مجتمع » شؤون المرأة

"تويتر" والحملة السعودية للحفاظ على ولاية الرجال على النساء

في 2017/01/14

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" خلال فصل الخريف مقالًا بعنوان "أعيش حياة كذب: النساء السعوديات يرفعن أصواتهن". يصوّر المقال حياة المرأة السعودية في ظل نظام يمنع النساء من أمور أساسية كالسفر والذهاب إلى الجامعة والحصول على الرعاية الصحية من دون إذن قريب ذكر يُعرف بولي الأمر. وقد ورد في المقال عن لسان إحدى السيدات: " أشعر بالاختناق. أُفضّل أن أقتل نفسي على أن أعيش هذه الحياة"، وقالت أخرى: "أشعر بأن يداي مقيدتان بالأصفاد".

ويشكّل المقال مثالًا على تركيز الغرب انتباهه بشكل أكبر على الحملة السعودية لإسقاط ولاية الرجل على المرأة. ومؤخرًا، انتشر "هاشتاغ " #سعوديات_نطلب_اسقاط_الولاية و #معا_لإنهاء_ولاية_الرجل_على_المرأة على موقع "تويتر"؛ في غضون ذلك، وقّعت نحو 15 ألف امرأة سعودية خلال أيلول/سبتمبر عريضة موجّهة إلى الملك للمطالبة بإسقاط الولاية. وقد لفتت الحركة انتباه الإعلام الغربي، حيث قامت وسائل إعلامية على غرار " سي إن إن " و"وول ستريت جورنال" و"بي بي سي" بتغطية القصة. كما دعم الغرب الحملة من خلال إطلاق حملات هاشتاغ باللغة الإنكليزية على موقع "تويتر" مثل #StopEnslavingSaudiWomen و#IAmMyOwnGuardian .

وفي حين يلقى دعم الحركة النسائية السعودية ترحيبًا بشكل واضح، رسمت العديد من الأصوات الغربية صورة غير كاملة للحوار المتعلق بولاية الرجال في السعودية. ويشكّل هؤلاء النقاد (ليس دائمًا إنما غالبًا) جانبًا واحدًا فقط من القصة: أي نظرة النساء اللواتي يعترضن على النظام. غير أن الحوار بين السعوديين على مواقع التواصل الاجتماعي يشير إلى أن هذا التصوير المبسّط يخفي واقعًا معقدًا. ويتطرّق المقال إلى الحجتين الأساسيتين المؤيدتين لنظام الولاية في السعودية، من خلال لقطة للحوار حول هذا الموضوع على موقع "تويتر" باللغة العربية. ويقوم الرجال والنساء على السواء بنشر هاتين الحجتين اللتين تلقيان صدى في المجتمع السعودي إلى درجة عجز الكثير من الغربيين عن فهمها. فالرواية الأولى تربط حملة إسقاط الولاية بمتآمرين أجانب يهدفون إلى تفكيك المجتمع السعودي؛ أما الثانية فتقلب الرواية الغربية رأسًا على عقب عبر وصف الولاية كحق من حقوق النساء، يحميها من مجموعة من الأعباء المالية والأسرية. ومن خلال مراقبة الشعور الشعبي، لا يهدف هذا المقال إلى جعل نظام الولاية شرعي فحسب، بل إلى تسليط الضوء على الحواجز الاجتماعية الهائلة التي تمنع إلغاءه.

اليد الخفية

غالبًا ما يصوّر السعوديون على "تويتر" ومواقع أخرى قضية إسقاط الولاية كمؤامرة غربية لتدمير المجتمع السعودي والدولة. وقد هدف هاشتاغ باللغة العربية انتشر بكثرة حمل عنوان #اسقاط_الولاية_مخطط_خارجي؛ حيث يدّعي المغردون في إطار هذا الهاشتاغ بأن "[متآمرين أجانب] يهدفون إلى تجريد مجتمعنا من الإسلام" وأن الغرب يعتبر الحملة ضد نظام الولاية طريقة "لإدخال وفرض جميع مطالبهم التغريبية". وفي تسجيل صوتي نُشر مؤخرًا باللغة العربية لامرأة تدعي أنها روضة اليوسف، واحدة من بين 16 امرأة خلف الحملة المضادة التي حملت عنوان "ولي أمري أدرى بأمري"، توجهت إلى السعوديين قائلةً: "صدقوني، حملة إسقاط الولاية بداية لإسقاط الولاية العامة... عندما كنت اجتمع مع الليبراليين قالوا لي نحن نبغي نسقط ولي الأمر الخاص في الأسرة عشان نسقط المجتمع ومنه الدولة".

