توجد في مجتمعاتنا العربية، وفي السعودية تحديداً، فئات من المجتمع ممن يدّعون التدين والغيرة على الأعراض كما يزعمون، لكنهم لا يتحدثون عن ذلك، أي لا يتحدثون عن الأخلاق ولا عن القيم كمواد ومعايير. حديثهم ومحاضراتهم وندواتهم تدور حول المرأة والتسابق نحو قمعها وحرمانها من أبسط الحقوق التي منحها الله لها. يفعلون ذلك ظناً منهم أن هذا الفعل أو القول هو الذي سيحقق وجود المجتمع العفيف المتلبس بالأخلاق والقيم. بمعنى أن الموضوع رمزي بحت ويعتمد على المظهر كما هو الداعية عندما يعتمد على المظهر الذي نعرفه جميعنا.
لو قمت بعملية تحرير بسيطة لخطبهم ومطوياتهم وتغريداتهم في «تويتر» وأعطيت أوامر لبرنامج «وورد» بحذف مفردة «المرأة» وما يتصل بها لفقدت ٨٠ في المئة من المادة. أدخل هذه المفردة في محرك البحث «غوغل» وأضف لها اسم أي داعية «حركي» أو مغرد مشهور من فئة «أحب الصالحين ولست منهم» وستجد مئات الروابط المتصلة. أدخل مفردة «التنمية» أو «البطالة» أو «الاختراع» أو «الأخلاق» أو «الفساد» أو «دولة القانون» ثم أتبعها باسم أحدهم. لن تجد إلا النذر اليسير من الروابط. ومن دون الحاجة لكل هذا البحث الإلكتروني، هل تذكرون تلك الإحصاءات السنوية التي كانت تصدر عن «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» وكم نسبة الحالات التي تم ضبطها كمنكر، مثل غطاء الوجه والعباية ونحو ذلك، أي من دون وجود المرأة طرفاً فيها؟ وكأن المنكر هو المرأة وليس التحرش بها أو إيذاؤها.
المؤسف هنا ليس الداعية المنفلت بل مجلس الشورى السعودي الذي يعيّن أعضاؤه بواسطة الملك وبانتقاء وحرص من خلال مؤهلاتهم وسيرهم الذاتية. هذا المجلس لم يسلم من هذه العدوى فقد رفض قبل أيام توصية لبناء كليات رياضية للبنات. الحقيقة أنني لم أستغرب هذا «الإنجاز» العظيم المتمثل بالرفض، فهذا المجلس أصبح وبفعل هذا الفايروس الخطر، من «المتسلطين» على المرأة السعودية بشكل غريب ومريب. الكثير من «منجزات» المجلس المثيرة للجدل هي توصيات نحو المزيد من قمع المرأة وحرمانها من الحقوق والاحترام. منها على سبيل المثال وليس الحصر تردده الواضح والممل إلى درجة الغثيان لمنح المرأة حق قيادة سيارتها بنفسها. منها تجاهله للحديث تماماً عن ضرورة إسقاط بدعة الولاية التي ما أنزل الله بها من سلطان. منها وقوفه وبشدة ضد قانون التحرش الجنسي لأن البعض كان يعتقد وما زال بأن صدور مثل هذا القانون سيشرع الاختلاط. ولا أعلم أين يعيش هؤلاء، لأن الاختلاط اليوم في كل مكان بل وموجود حتى داخل قبة هذا المجلس وما على أي أحد منهم إلا أن يلتفت فقط ويرى ذلك.
نعم المرأة هي كل شيء في مخيلاتهم وفكرهم وأكلهم ومعاشهم ولولاها لسقطت نسبة كبيرة من هؤلاء، ولا أقصد بالضرورة بعض أعضاء الشورى، بل معظم المؤدلجين المهووسين، وانضمت إلى طوابير العاطلين من العمل ذلك لأنهم لن يجدوا ما يتحدثون عنه. والمرأة بالطبع سبب مهم وركن أساس في إغراء المأزومين ممن يضطرون للهروب من المجتمع الذي يرفض انطواءهم فيلتحقون بالمنظمات الإرهابية في سباق محموم نحو الحورية.
أكتب هذه المقالة في الصباح التالي لاحتفال جامعة الفيصل بتخريج طلابها وطالباتها للعام ٢٠١٧ وكنت وزوجتي مدعوين لتلك الحفلة. فوجئت بأن الجامعة وضعت مدخلاً للنساء وآخر للرجال وكان متعباً كوني أتيت مع زوجتي بسيارة واحدة لحضور تخرج أحد الأبناء لكننا اضطررنا للدخول عبر بوابتين منفصلتين تماماً وكل واحدة على شارع مختلف، وفي القاعة افترقنا من جديد ولم نتمكن من الجلوس أحدنا بجانب الآخر على رغم حميمية المناسبة ومكانتنا آباء وأمهات يحتفلون بفلذة كبد. مثل الاستمرار بهذا الفصل وفي جامعة فتية ورائدة وواعدة بالتسامح والانفتاح أثار استغرابي ودهشتي وظهر مخيباً للآمال.
الحقيقة أن توظيف المرأة في كل صغيرة وكبيرة ولأسباب لا علاقة لها بهذا المخلوق الجميل وصل إلى حد التشكيك بالنوايا. يتم انتخاب المملكة للتو في مجلس حقوق المرأة التابع للأمم المتحدة تشجيعاً لدورها في تعزيز الحقوق، ثم يأتي من يرفع صوته ويحاول إعادة الساعة إلى زمن الثمانينات وكأنه يقول للعالم: أخطأتم في الاختيار ذلك الزمن الذي توقفت عنده الحياة والتنمية وتبدلت قيم الناس وسلوكياتهم. زمن الصراخ والتباكي الذي انتهى إلى مطاردات وموت واتهام للأبرياء وشهادات الزور. الزمن الذي فضح زيف الغيرة والسعي نحو الأخلاق ودفع البعض الى حالات من الجنون ولو لم يتم تصوير وتوثيق «فتاة مول النخيل» وغيرها ولو لم نسمع عن اختراقات أمنية خطرة متلبسة بذات المظهر فلربما لا زلنا نئن تحت تلك الحقبة الغابرة.
اليوم تشكل المرأة قوة لا يستهان بها في سوق العمل السعودية على رغم أن نسبة البطالة بين النساء لا زالت تعادل أربعة أضعاف نسبتها بين الرجال. أمامنا الكثير مما نحتاج إلى إنجازه وتكريسه وتقنينه في هذا المجتمع لنصل إلى مرحلة التوازن العادلة. رؤية المملكة نحو الغد والتي أصبح نجاحها مع استمرار تدني أسعار النفط، أكبر تحدٍ يواجه هذه البلاد. تتحدث هذه الرؤية عن نسب متدنية جداً من البطالة ولو أن الدولة اتبعت الأهواء لأصبحت هذه النسبة اليوم ٣٠ في المئة.
العتب على تسلط مجلس الشورى على المرأة وقضاياها قد يخف عندما نتذكر أن هذا المجلس لم يوافق بعد على صياغة مناسبة تضع حداً لمن يسعون إلى شق الوحدة الوطنية من منطلقات مذهبية وعرقية. هنا أشير إلى تعطيل التصويت لقانون الوحدة الوطنية والذي بحسب علمي لا زال مركوناً في الأدراج تحت تلك القبة البرلمانية.
فهد الدغيثر- الحياة السعودية-