مع إيماني التام بضرورة وضع كل حالات ( هروب الفتيات) تحت مشرط البحث الدقيق والمتعمق ، إلا أن اعتبار تلك الحالات كـ ( ظاهرة سعودية خاصة ) هو استنتاج غير دقيق وتجنٍ غير صحيح ، حتى وإن ازدادت وتيرتها في الآونة الأخيرة . لا أقول هذا دفاعاً عن ملائكيتنا ( الموهومة) بل لأن تمرد الفتيات كان ومازال وسيبقى حالة إنسانية طبيعية تحدث في كل المجتمعات لأسباب مختلفة .. وعلى الرغم من أن مجتمعاً محافظاً كالمجتمع السعودي ينظر لكل تلك الحالات بعين الريبة والوجل ، إلا أنه بات يفرق اليوم بين حالات ( الهروب ) الاضطراري بحثاً عن الأمان والنجاة بالنفس ، وهي حالات إنسانية تجد التعاطف والحماية حكومياً وشعبياً ، وبين حالات أخرى تحدث لأسباب وعلل واضطرابات نفسية مختلفة ،وتجد صدى اعلامياً كبيراً للأسف بسبب ندرتها و إثارتها .
· لم أتوقف كثيراً عند الرقم المدون في سجلات وزارة العمل والتنمية الاجتماعية والذي يقول إن ( 67% ) من حالات الهروب في السعودية تعود لفتيات غير سعوديات ، ما لفت نظري حقيقة هو أن المراهقات تصدّرن نسبة الهاربات بـ 65%، تلتهن الفتيات المُعنَّفات بـ35%
، وهي أرقام لها دلالاتها القوية على المستوى التربوي ، فإذا ما استثنينا الحالات التي تضطر للهروب من المنازل هرباً من التحرش أو العنف فإن معظم حالات الهروب الأخرى تكون بسبب التفكك الأسري ، والإهمال ، وفقدان رعاية الوالدين ، وتخلي بعض الآباء وأولياء الأمور عن أدوارهم ، بالإضافة الى تنامي قضايا الطلاق والمخدرات وعدم اعتناء الآباء والأمهات بالتنشئة الأسرية السليمة، ناهيك عن غياب الرقابة المنزلية، وسقوط المراهقات في حبائل المتلاعبين، بالإضافة الى ضعف الدور التربوي للمدرسة .
· لاشك أن هناك الكثير من سياط الظلم الاجتماعي التي قد تقع على الفتيات لمجرد أنهن فتيات ، وهذا الأمر ربما يجعل بعضهن أكثر استجابة لأصدقاء وصديقات السوء، خصوصاً في عصر التواصل وعولمة الجريمة ، مما يدفعهن للتفكير بالهروب خارج حدود الوطن بحثاً عن حياة أكثر انفتاحاً ، وقد كشفت إحدى الدراسات عن وجود شبكات منظمة في بلدان عربية وغير عربية ، تستغل هروب الفتيات باستدراجهن إلى أعمال غير أخلاقية ، ويتم ذلك من خلال أصدقاء وصديقات وهميين على شبكات التواصل الاجتماعي في تلك البلدان، يزينون لهن الهرب ويعِدُونهن بحياة مختلفة وعصرية ، فتجبر بعض الفتيات عائلتها على زيارة تلك البلدان بحجة الاستجمام ، وعند الوصول تهرب مع أصدقائها الذين يؤونها لأيام تكتشف بعدها أنها قد وقعت في فخ شبكة غير أخلاقية تتاجر بها .
·المجتمع السعودي يشهد تغيّرات وتحولات كثيرة وخطيرة على مستوى المفاهيم والأفكار والأنماط الحياتية وهي أكبر وأعقد بكثير من عقول معظم المراهقين .. الأمر الذي يتطلب من الآباء، ومن جميع الجهات ذات العلاقة عملاً أكبر لتوفير الحماية النفسية والفكرية والاجتماعية لأبنائنا ، قبل أن يصبح الهروب بينهم سنة لا غرابة فيها .
محمد البلادي- المدينة السعودية-