وقد حاول مستخدمون آخرون لموقع "تويتر" تشويه غرض الحملة عبر ربطها بالملحدين والصهاينة وجماعات أخرى مكروهة في المجتمع السعودي. وقد قال أحدهم "عندما ننظر لبعض حسابات المطالبين [بإسقاط الولاية] ... وإذا الإلحاد والانحراف الواضح". كما غرّد مستخدم آخر تحت هاشتاغ "المخطط الخارجي" قائلًا "لم يستطع اللوبي الصهيوني والإيراني أن يواجهونا سياسيًا ولا عسكريًا فلجأوا إلى مجتمعنا من الداخل كي يفككونا". وتركّزت الكثير من التغريدات أيضًا على الناشط الذي يصف نفسه بأنه ملحد إسحاق كوهين ويغرّد بشكل دائم ضد نظام الولاية والسعودية عمومًا. وكان أحد مستخدمي موقع "تويتر" السعوديين أعرب عن حزنه في تشرين الثاني/نوفمبر قائلًا "يحاول الملحد كوهين أن يدفع بجواريه لكي يحرفون عقول الفتيات والتسبب بمشاكل بين الأسر"؛ كما نشر مستخدم آخر رسمًا لنساء يرتدين ملابس استفزازية وفاضحة ويجتمعن حول صورة لوجه كوهين كُتب تحتها "مستعدة تتبطح وتنفذ أوامر يهودي، بس أوامر والدها وأخوها وزوجها لا". كما غرّد عدد كبير من المستخدمين تحت هاشتاغ #سعوديات_ضد_الانسة_كوهين، على ما يبدو في محاولة لتشويه اسم كوهين عبر استخدام صيغة المؤنث.
 
ورغم أن بعض المراقبين قد يقللون من شأن هذه المحادثات باعتبارها نظريات تآمر غير مؤذية، تتمثّل الحقيقة المؤسفة بأن صدى الاتهامات بوضع مخططات خارجية يتردّد بشكل كبير في مجتمع يعتبر أنه عرضة باستمرار لتدخل الخارج المضر في شؤونه. فضلًا عن ذلك، ونظرًا إلى الدور الحيوي للأسرة باعتبارها الوحدة الأساسية للمجتمع، يجري تصوير النشطاء الذين يسعون إلى تغيير هيكليات الأسرة بشكل خاص على أنهم أعداء الدولة نفسها. وبما أن هذه الأفكار تمثّل أشكالًا قوية لنزع الشرعية في الخطاب السعودي، على النشطاء الخارجيين توخي الحذر من أن تؤدي بعض أعمالهم عن غير قصد إلى تقويض شرعية جهود النشطاء المحليين.

عبء ولي الأمر

تتمثّل الحجة الأبرز الأخرى المناهضة لحملة إسقاط ولاية الرجل في فكرة أن الولاية نفسها هي حق من حقوق المرأة. وهنا، لا بدّ من إدراك الفرق بين المفاهيم الغربية والسعودية للمساواة في الحقوق. ففي حين يسعى المدافعون عن حقوق المرأة في الغرب إلى تحقيق الحقوق القانونية والاجتماعية نفسها للرجال والنساء، يميل الإطار السعودي إلى رؤية الحقوق المتساوية كمقايضة، حيث تضحي النساء ببعض مفاهيم الحرية مقابل تحمّل الرجال أعباء على غرار إعالة العائلة والأولاد في حالة الطلاق (يمكن أن نأخذ على سبيل المثال نتائج استطلاع غالوب لعام 2010 للسكان السعوديين). فهذا التحرر من الأعباء المالية يعتبره العديد من السعوديين حقًا للمرأة، ويعوّض عن افتقارها إلى الحرية في مجالات أخرى.  

وبالفعل، يكمن أحد الأوجه الضمنية إنما الأساسية لنظام الولاية في مسؤولية الرجل بحماية زوجته وأولاده وإعالتهم. فقد اعتبر محمد العريفي، أحد أبرز مدرسي العقيدة الإسلامية في السعودية الذي لديه أكبر عدد من المتابعين على موقع "تويتر" في العالم العربي يتخطون 16 مليون متابع، أن القوامة (وهي المفهوم القرآني الذي غالبًا ما يتمّ اللجوء إليه لتبرير الولاية) ليست تشريفًا وإنما تكليف، فالرجل راعٍ على أهل بيته ومسؤول عنهم. وانطلاقًا من وجهة النظر هذه، يمكننا رؤية كيف يتمّ تصوير ولاية الرجل على أنها حق من حقوق المرأة، التي في حين تعاكس المعايير الغربية للدفاع عن حقوق المرأة، لديها تأثير ملحوظ في السعودية. فقد عبّرت العديد من النساء السعوديات عن دعمهن لما يقدّمه النظام. وقالت إحدى النساء اللواتي شملتهن المقابلة الخاصة بمقال "نيويورك تايمز" لعام 2010 "بصفتي امرأة سعودية، أطالب بأن يكون لدي واليًا لأمري"؛ ونقل عن أخرى قولها "إذا أردت الاستقرار والأمان في حياتك، إذا أردت زوجًا يهتم بك، فلن تجدي ذلك سوى في الإسلام".

