مجتمع » شؤون المرأة

عمل المرأة: شر مستمر

في 2016/12/27

في كتاب يتم تدريسه في واحدة من أرقى جامعات الوطن، جاء بأنه عند دراسة أسباب البطالة تبين أن أحد أسبابها عمل المرأة!

التطورات الإيجابية لتي خطتها المرأة في بلادنا على أصعدة عديدة جعلتها قادرة على المساهمة في تنمية بلادها ونهضتها، وأكسبتها ثقة قادة البلاد، فهي اليوم تدخل مجلس الشورى السعودي مستشارة للمرة الثانية، وتتبوأ مناصب رفيعة. وكلها أمورٌ تدعو إلى الفخر والتفاؤل بمستقبل أفضل. إلا أنه يبدو أحياناً أن بعضنا يعزف ألحاناً منفردة عندما يتعلق الأمر بالمرأة.
فنحن كما ذكرت نلاحظ تطوراً في الجانب السياسي والثقافي والصحي والعلمي للمرأة، لكننا في الوقت نفسه نقرأ ونسمع ونشاهد لمن يكرس وضعاً مغايراً، وكأنه يطالبنا فيه بالعودة إلى الوراء والتراجع عن هذه المكتسبات. ولن أتحدث هذه المرة عن خطب شيوخ المساجد أو برامج الدعاة وغيرهم، ولا عن تغريدات بعض الباحثين عن الشهرة، وإنما عن إحصائيات غريبة تتحفنا بها جهات حكومية، وعن نصوص منهجية تعليمية مكتوبة، يتم تدريسها للطلبة، ذكوراً وإناثاً، في مراحل التعليم العام والجامعي. فنحن ندرس أبناءنا شيئاً ثم يعايشون شيئاً آخر في المجتمع، ونستغرب لاحقاً، ونسأل: لماذا يتشنجون ضد المرأة؟ أو لماذا ينتقدون تعليمهم ومناهجهم؟ لماذا يبدو بعض السعوديين أحياناً وكأنهم يعانون من حالة فصام مزمنة؟
المثال الأول من الهيئة العامة للإحصاء، والتي تقول في تقريرها الأخير إنه بحسب إحصاءاتها فإن عدد المطلقات من العاملات أكثر من المطلقات ممن لا يعملن خارج المنزل. والحقيقة لا أعرف هل المشكلة في الإحصائية نفسها، أم في طريقة قراءتها ونشرها في الإعلام، إلا أن المحصلة واحدة: عمل المرأة هو سبب طلاقها. وطار البعض فرحاً بهذه الإحصائية، ووجد فيها ضالته ليطلب من المرأة أن تدع عنها تقليد الغرب والرجوع إلى بيتها وطلب رضاء زوجها حفاظاً على أسرتها. وهو في نظرته هذه يعتبر عملها ترفاً، وكأن وجود معلمة لبناته أمر ثانوي، أو طبيبة تولد زوجته أمر ترفيهي، وكأن راتب كل النساء يستخدم للكماليات فقط، وبالتالي حان الوقت لنوقف هذه اللعبة السخيفة، "عمل المرأة"!
وكما هو متوقع تمت قراءة الإحصائية باعتبار الطلاق أمرا سلبيا بالمطلق، مع أن الطلاق قد يكون أمراً إيجابياً جداً لأحد الأطراف أو للطرفين معاً، فما فائدة البقاء مع زوج خائن أو عنيف أو مجرم أو إرهابي أو بخيل أو لا يصلي ولا يقيم أركان الدين؟ أمثال هؤلاء لا تصبر عليهن الحرة إلا مجبرة أو مضطرة، فإن مكنتها الوظيفة أن تقف على رجليها وحدها وتتخلص منه فهذا يعني أنها كانت لها شيئاً إيجابياً، فمن لا يُسر بالحرية بعد السجن ظلماً؟!
المثال الثاني، من كتاب يتم تدريسه في واحدة من أرقى جامعات الوطن بالعاصمة، كمقرر لمادة "مبادئ الاقتصاد الكلي"، وقام بتأليفه أستاذان جامعيان –من نفس الجامعة- يسبق اسميهما (أ.د.) أي أنهما حاصلان على أرفع درجة علمية في العالم الأكاديمي في تخصصهما الدقيق، وهو أمر يتطلب سنوات من العمل والخبرة والنشر العلمي. فماذا يعلمان الشباب والبنات الذين يفترض أنهم سيديرون اقتصاد البلاد بعد التخرج؟
