التيار الديني تمسك بتحريم قيادة المرأة لأنها (قد) تؤدي إلى معصية، التيار الثاني تبنى القضية أصلاً ليس قناعة بعدالتها بقدر ما هي إغاظة للتيار الأول، لا فرق بين التيارين، فكل منهما يريد أن يقرر ما هو الأصلح لها، وعليها أن تصمت عندما يتكلم الرجال
باتت قضية قيادة المرأة للسيارة أشهر قضية جدلية عايشها الجيل الحالي قبل أن تدخل السينما كمنافس لها، رغم الفارق البسيط بعلّة المنع، فالأولى أججها التياران (الطباين) في المجتمع، فالتيار الديني تمسك بتحريم القيادة لأنها (قد) تؤدي إلى معصية، وهذا هو السبب المُعلن، أما غير المعلن فهو ببساطة لأن التيار الآخر تبنى القضية، التيار الثاني تبنى القضية أصلاً ليس قناعة بعدالتها بقدر ما هي إغاظة للتيار الأول، فالجميع يؤمن بحقوق المرأة، لا شك في ذلك، ولهذا الجميع يريد أن يقرر بشأنها ولمصلحتها، لا فرق بين التيارين فكل منهما يريد أن يقرر ما هو الأصلح لها، وعليها أن تصمت عندما يتكلم الرجال، والمرأة في تعريف هؤلاء هي كل (حرمة) سعودية ما عدا أهل بيته، ولهذا المعارضون من أقوى مبرراتهم للرفض أن خروج المرأة وحدها بسيارتها سيتيح لها أن تخرج للقاء من تشاء (أعتذر عن عدم ذكر المبرر نصّاً)، فهل يخشى أن يُسمح بقيادة المرأة فتخرج بنته أو زوجته لـ.. !، بالطبع هو لا يقصد أهل بيته الذين يثق بأخلاقهم وتربيتهم ولكن..لكن ماذا؟
- إنه يغار على أعراض المسلمين..
- مم؟
- من أن تقود المرأة سيارتها وحدها وتذهب لمن تشاء؟
- وهل تشك أن المسلمات لا يمنعهن من الرذيلة سوى أنهم لا يستطعن الوصول إليها؟
ويستمر الجدل بين من يدرك أن تبريراته غير أخلاقية فضلاً عن كونها غير منطقية، وبين من يعلم أن رفضه أو تأييده لن يضيف شيئاً للقضية، وينتظر أن يُسمح بقيادة المرأة ليطلق (الدرباوي) بداخله ويرقص على أنغام (الشيلة) الشهيرة: (أخذ حقّه بدقّ خشوم)!
الطريف أن المرأة تعمل بوظيفة (طيّار) تمخر أجواء المملكة، لكنها إن نزلت للأرض لا تقود السيارة!، وأظن – جاداً غير ساخر- أن المشكلة لغوية لا أكثر، وهذا السبب تحديداً هو مبرر منع السينما، فمفردة (يقود) تعني أنه أمام الدابّة ممسكاً بخطامها وهي وراءه، بعكس كلمة (يسوق) أي هو خلفها يهشّ عليها بعصاه، فلهذا لو استبدلنا قيادة المرأة بسياقة المرأة للسيارة ربما سيكون مقبولاً، المهم ألا تكون (أمام) التي تعني (ولاية) المرأة لسيارتها، وهكذا هم الغرب الخبثاء الذين يسهرون الليل والنهار مخططين لخروج المرأة المسلمة من خدرها (ما عندهم شغل غيرنا!)، فهذا التدرج الخبيث الذي يبدأ من الولاية الأصغر (السيارة) مروراً بولايات صغرى، تمهيداً لوصول المرأة إلى الولاية الكبرى، (انظر كيف لغتنا العظيمة قرّبت بين حروف ولايات وويلات)، فالمرأة من حقها أن تتحرك، نعم هذا حق لها، لكن لا يوجد حرية مطلقة، فحتى حركتها بخطواتها الثلاث (من غرفة نومها لمطبخها ومن مطبخها لمطبخ زوجها ومن مطبخ زوجها للمقبرة)، تمارس حريتها بالحركة بين هذه المحطات التي رسمناها لها لمصلحتها بالتأكيد، ولولا طمأنينتنا بأن الأموات لا يتحركون لما رَضيت غيرتنا أن ندفنها بمقبرةٍ مختلطة، أما في حرب (الطباين) حول السينما رغم أن المرأة ليس لها علاقة في الأمر كما يبدو للوهلة الأولى، فالسبب أن كلمة سينما بذاتها كلمة مؤنثة، ولهذا يمكن أن نحلّ الصراع بين الطرفين بتسمية (الرائي الشرعي الكبير) وبهذا سيفرح التياران بنصرهما، فالمعارض سيبتهج بأنه لا سينما بعد اليوم، و(الربراري) سيفرح أيضاً لأن الرائي الشرعي ما هو إلا تبرير لكلمة سينما، وسيخلقون قضية جديدة وسنكتب عنها خدمة لهيئة الترفيه فقط!
فهيد العديم- الوطن السعودية-