بعد نشر مقالي الأسبوع الماضي، الذي كان بعنوان: «بطالة النساء.. مسؤوليَّة مَنْ؟» جاءني هذا التساؤل من أحد القرَّاء الأفاضل: ما تأثير خروج المرأة على أسرتها.. مَن يربِّي الأبناء؟.
من المسلَّمات التي لا يختلف عليها اثنان، أهميَّة الأم في تربية الأبناء، ولكن هل يتطلَّب هذا منها أن توقف حياتها عليه؟ لو كان الأمر كذلك؛ لحرَّم الله على النساء العمل، ولما جعلهنَّ شريكات الرجال في تحمُّل أمانة الاستخلاف، ولما كان لهنَّ دور في مجتمعاتهنَّ على اختلاف الأزمان، ولما شاركن في تأسيس الدولة الإسلاميَّة.
ألم تُعرِّض السيدة خديجة -رضي الله عنها- حياتها للخطر، وهي تُرسل الطعام سرًّا للرسول -عليه الصلاة والسلام- ومَن معه من آل هاشم في حصار شعب أبي طالب؟.
أليست سميَّة بنت خياط (أم عمّار بن ياسر) -رضي الله عنهما- كانت أوَّل شهيدة في الإسلام؟.
ألم تُعرِّض أسماء بنت الصديق -رضي الله عنهما- حياتها للخطر، وهي تحمل الطعام في نطاقها إليه -عليه الصلاة والسلام- وأبيها، وهما في غار حراء؟.
ألم تشارك المرأة في الهجرة إلى الحبشة، والمدينة المنوَّرة، وفي بيعته -عليه الصلاة والسلام- في: العقبة الثانية، على عقد تأسيس الدولة الإسلاميَّة، وعند مقدمه المدينة المنوَّرة، وفي بيعة الرضوان على القتال في سبيل الله؟.
ألم يشاركن في القتال مع المسلمين؟
أليست نسيبة بنت كعب الأنصاريَّة هي التي دافعت عنه -عليه الصلاة والسلام- يوم أحد، وتلقَّت الضربات عنه، وفقدت يدها؟.
ألم يُشاركن في العهد النبوي في الحسبة، ومراقبة الأسواق، وفي البيع والشراء، وتمريض وتطبيب الجرحى، وتنظيف المسجد، وفي الرعي والزراعة، والغزل والنسيج، وإقامة النُّزل لاستضافة وخدمة القادمين إلى المدينة المنوَّرة، وغير ذلك من الأعمال؟ وكل هذا الدور العظيم الذي قمن به، لم يتعارض مع دورهنَّ في تربية أولادهنَّ، رغم صعوبة وقسوة الحياة آنذاك، فلم تتوفر لديهنَّ ما هو متوفر لدى الأمهات المُعاصرات من سبل الراحة، واختصار الوقت والجهد في إنجاز الأعمال.
فالحياة في المجتمع لا تكتمل إلاَّ بدور الاثنيْن معًا: «الرجل والمرأة»، فهما شريكان في كلِّ شيء؛ حتَّى في تربية الأولاد، ثمَّ إنَّ اللهَ زوَّد المرأة بطاقات ومهارات ومواهب لتستفيد منها الإنسانيَّة، وليس لحبسها داخل أربعة جدران.
هذا ويلاحظ أنَّ المعارضين لعمل المرأة يتشدَّقون بهذه الذريعة، مع أنَّ أغلبهم على أرض الواقع لا يؤمنون بهذا الدور؛ إذ كيف تُلغى أهميَّة دورها بمجرَّد طلاقها، فيُنتزع أولادها منها، وقد يكونون في سن الحضانة، بل في سن الرضاعة، مثل الطفلة «دارين»، وغيرها كثير.
وهنا أسأل: هل دور الأم أساس في تربية أولادها عندما تكون زوجة فقط، وإن طُلِّقت يُنتزع منها؟.
ثمَّ إنْ تفرَّغت الأم لتربية أولادها، مَن يُنفق عليها (هي وأولادها) إنْ طُلِّقت، أو ترملَّت، أو هُجرتْ، أو عُلِّقتْ من قِبل زوجها، أو أصيب زوجها بعجزٍ يقعده عن العمل؟.
هناك نساء كُثر مُعيلات لأسرهنَّ، وهناك أخريات لم يتزوَّجن، ويَعُلَن أسرهنَّ من آباء وإخوة.
إنَّ عمل المرأة بات ضرورةً حياتيَّةً للمرأة، وأسرتها وتنمية مجتمعها.
سهيلة زين العابدين حماد- المدينة السعودية-