بعد شد وجذب شهدهما المجتمع السعودي ولسنوات طويلة، تعود قضية قيادة المرأة للسيارة لتتصدر أروقة مناقشات السياسيين في المملكة وعلى مستويات عالية، وتحيي أملاً لمناصري قرار السماح للنساء بالقيادة، في استمرار لتدفق الخطوات الإصلاحية ضمن رؤية 2030.
وبالرغم من إيجابية السير نحو السماح للمرأة بالقيادة، ما يزال "التدرج" سنة رسمية سعودية قبل إقراره، في انتظار قناعة مجتمعية تعزز موقف الدولة.
وطرق القرار مجدداً أبواب الشورى السعودي، مع تأكيد عضو المجلس، سامي زيدان، الأحد (9 أبريل/نيسان)، أن موضوع قيادة المرأة للسيارة يحتاج إلى قرار "سيادي"، مطالباً بالسماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة "مثلها مثل قريباتها الخليجيات، ولا داعي لأن يُناقش الموضوع تحت قبة (الشورى)".
"لا توجد قوانين تمنع المرأة السعودية من قيادة السيارة، فالمسألة اجتماعية أكثر ممّا هي دينية، وسيتعامل معها المجتمع في الوقت المناسب، لكن تحتاج إلى الصبر حالياً"؛ بهذه الكلمات ردّ وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، على المبتعثة السعودية في بريطانيا، نجاح العتيبي، حول موعد قيادة المرأة للسيارة في المملكة.
وعلى أثر تصريحات وزير الخارجية السعودي، عاد الجبير، وولي ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، عقب إعلان "رؤية المملكة 2030"، التي تمنح المرأة السعودية مجالاً أوسع داخل المجتمع، تبقى مسألة قيادة المرأة للسيارة تثير تساؤلات كثيرة بين الحين والآخر؛ حيث يرى البعض إمكانية حسم الأمر بقرار سياسي حازم ينهي حالة الجدل الدائر بين مكونات المجتمع السعودي، في حين يرى آخرون ضرورة اتخاذ مثل هذا القرار على أساس التوافق الثقافي والفكري.
ويقول زيدان: إن "الموافقة على قيادة المرأة السيارة في حاجة إلى قرار سيادي، وإن المجلس معنيٌّ بتعديل القوانين والأنظمة فقط؛ كون المسألة هي تقدير ولي الأمر؛ فيما إذا كان الوضع الاجتماعي يسمح بقيادة المرأة أم لا"، مشيراً إلى أن "السماح بالقيادة لا يعني الإلزام بها، فالسماح للمرأة بأن تقود سيارة لا يلزمها أن تفعل".
ومع تلميحات المسؤولين السعوديين إلى أن الموضوع يحتاج إلى تقبل داخل المجتمع السعودي، نفى المتحدث الرسمي باسم مجلس الشورى، محمد المهنا، مؤخراً صحة إقرار المجلس نظاماً يسمح بقيادة المرأة السيارة في المملكة، بعد تداول الأمر كثيراً عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وبعد تداول ناشطين تلميحات المرور العامة حول تحديد شهر شعبان المقبل موعداً للسماح بقيادة المرأة للسيارة، نفى المتحدث الرسمي للإدارة العامة للمرور، العقيد طارق الربيعان، الأحد (9 أبريل/نيسان) ما يتداول عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وأكد أنه لم يصدر من مدير الإدارة العامة للمرور أو المتحدث الرسمي أي تصريحات بهذا الشأن، بحسب "الرياض" السعودية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2013، قدمت ثلاث عضوات بمجلس الشورى، توصية حول قيادة المرأة للسيارة، ووضعن ستة مسوغات، تشمل جميع المجالات؛ لكي تكون توصيتهن مبنيّة على حقائق علمية واجتماعية.
