هل تستطيع السّعودية الإبقاء على النّساء؟ جاء تعيين نساء الشهر الماضي على رأس بنكين كبيرين وبورصة تداول في السّعودية، ليبعث بالأمل بأنّ عمل المرأة في مثل تلك المناصب الكبيرة ليس مغلقًا تمامًا. لكن لا تزال القيود المفروضة على الحياة السّعودية صعبة للغاية، وسرًّا، تجد العديد من النّساء مهربًا للخروج.
في رحلات العائلات للخارج، يتسرّب بعضهنّ. وبعض اللاتي تمّ إرسالهنّ للتعلّم في الجامعات الغربية على حساب الحكومة، يخترن تأجيل عودتهنّ إلى أجلٍ غير مسمّى. وتستفيد بعضهنّ من مواقع الإنترنت التي تقدّم خدمة سرّية تسمح لهنّ بالزّواج من رجال يأخذونهنّ إلى الخارج. وقد وجدت إيمان، مديرة إحدى المستشفيات الخاصة، عرضًا لقضاء شهر عسل في أستراليا مقابل 4000 دولار بينما كانت تخطّط للسّفر.
وتسير المرأة في السّعودية في رحاب قانون الولاية. وبعيدًا عن حرمانها من قيادة السيّارة، تفرض السّعودية قيودًا أشدّ على حركة الإناث. وتحتاج المرأة إلى ولي أو وصي يسمح لها بالسّفر أو العمل أو الدراسة أو تلقي الرعاية الطبية أو الحصول على بطاقة هوية أو مغادرة السجن بعض قضاء الحكم. وتسلّم المرأة من يد إلى يد ومن ولي إلى ولي. يكون الأب ثمّ الزوج أو الابن، أو في حالة عدم وجودهم أو موتهم يكون أقرب الذكور، وأحيانًا يكون صبيًا مراهقًا. وفي حين يعامل الذكر كبالغ منذ سنّ البلوغ، تعامل المرأة كقاصر طوال عمرها.
وتخضع إيمان، المطلقة، لوصاية شقيقها، الذي يبلغ من العمر 17 عامًا ويقارب بالكاد نصف عمرها. يسمح لها بالعمل مديرة للمستشفى، لكنّه يجبي أرباحها. وتقول أنّها تشعر وكأنّها أمة لدى شقيقها، في حين يصرف أموالها على المخدّرات وقضاء عطلات نهاية الأسبوع في صالونات التدليك بالبحرين. ويرفض زوجها السّابق أن يدعها ترى أولادها. ويمنعها شقيقها من إكمال دراستها بأوروبا. وإذا احتجّت، يهدّد بضربها.
وقد حاولت اللجوء للمحكمة لنقل الولاية إلى شقيق أكبر أكثر تعاطفًا، لكنّ القاضي رفض القضية، أثناء حديثه من خلال هاتفه، كما تقول. ورغمّ أنّها ترتدي حجابًا كاملًا، فهي تشكّ أنّ القاضي اعترض على طريقتها في عرض قضيتها. ولا تقدّم الخدمات الاجتماعية سوى ملاذًا ضعيفًا، حيث تشبه بيوت المعتدى عليهنّ السّجون بلا نوافذ وتمنع عنهنّ الزيارات. وبينما تسمع إيمان النّساء الأخريات يقلن بأنّ أشقّاءهنّ لا يضربونهنّ، تؤكّد إيمان على كذبهنّ خوفًا من السكن الاجتماعي.
ولا يمكن تقدير أعداد «الهاربات» بالتعبّير السّعودي، لكن يقول «منصور العسكر»، عالم الاجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض، أنّ الأعداد في تزايد. وبحسب تقديره، تفرّ 1000 من النّساء سنويًا من المملكة، بينما تفرّ الأعداد الأكبر من الريّاض إلى جدّة، المدينة الساحلية الأكثر ليبرالية.
