائق يفكرن جديا باستقدام سائقة ومرافقة ولن يخلص الرجل من هذا العبء الاقتصادي. والمرأة بطبيعة الحال قد لا يهمها الأمر كثيرا فهي أصبحت تعمل وتملك دخلا إضافيا يمكنها من تحقيق ذلك المطلب.
وبالعودة لموضوع دراسة البيئة التي يطالب بها عضو مجلس الشورى مشكورا لن تكون ذات جدوى ان غابت عنها رؤى مؤسسات المجتمع الأخرى وأفراده. فهناك مؤسسات اثبتت جدارتها في دراسة المواضيع ذات العلاقة بالسياسات العامة، وتقف على رأسها مؤسسة الملك خالد الخيرية والتي قدمت دراسات تحولت الى أنظمة تخدم المجتمع. وهناك نموذج هيئة الاتصالات في طلب رأي العموم بما يخدم مشروعالت تمس حياة ومصالح الناس. وليس هناك اكثر التصاقا بحياتنا اليومية مثل السائق والخادمة اللذين اصبحا فيها جزءا من المشهد الحياتي اليومي. بل واصبح لدى كل اسرة ملف باسم ملف الاستقدام في ظاهرة قد لا تتكرر الا في بيئة تمثل خصوصيتنا الخليجية.
خلاصة القول توصية الشورى تهدف الى "إيجاد البيئة الاجتماعية المميزة لتنمية وتطوير سلوك شباب الوطن المهتم بالذوق والأخلاق في القيادة، والاعتماد على القدرات الذاتية والتخفيف من اليد العاملة الأجنبية" فهل ستحقق؟
فهد الطياش- الرياض السعودية-