ويعكس الحوار على "تويتر" هذا الشعور، حيث غرّدت إحدى المستخدمات على سبيل المثال في إحدى الهاشتاغات العربية التي تحمل اسم #الولاية_لها_لا_عليها. "وفي أوروبا أكثر من يدخل الإسلام هم النساء عندما يعلمون أن الإسلام يلزم الرجل بحماية المرأة والإنفاق عليها". واستنادًا إلى أخرى، فإن "فوائد ولاية الرجل على المرأة واضحة من أبرزها: المحافظة على الدين، والمحافظة على النسل، والمحافظة على الشرف". وفي نظر العديد من السعوديات، لا يعيل نظام الولاية النساء ماليًا فحسب، بل يحميهن من الرجال الغرباء الذين يسعون إلى التقرب منهن: في هذا السياق، قالت إحدى مستخدمات "تويتر": "ولاية الرجل منعتهم من الوصول للمرأة لذلك يريدون إسقاطها ..."، مكرّرةً اقتباسًا منتشرًا على نحو واسع يُعزى إلى ولي العهد الأمير محمد بن نايف "إن الذين ينادون بحرية المرأة لا يريدون حريتها بل يريدون حرية الوصول إليها".    

لا يمكن للمرء إلغاء احتمال أن تكون بعض هذه التغريدات والهاشتاغات قد تمّ تنظيمها فعليًا من قبل سلطات دينية وسياسية تسعى إلى تحديد أطر الحوار العلني عبر حملة سرية على وسائل التواصل الاجتماعي. وبالفعل، أنشأت الحكومة السعودية في السابق حسابات آلية مزيّفة على "تويتر" لتشويه صورة إيران والمعارضة الشيعية والتعظيم من شأن النظام السعودي. غير أن نظرة سريعة على الحوار تشير إلى أن الحملة المؤيدة لولاية الرجل تعكس شعورًا شعبيًا صادقًا أكثر منه تسللًا حكوميًا؛ فقد تمّ إنشاء معظم الحسابات المغردة في إطار هاشتاغات مؤيدة لولاية الرجل قبل بلوغ الحملة ذروتها في خريف العام 2016 بكثير؛ فضلًا عن ذلك، يبدو أن عدد "التغريدات المكررة" قليل نسبيًا، وهو مؤشر على التشغيل الآلي.   

لكن أيًا مما تقدّم يهدف إلى القول إن الدعم الشعبي يبرّر بطريقة ما ولاية الرجل؛ لا شكّ في أن النظام يفاقم مشاكل سوء المعاملة والاعتداء الجنسي وعدم تكافؤ الفرص وغيرها من الأفعال الوحشية بحق النساء. غير أنه يوضح واقع أنه حتى في ظل الإصلاح التدريجي، ولاية الرجل مترسّخة في المجتمع السعودي على مستوى أعمق مما يقر به العديد من الغربيين. وعلى الرغم من الإلغاء الرسمي للقوانين التي تتطلب إذن ولي الأمر للسماح للنساء بالعمل خارج المنزل، على سبيل المثال، لا يزال العديد من أرباب العمل يطالبون بمثل هذه الموافقة. وحتى الحاجة الاقتصادية الواضحة لفرض قيود أقل على أنشطة النساء لا تعني أن التغيير سيكون سريعًا، أو حتى مستدامًا. لذا، ورغم تعاون العديد من النشطاء السعوديين في مجال الدفاع عن حقوق المرأة من دون تردّد مع حلفاء غربيين ورغم استعدادهم للاستفادة من تعهداتهم بالدعم، ينبغي على هؤلاء الغربيين تجنّب الوقوع في فخ الاعتقاد أنهم بالحديث علنًا بالنيابة عن النساء السعوديات سيصار إلى حل المشكلة. كما على الغربيين مقاومة إغراء معاملة السعوديات ككتلة متشابهة تعارض بشكل موحّد ولاية الرجل؛ فمجرد رغبة المرأة في الحصول على الرعاية الصحية والتعليم لا يعني أنها تؤيد إلغاء الولاية باعتبارها الطريقة الأفضل لتحقيق غايتها. تتطلب هذه الوقائع إعادة تدقيق في المساعي الغربية الرامية إلى دعم نشاط الدفاع عن حقوق المرأة السعودية؛ فلا شكّ في أن المساعدة ضرورية، لكن الأمر سيان بالنسبة للتقييم أساسي لهذه المقاربة.

كيندل بيانكي- معهد واشنطن-