ويصرّ علماء سعوديون معارضون على أنّ قوانين الولاية ليست من الإسلام، لكنّ العادات البدوية القديمة لا تزال تؤثّر على كثير من المناطق النائية في شبه الجزيرة العربية. وكانت السّيدة خديجة، زوجة الرسول محمد (صلّى الله عليه وسلّم)، تعمل بالتّجارة، ودعمت زوجها بالمال. وارتحلت زوجاته الأخريات بين المدينة ومكّة بدونه. ويقول «حسن المالكي»: «لقد حرّر الإسلام المرأة من الولاية»، وهو عالم لاهوت بالرياض تعرّض للسّجن بعض المرّات لأفكاره المتحرّرة. ويضيف «المالكي» أنّ «المرأة في الإسلام يمكنها اختيار من تتزوج». واعترفت دراسة سعودية أخرى أنّ بعض النّساء يهربن من الإيذاء الجّسدي، لكنّها قالت أنّ الغالبية منهنّ وقعت تحت تأثير «الاستخدام السيئ لوسائل التواصل الاجتماعي، وتقليد الثقافات الأخرى والمعتقدات الواهنة».
ويؤكّد الاقتصاديّون أنّ نظام الولاية يجعل السّعودية أكثر فقرًا. وتمثّل الفتيات أكثر من ربع الطلاب الذين يرسلون للتعليم في الخارج سنويًا، والبالغ عددهم 150 ألفًا. ونظرًا لاختيار جزء كبير منهنّ عدم العودة أو العودة إلى دبي الأكثر تحررًا، فإنّ المملكة تخسر جزءًا كبيرًا من الـ 5 مليارات دولار التي تنفقها على تعليمهنّ في الخارج. وتقول «نجاح العصيمي»، الأكاديمية السّعودية التي تعمل في بريطانيا: «السّعودية تفقد مواهبها».
ومن الأمور المحرجة لدعاة الإصلاح، أنّ كثير من المدافعين عن نظام الولاية هم من النّساء، لا سيما في المقاطعات الجنوبية. وعلى الرغم من إطلاق حملات مثل (أوقفوا استعباد النساء) و (أنا ولية نفسي) على وسائل التواصل الاجتماعي لإنهاء نظام الولاية، لم تجمع تلك الحملات سوى 14 ألف توقيعٍ فقط.
بعض الإنفراج
يقرّ قادة السّعودية بالحاجة لأن تكون المملكة صديقة أكثر للمرأة. وفي الواقع، يلتحق النّساء بالجامعات السّعودية بعدد أكبر من الرجال. وعلى الرّغم من أنّ بعض الرجال ما زالوا يرسلون صورهم الشخصية عندما يقدّمون على عمل لزوجاتهم، ويحضرون عنهن المقابلات الشخصية، تنازلت المملكة عام 2012 عن الحاجة لموافقة ولي المرأة في 4 أعمال، تشمل المساعدات في متاجر الملابس، والطهاة.
وفي مراكز التسوّق الراقية، يمكن رؤية النساء يبعن منتجات ما بعد الحلاقة، ويقمن بجرأة برش عينات على أيدي الذكور. ويمكن للرجال متفتّحي العقول إعطاء ذويهم من النّساء تصاريح تمتدّ لخمس سنوات للتنقّل دون رفقة (على الرغم من تلقيهم للرسائل النّصية إذا ما قمن بحجز سفرٍ إلى الخارج). وعلى الصّعيد الوطني، خفّ قليلًا التشديد في أمر الملبس. وفي المدن الكبرى، أضافت النّساء أشرطة ملوّنة وأنماط إلى العبايات السّوداء التي تطالبهم الدولة بارتدائها. وحتّى في بريدة، معقل العادات السّعودية المتشدّدة، أزالت النّساء مساحة تسمح بظهور عيونهنّ من الحجاب الذي يغطّي وجوههنّ بالكامل حتّى الآن، وتركن العبايات اتي تنزل من رؤوسهنّ لتبدأ من أكتافهنّ.
ومع ذلك، يعاني الكثير من النّساء من الإحباط. وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، انتشر مقطع فيروسي لنساء يركبن الدراجات النارية. وكذلك مقطع لخيال امرأة تحمل زجاجة من الويسكي في يدها، وترقص على سقف سيارتها. وغيرها من المقاطع لمجموعة من النّساء تتّشحن بالسّواد وتغنّين أغاني البوب بكلمات الاحتجاج وتلعبن بالسيّارات اللعبة والمزلجات وغيرها من المركبات التي يمكنهنّ قيادتها قانونًا. ويحذّر السيّد «العسكر» من خطر الانهيار ما لم يتكيّف النّظام. لكن بالنّسبة لـ«إيمان»، مديرة المستشفى، لا يمكن للإصلاح أن يأتي قريبًا بشكلٍ كافٍ. ولا يزال شهر العسل الأسترالي في الانتظار.
إيكونوميست- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-