حمل الرابع من مايو من هذا العام تباشير الميلاد الجديد لحقبة مختلفة للتعامل مع المرأة في بلادنا. لا أخفي سعادتي بالقرار الملكي الأخير حول تمكين المرأة من قضاء شؤونها بلا ولي فيما لا يستند على نص شرعي.
الحديث هنا عن تنظيم الإجراءات وفرض تطبيقها حفظا لهيبة الدولة وحماية للمرأة من اجتهادات بعض الموظفين والموظفات الذين يطالبون أحيانا بما لم ينص عليه النظام عملا بعرفهم الشخصي أو أعراف مجتمعهم الذي يعتبر المرأة بحاجة لولي في جميع إجراءاتها.
عندما نقلت إلى ابنتي الخبر سألتني (يارا) سؤالا لن يستغربه من يعرفها. لمعت عيناها الذكيتان وهي تسأل «هل تم تحديد سن الرشد للمرأة؟». هنا سكت والتفت لها، وقلت: لم يتم مناقشة هذا الأمر، ولكن الحديث في الشأن بدأ ولن ينتهي بإذن الله إلا بمناقشة كل هذه الأمور العالقة، وهذا ما تريده قيادتنا الحكيمة. تحسستُ جبهتي وأنا أرد عليها لأني أجزم أن في كل أسرة هناك «يارا أو لمى» أو «جود» أو «شهد». فتيات ذكيات وطموحات وفي مقتبل العمر يطرحن أسئلة لم تتجرأ أمهاتهن على طرحها، فماذا أعددنا لهن؟ اعتاد جيلنا سماع العبارة المشهورة «المجتمع ليس جاهزا»، بل وصدقناها إلى حد ما، لكن أسئلة أبنائنا وبناتنا تعني جاهزيتهم والمستقبل لهم وليس لنا. التغيير سنة الله في الأرض، وأدواته في بلادنا الملكية بيد القيادة، أيدها الله، ونحن معها يدا بيد تحقيقا لما قاله ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، لشباب هذا الوطن، بالقيادة والإرادة التي تجمع حزم الشيوخ وعزم الشباب، سنتغلب على كل الصعاب التي تعترض نيل المرأة السعودية كامل حقوق المواطنة، ونخطو باتجاه المستقبل بتفاؤل وأمل.
إن حزمة المخاوف التي يلوح بها مناهضو التمكين تميل للسطحية، خصوصا عندما تفترض ضياع البلاد والعباد في حال تم تمكين المرأة من شؤونها. عندما أقرأ مخاوفهم أتذكر معاناة البريطانيات في مدينة كامبردج للحصول على شهادة من جامعتها العريقة. القصة طويلة لكن باختصار عندما تم السماح للنساء بالدراسة في جامعة كامبردج كانت دراستهن تتم في معهد تابع للجامعة، وليس لكليات الجامعة، كن يدرسن ولكن بلا درجة علمية. أي أن المرأة لا تحصل على وثيقة تخرج مثل الرجل، مع أنها تدرس المقررات نفسها تقريبا وتبذل الجهد ذاته. لم تُكسر هذه القاعدة الظالمة إلا عندما تم منح والدة الملكة شهادة فخرية من جامعة كامبردج! كان حصولها على هذه الشهادة هو البساط السحري الذي انطلقت عليه مطالبات النساء بالحصول على شهادات والانضمام للكليات، وكان لهن ما أردن. الطريف أن بعض طلاب كامبردج آنذاك افتعلوا أحداثا درامية لمنع هذا الحراك. مما قاموا به «مسيرة النعوش» إذ حملوا التوابيت وطافوا بها في مدينة كامبردج للدلالة على موت العلم والتميز في الجامعة، لأنها بدأت بتمكين النساء من الحصول على الشهادات ودخول الكليات بعد أن كن ممنوعات من ذلك. لكن استمرت الحياة في جامعة كامبردج وتخرج فيها العديد من السيدات اللواتي غيرن وجه العالم للوجه الذي نعرفه اليوم. تتكرر سيناريوهات مقاومة الشعوب لتمكين النساء وتمر بمخاض عسير يصوره البعض تحديا بين جبهتين، لكن واقع نساء الأرض وأمهات الأجيال يقول «أنا كالقيامة ذات يومٍ آت».
نادية الشهراني - الوطن السعودية-