يحقق صدور الأمر السامي الكريم الأيام الماضية بشأن حقوق المرأة نقلة نوعية حيال حماية وإنفاذ تلك الحقوق، وله عدة محاور هامة لتمكين النساء ومراجعات السياسات التنظيمية وفرض تحقيق المصلحة على الصعيد الوطني والدولي.
ويتضح مدى حرص سيدي خادم الحرمين الشريفين والقيادة الرشيدة - حفظهم الله - على رفع أي ضرر أو تعسف تعاني منه المرأة في كافة جوانب حياتها الأسرية والمهنية والاقتصادية والاجتماعية؛ سواء من خلال انتفاعها بالخدمات أو إنهاء الإجراءات التي تخصها أو كفالة حقها في التنقل؛ وصولاً إلى تعريفها بحقوقها وتثقيفها من الجهات المعنية وإيضاح كافة الخدمات المقدمة لها من خلال المواقع الرسمية للجهات الحكومية المختلفة.
لقد جاء هذا الأمر السامي الحكيم مشتملاً على عدة بنود من أولها عدم اعتبار أي قيد إلا ما كان له مستند شرعي أو نظامي، وثانياً التأكيد على الجهات المعنية بضرورة مراجعة الإجراءات المعمول بها لديها ولدى الأجهزة المرتبطة بها بالتعامل مع الطلبات والخدمات المقدمة للمرأة، وحصر جميع الاشتراطات التي تتضمن طلب الحصول على موافقة ولي أمر المرأة لإتمام أي إجراء أو الحصول على أي خدمة مع إيضاح أساسها النظامي والرفع عنها في مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر من تاريخ صدور هذا الأمر السامي. ومعنى ذلك أن أي إجراء خاص بالمرأة يتطلب موافقة الولي دون سند صحيح يعتبر لاغياً بقوةً هذا الأمر السامي الكريم، وهو أعلى سلطة تشريعية لا يجوز لمصدر نظامي أدنى منه معارضته بل وألزم الأمر جميع الجهات إيضاح المستند ومصدره. الأمر الآخر متعلق برفع تلك المستندات النظامية التي تتطلب وجود أو موافقة ولي أمر للمرأة لتمحيصها ومراجعتها. وبالتالي فإن القواعد النظامية المتعلقة بتلك الحقوق سوف تكون خاضعة للمناقشة والتعديل لتصبح أكثر وضوحاً وشفافيةً بموجب أساس ومستند شرعي ونظامي معلن وواضح ويسهل الوصول والاطلاع عليه وفق منظومة قانونية منسجمة مع المبادئ التي أرستها الشريعة الإسلامية والنظام الأساسي للحكم والمواثيق الدولية التي صادقت المملكة عليها بما لا يتعارض مع أحكام الشرع الحنيف.
هذا القرار التاريخي الذي لامس الجوانب المختلفة الخاصة بالمرأة يعد تأكيداً على القاعدة الشرعية بأن الأصل في الأمور «الإباحة» ما لم يوجد نص شرعي أو نظامي يمنع ذلك؛ بعكس ما يعتقده البعض وهماً بأن الأصل في أي إجراء خاص بالمرأة هو التحريم والمنع ما لم يوجد نص يسمح لها بممارسة تلك الحقوق! اليوم ستنتهي هذه الفرضيات الخاطئة بحق المرأة والتي عانت منها وكانت تشكل ضرراً وعائقاً حقيقياً في حياة نساء وبنات الوطن.
وبالتالي فإن هذا التوجه الكريم سوف يقر حقوق المرأة التي أقرتها الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية المصادق عليها ولا تزال تحتاج لإنفاذ وتفعيل. كما أنه بلا شك يُحد من تدخلات بعض المغرضين وأجنداتهم التي تبالغ في استخدام قضايا المرأة السعودية بطريقة تحريضية لإيجاد سلبيات قد تمس السلم الاجتماعي.
إن موقف المملكة العربية السعودية واضح وجلي بحرصها على حقوق الإنسان ومنها حقوق المرأة وذلك بسن الأنظمة التي تكفل ذلك وأيضاً من خلال تصديقها على المواثيق والاتفاقيات الدولية الخاصة بتلك الحقوق في سياق أنظمتها الوطنية شريطة عدم تعارض تلك المواثيق مع أحكام الشريعة الإسلامية. ولن تسمح المملكة أيضاً بمحاولة استغلال تلك التحفظات المتعلقة بعدم مخالفة الشريعة الإسلامية بأن يجعل منها وسيلة لتقويض حقوق الإنسان دون دليل قطعي الدلالة من الكتاب والسنة، حيث إن النظام الأساسي للحكم نص في مادته الأولى أن المملكة العربية السعودية، دولة عربية إسلامية، ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. هذه المنظومة التي أرسى دعائمها ولاة الأمر حفظهم الله تعالى أسست هيئة متخصصة معنية بحقوق الإنسان عنيت بمراجعة جميع الأنظمة لتكفل تلك الحقوق وسوف تستمر بحول الله وقوته من خلال عمل السلطة التنظيمية والتنفيذية جنباً إلى جنب للعمل في مراجعة وتعديل وسن جميع الأنظمة المتعلقة بحقوق المرأة تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين وولي العهد وولي ولي العهد -حفظهم الله.
لذلك حق لنساء وبنات الوطن الاحتفاء بهذه الخطوة المباركة التي ستساهم في حل وإنهاء الكثير من معاناتهن.
بيان محمود زهران- عكاظ السعودية-