- رؤية السعودية تعزز مكانة المرأة
وتركز رؤية المملكة 2030 على دعم وتعزيز مشاركة النساء في كل جوانب الحياة، ومنها سوق العمل بنحو 30%، إذ بلغت الرساميل النسائية في البلاد أكثر من 100 مليار ريال، وتجاوزت استثماراتهن العقارية 120 مليار ريال.
كما استطاعت 17 امرأة سعودية حجز مقاعدهن في المجالس البلدية عقب الانتخابات الأخيرة للمجالس في العام الماضي، وتتحرك تحت قبة الشورى 30 سيدة منذ دورته الماضية.
وخلال العقد الأخير، بدأت المرأة السعودية تأخذ حيزاً أكبر في شتى المجالات، إذ تشكل 51% من طلاب التعليم العالي، وتدرس 35 ألف مبتعثة في الخارج، في حين نجحت أسماء نسائية في كسر احتكار الرجال لمناصب قيادية على مستوى مؤسسات اقتصادية وسياسة وكذلك دبلوماسية.
وفي تلميح حول دراسة موضوع قيادة المرأة للسيارة وربما إقراره مستقبلاً، أكد ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في تصريح سابق له، أن "قضية قيادة المرأة للسيارة برمتها تعود إلى المجتمع لا إلى الدين".
وأشار إلى فتاوى بعض العلماء والدعاة السعوديين مفادها عدم حرمة قيادة المرأة للسيارة، رغم أن مفتي المملكة الراحل، الشيخ عبد العزيز بن باز، ربط حرمة "القيادة" بالمصالح والمفاسد.
وخلال ندوة في المعهد الملكي للشؤون الدولية في العاصمة البريطانية لندن، أقيمت في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أكد وزير الخارجية السعودية، عادل الجبير، أنَّ "المرأة السعودية تمضي بخطوات ثابتة نحو حقوقها، وهناك تقدم كبير في مجال تعليم الفتيات". لمشاهدة الفيديو إضغط
وانتقد الجبير خلال تصريحاته إصرار الناشطين الحقوقيين والصحافة الغربية على التركيز بشكل دائم على قضية قيادة المرأة للسيارة، وتجاهل كل ما أنجزته المملكة من تقدم فيما يتعلق بحقوق المرأة.
وقال: "ليس من العدل التركيز على موضوع قيادة النساء". وأشار إلى جهود بلاده الكبيرة في تعليم الفتيات، التي انتقلت من مرحلة لم تكن فيها مدارس في 1960 إلى التعليم الجامعي، وأنَّ 55% من طلبة الجامعات من النساء حالياً، وكذلك أبرز الأطباء والمهندسين والمحامين وأصحاب الأعمال من النساء، "الأمور تتقدم مثل أي بلدان أخرى".
وحول تقبل المجتمع السعودي لقيادة المرأة، قارن الجبير بين بلاده والولايات المتحدة، وقال: إنّ "الأمر استغرق 100 سنة بعد استقلال أمريكا لتحصل النساء على حق التصويت، 100 سنة أخرى لانتخاب أول امرأة رئيسة لمجلس النواب، أنا لا أقول أعطونا 100 سنة، أنا أقول كونوا صبورين".
ويأمل عديد من المسؤولين في السعودية أن تساهم الاتصالات الحديثة والتكنولوجيا المتطورة التي يتمتع بها العالم في الوقت الراهن في تسريع هذه العملية، رغم أن المسألة قد تأخذ وقتاً ليس بالقليل؛ لكونها تعتبر جديدة على مجتمع يسعى للمحافظة على موروثاته الثقافية والاجتماعية والدينية.
وفي ظل كلام الجبير والأمير محمد بن سلمان ومسؤولين آخرين حول موضوع قيادة المرأة للسيارة في المملكة أسوة بنظيراتها في مجلس التعاون الخليجي، تبدو السعودية اليوم أقرب من أي وقت مضى إلى إقرار القانون؛ لكونه أخذ حجمه الكافي من النقاشات بين العلماء والنشطاء والخبراء من كلا الجنسين.
ياسين السليمان - الخليج أونلاين-