من المفترض فطريا أن يكون بيت العائلة واحة وكنفا للحب والحنان والأمان والدعم الذي يعين الإنسان على مشاق الحياة، لكن الواقع أن كثيرا من البيوت هي أبعد ما تكون عن المفترض، فهي مليئة بالعنف والبغضاء والقمع والتجبر والطغيان والاستبداد والعضل والأنانية والسيكوباتية ولهذا لا عجب أن أهلها يهربون منها؛ فالزوجة تهرب بالطلاق والخلع رغم قسوة الوصمة الاجتماعية للطلاق وصعوبة إجراءات القضاء الخاصة بالطلاق وحرمانها من حضانة أطفالها، والأبناء يهربون للشارع وصحبة السوء والجريمة والجماعات الإرهابية، فحسب كينث بالين «مسؤول قضائي فدرالي» يعمل بمؤسسة بحثية تقدم دراساتها للرئيس الأمريكي وقضى خمس سنوات بأبحاث ميدانية في الدول التي ينتشر فيها الإرهاب الإسلامي ومنها السعودية وقابل بالسجون أكثر من مائة شخصية متورطة بالإرهاب بحثا عن الأسباب التي تولد القابلية لسلوك طريق الإرهاب، وكان السبب الأبرز الحرمان من الحب وقسوة المعاملة في بيت العائلة، فألف كتابا بعنوان «إرهابيون بالحب، الحياة الواقعية للمتطرفين الإسلاميين». والبنات يهربن لدور الرعاية رغم تعرضهن فيها لسوء المعاملة والسجن، أو يهربن للخارج معتبرات أن الأجانب أرحم بهن من أهاليهن، أو يتنفرن عن الدين لأنه يُزعم أن اضطهادهن هو من الدين، والتعلق بالبيت ومن وما فيه من ذكريات فطرة ولا أحد يهرب من بيت محب داعم، وأذكر مقولة لإحدى ضحايا جحيم البيوت؛ «الناس يشعرون بالأمان عندما يدخلون بيوتهم بينما أنا لا أشعر بالأمان إلا عندما أكون خارجه». ويمكن تصور نوعية الجحيم الذي بتلك البيوت بالنظر لحالات التعذيب التي لا يكاد يمر يوم بدون أن نفجع بقصصها والجاني يبقى طليقا يتابع تعذيبه لبقية الأسرة بلا عقوبة ولا إلزام ببرنامج تأهيل نفسي سلوكي! وبأحسن الأحوال الضحية هي التي تسجن بدار الرعاية، وكثرة الطلاق وتزايد الامتناع عن الزواج سببه أن الثقافة العامة من مسلماتها المفروضة الاعتقاد بدونية وتبعية المرأة وعدم احترام رأيها وإرادتها واعتباراتها وطموحها وعاطفتها وكيانها وإعطاء سلطة دكتاتورية مطلقة للذكر عليها، ولو كان أصغر منها، لدرجة أن يمنعها عن زيارة والديها المحتضرين ويبتزها بالإجراءات الرسمية للولاية «السلطة المطلقة، مفسدة مطلقة»، وليتصور الذكر أنه مكانها، هل يحتمل؟ وحبس النساء بالبيوت ليس تكريما إنما هو بالقرآن عقوبة لاقترافهن الفاحشة، لهذا فالحفاظ على البيوت لا يكون بإجبار الزوجة والأبناء على احتمال معيشة كالجحيم لإرضاء مغتر متجبر، إنما يكون بإعادة صياغة الثقافة العامة والإجراءات الرسمية لتكرس احترام كيان النساء والأبناء وسيادة ثقافة ديموقراطية شورية محبة بالبيوت.
بشرى فيصل السباعي – عكاظ السعودية-