في الفصل السابع (البطالة والتضخم) جاء بأنه عند دراسة أسباب البطالة تبين أن لها عدة أسباب، ومنها "(5) عمل المرأة"! فهل غاب عن أساتذة الاقتصاد أن النسبة الكبرى من وظائف النساء في هذا البلد هي وظائف نسائية بحتة؟ وهي مصممة لتكون نسائية بدعم وطلب المجتمع نفسه. فالمعلمة والطبيبة وأستاذة الجامعة والإدارية في قطاع نسائي، وبائعة المستلزمات النسائية، وموظفة البنك والاتصالات في الفروع النسائية، وموظفة القسم النسائي في القطاعات الحكومية كالأحوال والتفتيش وغيرها، هي وظائف خاصة بها ولها، لم تتنافس مع أي رجل وتنتزعها منه، فكيف إذًا تكون سبباً في بطالته؟! وبالرجوع إلى عدة إحصاءات متعلقة بمشاركة المرأة السعودية في قطاع العمل الخاص في السنوات الأخيرة، فإن النسبة لا تتجاوز 16%. الطريف أن عمل المرأة جاء متقدماً على سبب مثل "(6) الاستعانة بالأيدي العاملة الأجنبية".
فالمعلومات المذكورة، والتي على الطالبات المسكينات كتابتها في الامتحانات ليست فقط مزعجة ومسيئة، وتنظر للمرأة على أنها شيء ثانوي وطارئ في المجتمع، بل إنها أحد مشكلاته بدل أن تكون مواطنة وشريكة من حقها الحصول على فرص متساوية كالرجل، ولكنها كذلك خاطئة. ترى بماذا ستشعر تلك الطالبة التي تسهر ليلة الامتحان وهي تتخيل ملابس التخرج وتخطط لبناء مستقبلها، ثم تجد نفسها تحفظ أن أحلامها في حد ذاتها مشكلة؟
حتى الشاب الذي يدرس هذا المقرر سيعتقد أن المرأة سبب مشكلاته، فتجده يعارض غداً توظيفها، ولا يتقبل وجودها في بيئة العمل إن كانت مشتركة مثل المستشفيات، وقد لا يسمح لزوجته أو أخته أو ابنته بالعمل. عندها نلومه ونقول عنه ضيق الأفق ورجعي، وننسى أننا من حشونا رأسه بهذه التفاهات منذ أن كان طفلاً إلى أن شب عن الطوق، فهل ذنبه أنه كان تلميذاً نجيباً؟
خلال السنوات العشر الماضية أرسلت المملكة مئات الآلاف من السعوديين إلى الخارج مع أسرهم، وكان من بينهم عدد كبير من الطالبات النجيبات، فهل تم إرسالهن للخارج لدراسة الحاسبات والطب والقانون وتقنية النانو والعلوم الإدارية والفنية والأدبية وغيرها من أجل الجلوس في المنزل؟
عندما تريد أن تخلق نهضة وتصنع رؤية وتبني وطناً وتحيي أمة لا يصح أن يغرد كل قطاع في وادٍ، لا بد أن يكون لدينا مشروعنا الوطني الكبير الذي تسير في ركابه القافلة بكل أفرادها. ولو اعتبرنا مشروعنا هو رؤية 2030 التي تهدف إلى استغلال كافة ميزاتنا التنافسية وتنويع اقتصادنا والنهوض بطاقة شبابنا، فإنه لا بد من إعادة صياغة المناهج الدراسية والخطب والإعلام بما يتماشى معها.
مثل هذه الأفكار العنصرية تجاه المرأة السعودية يجب أن تختفي، بغض النظر عن الغلاف الذي ترتديه: مرة غلافا دينيا ومرة اقتصاديا وفي مرة ثالثة إحصائيا. ودون هذه الغربلة فسنظل نراوح مكاننا، وسيستمر وضع العراقيل في وجه كل تطور ونهضة، وسنظل سنوات نتجادل حول بديهيات، وحين نفيق يكون الزمن ومن حولنا قد تجاوزونا بسنوات ضوئية.

مرام مكاوي- الوطن السعودية-