يعتقد البعض أن مجتمعنا وحده هو المختلف عن باقي المجتمعات، على اعتبار أنه يتكون من تركيبة فريدة تجمع ما بين المكانة التاريخية والتكوين البشري والعرقي الذي يتشكل منه مواطنو هذا البلد المترامي الأطراف.
شخصيا لا أتفق مع هذا الرأي، فكل المجتمعات في طبيعتها تختلف عن المجتمعات الأخرى، إلا أنها في ذات الوقت تتشابه، فما ينطبق على مجتمعنا قد ينطبق ولو بشكل مختلف على المجتمع الكنغولي مثلا أو المكسيكي، وعليه فمراحل تطور الأفكار التي تنطبق في الأرجنتين لا بد لها أن تكون ذاتها التي تنطبق في المملكة، فكلنا في نهاية المطاف بشر تحركنا أرواحنا وضمائرنا المتشكلة من تفاعلات محيطنا الإنساني الذي يعرف القهر والظلم والعدل والإيمان.
أتذكر كيف كان الحديث عن فكرة الانتخابات أو العدالة الاجتماعية أو ضرورة وجود مؤسسات مجتمع مدني أو قيادة المرأة للسيارة في المملكة من المحرمات التي ربما في مراحل معينة من تاريخنا الحديث أودت بصاحبها إلى ما لا تحمد عقباه، فشكك المجتمع في دين وأخلاق وانتماء ووطنية كل من طالب بها، بينما اليوم نجد مثل هذه المواضيع تتصدر نقاشات مجلس الشورى وأعمدة الصحف وتصريحات وخطب المسؤولين داخليا وخارجيا، حتى إن بعضها أصبح واقعا اجتماعيا معاشا.
إذن ليست هناك فكرة في ذاتها مستهجنة وغير مقبولة للأبد في مجتمع يسعى نحو التقدم، والاعتماد على شيطنة الأفكار الذي يتبعه البعض لا مصير له إلا الفشل. فقد تحدث "جوزيف لايمن" رئيس مركز مكينك الأميركي للسياسة العامة مثلا على أن تقدم الأفكار في المجتمعات تمر بطبيعتها بست مراحل أساسية تبدأ بالمرحلة التي تكون فيها الفكرة غير مقبولة فيرفضها الجمهور بفعل رفض الصفوة وبالتالي الساسة لها خوفا من التغيير، ثم تمر بمرحلة التي تعمل فيها تلك الصفوة على ترويج أن الفكرة متطرفة لا يمكن أن تكون مناسبة لمجتمع اعتاد الاعتدال، فتليها بعد وقت من المداولة والتفكير الاجتماعي مرحلة القبول بالفكرة، مع التأكيد على أهمية مواءمتها مع الظرف المجتمعي لتتحول بعد ذلك لفكرة مقبولة جماهيريا، وذلك بعد أن تكون قد كشفت الأوجه الإيجابية وزوال الخوف من الجوانب السلبية، لتصبح بعد ذلك فكرة شعبية يحمل لواءها المواطن الذي يبدأ بالمطالبة بها والدفاع عنها، لتصل في نهاية المطاف إلى تشريع سياسي يحولها من فكرة كانت في يوم ما مرفوضة وغير مقبولة إلى واقع معاش وجزء أصيل من واقع حياة المجتمع.
ياسر الغسلان- الوطن السعودية-