مجتمع » شؤون المرأة

«جبارة» الناجية من القصاص: أملي كان أكبر من رائحة الموت !

في 2017/01/19

فتحت عميدة السجينات «جبارة الحكمي» قلبها لـ«عكاظ» بعد أن كتبت لها حياة جديدة عقب العفو عنها من القصاص في آخر لحظة. وروت حكاية 14 عاما من الترقب والانتظار.. بين الأمل الكبير وانتظار قضاء الله، أمل في النجاة وإيمان عميق بأن الدنيا رحلة قصيرة، في انتظار العودة إلى بيتها وأولادها بعد أن قضت سنوات طويلة خلف قضبان سجن جازان العام. وتروي جبارة من داخل سجن النساء تفاصيل الساعات بل الدقائق والثواني التي عاشتها بين الترقب وانتظار الموت بضربة السيف، حتى أثمرت جهود وشفاعة أمير منطقة جازان الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز، وعدد من فاعلي الخير في إنقاذ رقبتها.

روت أصعب اللحظات وأمرّها، كلما ارتفع صرير باب السجن، ولم تنس أن تقدم شكرها الجزيل لأسرة المجني عليه على مبادرتها الكريمة بالعفو عنها لوجه الله، معبرة في ذات الوقت عن ندمها عما بدر منها. مؤكدة أن الأيام المريرة قدمت لها دروسا في الحياة لتعود سليمة الوجدان إلى المجتمع، بعدما قضت السنوات في الخضوع والخشوع وتلاوة القرآن الكريم وحفظه، برغم أميتها فاستعانت بالله ثم برفيقاتها في السجن في التلاوة والحفظ.
•قبل ضربة السيف بلحظات كتبت لك حياة جديدة.. كيف كان شعورك في تلك اللحظة الفارقة؟
•• كنت متعلقة بالأمل بالله برغم رفض والدة القتيل، وقولها إلا إذا جاء عفوك من الله تعالى، استبشرت بهذه الكلمة، وتعلقت بالأمل وتمسكت به حتى آخر لحظة.
• يبدو أنها كانت لحظات لا تنسى، تلك التي عشتها داخل السجن في انتظار القصاص ..
•• لا أخفيكم سرا، كانت لحظات صعبة للغاية، انتابتني حالة من الخوف والقلق مع مشاعر لا يمكن وصفها على الإطلاق، تخيلي إحساس إنسان ينتظر الموت في كل لحظة، في هذه الحالة تصبح الثواني والدقائق والساعات والأيام طويلة جدا وممزوجة بالألم، ورغم كل تلك المشاعر القاسية كنت متعلقة بأمل العيش واحتواء أبنائي من حولي مرة أخرى، كان أملي بالله عز وجل كبيرا لا ينقطع أبدا.

عولجت بالمهدئات!
• نعود إلى الوراء قليلا ونستذكر لحظات النطق بالحكم، قولي كيف وقع عليك خبر الحكم بالقصاص ؟
•• كان كصاعقة عصفت بي وانهارت كل قواي، كان حدثا مؤلما، قضيت بعدها أياما صعبة ومررت بحالة نفسية سيئة، لدرجة أنني عولجت بالمهدئات النفسية، كنت أحاول أن أنسى الواقع المؤلم والمرير الذي أعيشه.

رأيت أولادي
• طيلة أيام السجن الطويلة، كيف كان تواصلك مع أسرتك.. من كان يزورك ؟
•• لم أر أبنائي سبع سنوات ولم أسمع صوتهم إلا عبر الهاتف، لأنهم كانوا صغارا في السن، وزاروني بعد أن كبروا، أما إخواني فلم يزرني أحد غير أخ واحد فقط في السنوات الأخيرة.

ولدت من جديد
• يبدو أن زيارة أبنائك لك بعد تلك السنوات الطويلة كانت جياشة بالمشاعر.. صفي لنا كيف كان اللقاء ..
•• كانت مشاعر لا توصف، لم أصدق نفسي، كنت أشعر أنه حلم، بعد رؤيتهم شعرت وكأنني ولدت من جديد، وتضاعف الأمل في داخلي، وكنت أدعو الله عز وجل أن يفرج كربتي، والحمد لله استجاب لي، وسخر لي من يقف إلى جانبي.

علمني السجن
• هل استفدت من التجربة، وشعرت أن مسار حياتك تغير؟
•• نعم.. استفدت كثيرا وأصبحت متعلقة بالله أكثر من قبل، وحفظت القرآن الكريم ولله الحمد، وتغيرت نظرتي للحياة بشكل كامل، وأصبحت مؤمنة بأن الله سيكون قريبا من عباده كلما اقتربوا منه، سورة يس كانت تؤنسني في وحدة الليل، وتعلمت معنى الصبر في كل شؤون حياتي، تعلمت من السجن ماذا يعني الأمل وماذا تعني الحياة.

ليلة لا تنسى
• مواقف كثيرة مرت بك خلف القضبان.. ما هي أصعب تلك المواقف ؟
•• الموقف الأول قبل 12 سنة حين صدر حكم القصاص، والثاني قبل أسبوع من ليلة تنفيذ الحكم، هذه ليلة لا يمكن أن أنساها طوال العمر.

بكيت كثيرا
• كيف كانت ردود أفعال زميلاتك ورفيقاتك في السجن بعد سماعهن نبأ العفو عنك ؟
•• شخصيا لن أستطيع وصف مشاعري في تلك اللحظة مهما تحدثت ومهما حاولت، كل ما أتذكره أن لساني كان يلهج بالشكر لله عز وجل وبكيت كثيرا ولم أصدق أنني ما زلت على قيد الحياة، ولكن إرادة الله قضت بإيقاف الحكم وكتب لي عمر جديد.
أما بالنسبة لزميلاتي فكن في قمة السعادة، وأخذ عدد كبير يبكي والآخر يبارك لي على العفو الذي أنقذ حياتي، كان يوما ممزوجا بالفرح والدموع والدعاء والشكر لله.

غمرنني بحبهن
• من كان يقف إلى جانبك داخل السجن ويدعمك نفسيا ؟
•• جميع القسم النسائي بالسجن من مديرة وعضوات وباحثات اجتماعيات، كن يتعاملن معي معاملة أسرية وغمرنني بحبهن ورعايتهن، وأشكر إدارة السجن على كل الرعاية والاهتمام التي قدموها لي طوال تلك السنوات.

• هل كان لديك أمل أنه سيتم العفو عنك ؟
•• الجميع من حولي وأقصد أسرتي كانوا يعيشون لحظات صعبة، وكان الأمل في نفوسهم ضعيفا بأن أعود إليهم مرة أخرى، وكنت متمسكة بالله وكنت أعلم أن الحكم الشرعي سينفذ وكنت مؤمنة بقضاء الله، وفي داخلي أمل وتفاؤل لا يمكن وصفه، فكلما اقتربت من الله شعرت بالراحة ولله الحمد.

• كلمة أخيرة تودين ذكرها ..
•• أشكر الله ثم كل من ساندني ودعمني سواء إدارة السجن أو زميلاتي أو من سعى وراء عتق رقبتي وكل من سأل عني، وفي الحقيقة أنا مدينة بالشكر لكثير من الناس وأطلب السماح من كل من لم أتذكره هنا، كما أشكر فاعلة خير تقدمت قبل أيام قليلة بتبرع سخي لي ولأبنائي عبارة عن منزل.

عكاظ السعودية-