يحصل أحياناً أن تقوم مجموعة بالتعدي على قطعة أرض بالبناء، ثم الاستيطان، وحين تقوم الجهات المختصة بإزالة تلك التعديات، فإن «ملاكها» من المتجاوزين يقاومون ذلك بأجسادهم، التقادم هو من جعلهم يظنون أن تعدياتهم تلك أصبحت في حكم الحق الأصيل الذي لا يقبل المساومة.
بالحديث عن ولاية الرجل على المرأة في السعودية، فإن السيناريو ذاته يتكرر، لكن مع تغيير قليل في الشخوص، فالمرأة أخذت دور قطعة الأرض، والمعتدون هم الرافضون لإسقاط الولاية، ممّن استمرؤوا العادات، وترعرعوا على تقاليد اجتماعية جعلتهم أوصياء - بقوة العضلات - على الأنثى، يتحكمون في كل شؤونها بلا هوادة، وكأنها قاصر أو سفيه أو مجنون. أحد نجوم الدعاة المشهورين، بجهل، أو بقصد افتعال أزمة، أو بنية ركوب موجة الرفض، لا أعلم، لكنه زعم أن القائل بعدم ولاية الرجل على المرأة، إنما هو من سقط المتاع! مستدلاً على ذلك بأنه ليس بينهم عالم جليل. لعله نسي، أو لم يحدثه «ثقة» حتى الآن، أن عضو هيئة كبار العلماء في السعودية الشيخ عبدالله بن منيع، ذكر في مقابلة مع صحيفة عكاظ، ما نصه: «المرأة إذا بلغت سن التكليف، يجب أن تعطى ما يستحقه أخوها من حيث الكفاءة المالية، والكفاءة الأهلية، والتصرف في مالها، والتصرف في ما تراه من مصالحها، وليس عليها ولاية مطلقاً».
قال تعالى: «وإذا الموءودة سُئلت، بأي ذنبٍ قتلت»، وللمرأة السعودية أن تسأل: بأي ذنب سُلِبتُ حق ممارسة اختياراتي، كأي رجل مكلّف؟ في مقابل السؤال الممجوج الذي يتكرر، بقصد الحشد والتجييش ضد المناوئين لفكر التسلط على المرأة: لماذا يريدون إسقاط ولاية الرجل عليها؟ والذي يأتي - في الغالب - مرادفاً لعبارات القذف بالجملة، من ناحية التشكيك في نسائنا، وكأنهن يتحينَّ تلك اللحظة بغرض الفساد! أما المؤيدون من الرجال، فما هم بنظر أولئك إلا «دشير» فسّاق، نيتهم التمتع فيهن خارج السعودية! تفكير أعوج أهوج، لا أظنه يمثل سوى ما تخفيه صدور نُخب التضليل، الذين يقولون كل شيء، إلا ما يقوله الإسلام الصحيح.
كان بودي أن أعاتب الفتيات اللائي تزعّمن المطالبة بإسقاط الولاية، على سلوكيات «بعضهن» تجاه من لا يوافقهن في عدالة قضيتهن، كنت أود القول: «إن المطالِبات بحقوق المرأة السعودية سبب رئيس في تعطيل دورها، فالسعوديات بحاجة إلى حقوقيات ذكيات اجتماعياً، لا إلى (ملسونات) و(مشكلجيات)»، وحتى لا تكون المرأة عدوةً لحق أصيل من حقوقها، عليها ألا تكون «كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا»، بخاصة أن الوعود الإيجابية من القيادات الشابة في الحكومة، لا تنفك تؤكد على أن مزيدا من حريات النساء سيتم دعمها، كما نقلت وكالة أنباء بلومبيرغ عن ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي أضاف: «نعتقد أن المرأة لديها حقوق في الإسلام لم تحصل عليها حتى الآن»، لذلك فإنه من الحكمة الاستفادة من الدرس التاريخي المتمثل في تحدي بعض النساء لإرادة الغالبية عام 1990، عندما خرجن يقدن سياراتهن مستغلاتٍ الوجود العسكري في السعودية إبَّان حرب تحرير الكويت، والحضور الإعلامي الأجنبي الضخم المصاحب له، بقيادة «سي إن إن»، ما تسبب في ردود سلبية اجتماعية رافضة، فلا المرأة قادت سيارتها، ولا الدولة رضخت لسياسة لي الذراع التي حاولت تلك «الخارجات» ممارستها عليها، حتى بعد 27 عاماً.
يقول آينشتاين: «من الغباء فعل نفس الشيء، وبنفس الخطوات، بانتظار نتائج مختلفة». لكنني سأصمت عن عتابهن، بسبب ما نشهده من تهميش وإقصاء وتسفيه لدور المرأة، يمارسه بعضهم، لا لشيء، سوى أنها امرأة، وهو - في ظني - الذي أوصل الحال إلى ما هي عليه، من الحدية والندية، والمثل الشعبي يقول: «ما دون الحلق إلا اليدين»، فلكل قوةِ فعل، قوةُ رد فعل، مساوية لها في المقدار، ومعاكسة لها في الاتجاه، على رأي نيوتن.
لا يفوتني التعريج في الختام على مخرجات حساب المواطن، التي كشفت عن وجه آخر للمرأة السعودية، العاملة المكافحة، الشريكة في الحياة والوطن، فلقد أظهرت نتائجه أن نسبة ٢٨ في المئة من النساء هن من يعلن أسرهن بما فيها من الرجال. نسبة تضع أولئك الرافضين لتمكين المرأة أمام حقيقة راسخة، وهي أن الله لم يخلق النساء وسيلة للتكاثر، فللمرأة كامل الحق في تولي أمر نفسها بنفسها، وعلى الرجل حق احترامها، والقوانين لردع المستهترين المتعدّين.
فيصل العساف- الحياة السعودية-