علينا أن ندرك أن الطريق الوحيد لإغلاق المنافذ على استغلال الإعلام الغربي لقضايا المرأة السعودية ، واستخدامه لها كمادة دسمة حافلة بالإثارة، -يتم تناولها غالباً بطريقة لا تخلو من التسطيح والمبالغة أو السخرية والتندر-، لا يمكن أن يتم إلا بالاعتراف بوجود الخلل ، ومن ثم محاولة العمل عليه وإصلاحه.
نحن اليوم نعيش في قرية عالمية صغيرة ، يتداول فيها الناس الأخبار بأسرع من طرفة عين ، وما يحدث في الطرف الأبعد من العالم عنك ، ستجده بكل سهولة ويسر في لحظات على شاشة تلفونك ! لذا لا عاصم اليوم من استغلالهم لمعاناة المرأة إلا بالاعتراف بمواطن الخلل ، والعمل على إصلاحها سريعاً . وذلك أولاً لنحتوي معاناة نساء وفتيات في مجتمعنا؛ تؤكد الشواهد الموضوعية الملموسة على إمكانية وقوع الظلم عليهن نتيجة لبعض الأنظمة والإجراءات الحكومية من جهة ، أو لغياب بعضها الآخر من ناحية أخرى .
لا شك أن إصلاح البيت الداخلي وتحصينه والقضاء على مسببات وبواعث الإشكاليات الحساسة والمحرجة المتعلقة بالمرأة،هو الحصن المنيع والدرع الواقي لحماية بناتنا من الظلم الاجتماعي الواقع عليهن بداية، ومن أية اختراقات تهدف لاستغلال واستثمار معاناة الشريحة المظلومة ممن ابتليت بولي سيىء مستغل أو بسيف العنف المسلط على رقابهن . كما أن التعاطي مع الثغرات التي يتسلل منها الظلم الاجتماعي ويتناقله القاصي قبل الداني في العالم ، هو الطريق الوحيد الناجع للوقوف في وجه هذا المد الإعلامي الكاسح الذي يتطلع لتداول أخبار المرأة السعودية. وأعود فأقول : احتواء المعاناة والمواجهة هو الحل ، بدلاً من دس الرؤوس في الرمال وادعاء أن جميع الأمور في نصابها الصحيح ، والاستمرار في التلحف بنظرية المؤامرة والتغريب والتخوين وغيرها مما اعتدنا سماعه ، كلما عنّ حدثٌ جديد يضع المرأة السعودية تحت المجهر ، أو برزت مطالبات مشروعة تهدف لفك اللبس ما بين الديني الشرعي والعرفي التقليدي !
من هذا المنطلق فإن قضية ( مريم العتيبي ) التي تأججت على مواقع التواصل وأنكرها المنكرون ، ليثبت أحد المسؤولين في هيئة حقوق الإنسان القضية ، وعن كونها كانت موجودة في أحد دور الرعاية حتى يتم البت في قضيتها ، تضعنا من جديد أمام هذه الإشكالية .فبغض النظر عن تفاصيل القضية ، فإن الاعتراف بوجود الخلل في الإجراءات المنتهجة حيال المرأة أو الفتاة المعنَّفة ، وأنه المسبب الأول لما يحدث هو بداية الطريق للوصول للحلول ، بدلاً من الإنكار أو توجيه أصابع الاتهامات على من يقع عليهن فعل التعنيف ، كما اعتادت الثقافة الاجتماعية السائدة أن تفعل! وأنا هنا أتحدث بشكل عام ، فلماذا تحبس المرأة التي تم ثبوت فعل التعنيف عليها أو الأخرى المعضولة بين جدران دور الرعاية ؟! لتتجمد حياتها وتجد سنوات عمرها تتسرب من بين أيديها هدراً دون الوصول لحلول ؟! ولماذا تتحول قضايا العضل على سبيل المثال إلى قضايا عقوق كما رأيناه يحدث مراراً ، ولماذا يتحول التعنيف إلى عقوق ؟! ولماذا يحكم على زواج مستقر، وزوجة راضية بزوجها وزواجها بالتفريق على أساس عدم الكفاءة في النسب ، دون أخذ رأي المرأة نفسها وهي الطرف الأول في القضية ؟! وهلم جرا من قضايا المرأة التي تجعل منا فريسة سائغة لسياط إعلامهم .
إذا لم نقطع الأسباب ونقف لها بالمرصاد ، ستنبت لنا بين كل فينة وأخرى مريم عتيبي جديدة يتلقف الجميع أخبارها ، أو تبرز لنا قضية فتاة ترمي نفسها وحياتها في خضم بحور عاتية من الهرب للمجهول ، ترتهن فيها لشتى الاحتمالات الموغلة في السوء والسوداوية ، ثم نعود لنصفق كفاً بكف ونقول نحن مستهدفون من النيويورك تايمز أو من غيرها !
أمل زاهد- المدينة السعودية-