لم تكن المرة الأولى التي نشاهد فيها غائب المروءة يلطم امرأة كما في مقطع سوق جدة, ولن تكون الأخيرة, فهذا النوع من الامتهان والعنف, هو العقاب المضمر واليد الخفية, التي يوظفها المكون الرجعي في المجتمع, لكفكفة النساء, وإفشال المشروعات التنموية الخاصة بتمكينهن, وتضييق الحيز المدني المخصص لهن, فتمكين المرأة واستقلالها الاقتصادي, يربك انتظام الأدوار التقليدية, ويسلب الكثير من الامتيازات داخل تراتبية الهرم السلطوي الذكوري.
حضور المرأة في الفضاءات العامة والذي بات حتمية لن أقول تنموية, بل هو حتمية إنسانية يتطلبها الحفاظ على الحد الأدنى من الكفاف وكرامة العيش, يتطلب عددا من التنظيمات الإجرائية التي تؤمن بيئة آمنة لهن, وصارمة ضد من يستبيح هشاشتهن.
لذا عندما ترفض بعض الجهات تفعيل قانون التحرش إلى الآن , بينما المواطنات انطلقن بكثافة إلى سوق العمل, وأصبحن جزءا من الدورة الاقتصادية, يصبح عندها من واجب الدولة أن تقوم بواجبها في الأخذ على يد كل من يقهقر قانون حماية المرأة من التحرش .
المفارقة هنا أنه ضمن الجرائم الالكترونية هناك قانون يجرم من يصور حادثة, ويبثها على وسائل التواصل الاجتماعي, على حين أنها الآن باتت السبيل الوحيد الذي يتم من خلاله تطبيق القانون, مقابل سلبية الشارع, وغياب قانون التحرش.
وأعتقد أن أهم ميزات قانون الحماية من التحرش يتعلق بالمرأة نفسها, ووعيها الذاتي بأنها واقعة تحت حالة تعنيف وظلم, فمع قانون منع التحرش سيكون هناك تصنيف للمخالفات التي تدخل في إطار التحرش الجنسي, وعقوبات محددة لكل مخالفة لأن لأغلب الأحيان لاتعي الضحية بأنها كذلك, فالعنف قد يتخذ عدة أشكال قد يكون أعلاه الاعتداء الجسدي, مرورا بمعاملتها كقاصر أبدية على الأوراق الرسمية وحرمانها اكتمال مواطنتها وحقها في التنقل الآمن, وأدناه حرمان مدارس البنات من اسم يعطيهن هوية وكرامة واستبقائهن في كادر الطمس ....عبر رقم.
نقرأ ونسمع عبر الإعلام عن عدة دوائر رسمية قامت بمناقشة قانون الحماية من التحرش, ووزارة العمل أسست له لائحة تنفيذية, وقد دارت تجاذبات حول هذا القانون في مجلس الشورى طويلا, بينما تشير التسريبات من داخل الشورى نفسه إلى عضوات وأعضاء سعوا إلى تعطيله !! كونه كما يزعمون سيعزز (مفهوم الاختلاط) بين الجنسين في المجتمع, ولا أدري كيف تصبح ذريعة لا منطقية مثل هذه مرجعا يتمكن من حجب قانون؟؟!! فهم كمن يقول لاتجعلوا الطفل الذي يحبو يرتدي حذاءً حتى لايجرؤ على المشي... فتدمى قدماه!!
هذا المنطق الأعرج هو من يحجب لائحة تنظيمية تحمي المواطنات العاملات, اللواتي هن في الواقع لم ينتظرن أحداً, بل اقتحمن سوق العمل, واستعملن وسائل المواصلات داخل المدينة وخارجها, رغم كل هذا الحضور الكثيف, مابرح البعض يحلم بكنسهن وإعادتهن للحرملك, كخطوة تالية لمنع قانون حمايتهن في الفضاء العام.
أميمة الخميس- الرياض السعودية-