واشنطن بوست-
اعتبرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية أن المملكة العربية السعودية «خسرت كثيرًا بعد القبض على فتاة التنورة القصيرة»، والتي أثار مقطع تجولها في أحد الأماكن الأثرية السعودية بملابس قصيرة، ضجة وجدل واسع على الشبكات الاجتماعية.
وقالت الصحيفة الأمريكية، في تقرير لها الخميس 20 يوليو/تموز، إنه «على مدار السنوات القليلة الماضية، أنفقت السعودية ملايين الدولارات في محاولةٍ لإعادة تشكيل صورتها على الساحة الدولية. وتعاقدت مع شركات رائدة بالولايات المتحدة في مجال العلاقات العامة وحشد التأييد لدعم صورتها لدى واشنطن».
وأثارت الفتاة السعودية «خلود اليافعي» الجدل بسلسلة مقاطع فيديو نشرتها على حسابها بسناب شات، بعدما ظهرت وهي تتجول بـ«ملابس مخالفة للعادات والتقاليد السعودية» كما وصفها البعض، في منطقة أشيقر شمال شرقي العاصمة الرياض، قبل أن تلقي السلطات القبض عليها.
واستنكرت الصحيفة الأمريكية تلك الخطوة، متسائلة: «ما هي غاية السعودية من كل ذلك؟ فلدى المملكة خطة طموحة لإصلاح اقتصادها بشكل كبير، وفي سبيل ذلك فإنها بحاجة للمستثمرين الغربيين. وتريد المملكة أيضًا إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط لصالحها، من خلال كبح جماح النفوذ الإيراني وعزل الدول المحايدة مثل قطر».
موضحة: «ومع ذلك، لا تزال هناك مشكلة فيما يتعلق بسمعة السعودية، فقد ارتبطت هذه السمعة منذ فترة طويلة بالتطرُّف الديني ولاحقتها اتهامات بتمويل الإرهاب. وبفرض قيود شديدة على المرأة».
ويتزامن هذا كله، مع تداول عدد من التقارير الخطيرة التي تزعم أنَّ التعديلات الأخيرة في القيادة السعودية كانت أكثر توترًاً بكثير مما بدت عليه.
وتلفت «واشنطن بوست» أنه طبقًا للقوانين السعودية، يُعد ارتداء هذا النوع من الملابس في الأماكن العامة من «المُحرَّمات». وتفرض الرياض، قانونيًا، على النساء تغطية أنفسهن في الأماكن العامة من خلال ارتداء عباءة فضفاضة. وترتدي معظم النساء السعوديات أيضًا نوعًا من الحجاب والنقاب.
وعلى الرغم من أن ملابس الفتاة في الفيديو قد تكون مألوفة وغير مُستهجنة بهذا القدر في أماكن كثيرة في الشرق الأوسط، أو حتى بعض الأماكن الاستثنائية في السعودية نفسها، فإنه سرعان ما أثار الفيديو رد فعل عنيف بين مستخدمي وسائل الإعلام الاجتماعية السعودية، بحسب «واشنطن بوست».
حيث انتشرت العديد من الأوسمة عبر تويتر وفيسبوك، التي تم المطالبة من خلالها بإلقاء القبض على الفتاة، وسط تأييد سعوديين بارزين لمثل هذه الخطوة. وقال الكاتب السعودي «إبراهيم المنيف»، عبر حسابه على تويتر: «يجب على الناس أيضًا احترام قوانين هذا البلد، تمامًا كما ندعو الناس إلى احترام قوانين البلدان التي يسافرون إليها».
كما أعلن التلفزيون الرسمي يوم الثلاثاء 18 يوليو/تموز الجاري، أن «الشرطة في الرياض اعتقلت الفتاة التي ظهرت بملابس غير محتشمة وأُحيلت القضية إلى النيابة».
إلا أن مركز الاتصالات الدولية في السعودية، أصدر الأربعاء 19 يوليو/تموز، بياناً قال فيه إنَّ الفتاة قد أُفرج عنها بعد ساعات قليلة من استجوابها. وذكر البيان أيضًا أنها لن تواجه أي اتهامات وأن القضية أغلقت.
وبحسب «واشنطن بوست»، فإن هذا البيان لم يوقف الضجة الدولية. وكانت ردود فعل مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء العالم غاضبة تجاه أخبار القبض على الفتاة؛ إذ قارن البعض الفتاة السعودية مبـ«روزا باركس» ناشطة الحقوق المدنية الأميركية، ولاحظ آخرون أن السعودية لم يقع عليها الاختيار إلا مؤخرًا لعضوية لجنة تابعة للأمم المتحدة التي تهدف إلى تعزيز حقوق المرأة.
وكان هذا الجدل بمثابة تذكير آخر بالقيود المفروضة على المرأة في المجتمع السعودي، ففضلاً عن القواعد المتعلقة بما يجب عليهن ارتداؤه، يتعين على النساء السعوديات الحصول على إذن من «ولي الأمر» للعمل أو السفر، بجانب منعهن من الحصول على تراخيص قيادة السيارات. وفي التصنيف العالمي لمؤشر الفجوة بين الجنسين في المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2016، جاءت المملكة العربية السعودية بالمرتبة الـ141 من بين 144 دولة مدرجة في القائمة.
رؤية 2030
ويلمح القادة السعوديون منذ فترة طويلة إلى الإصلاح. وتتضمن خطة طموحة لإعادة تصور الاقتصاد السعودي، المعروفة باسم «رؤية 2030»، مقترحات لزيادة عدد النساء العاملات والجامعيات.
يُذكر أنَّ ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان»، البالغ من العمر 31 عامًا، الذي يقود هذه الخطط، ويُنتظر أن يكون ملك السعودية في وقتٍ قريب، أشار إلى أنه مُرحَّبٌ بقيادة النساء للسيارات، رغم أن لديه شكوكاً بشأن استعداد البلاد لهذا الأمر.
وقالت «سارة ليا واتسون»، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة «هيومان رايتس ووتش»، إن الأحداث التي وقعت هذا الأسبوع تلقي ظلالاً من الشك على هذه المقترحات، وإن «خطط السعودية المزعومة لإعادة تشكيل المجتمع والنهوض بحقوق المرأة لن تنجح أبداً طالما تلاحق السلطات النساء بسبب الزي».
ويتعارض الموقف مع حملة السعودية ضد قطر. وأشار «خوان كول»، أستاذ التاريخ بجامعة «ميشيغان» الأميركية والمعلق البارز على شؤون الشرق الأوسط، في مدونته أنَّ اللباس الصارم للمرأة السعودية «يبدو نفاقا»؛ لأن المملكة تدعي أنَّها تكافح التطرف. وكتب «كول» يوم الأربعاء، قائلا: «تقود السعودية حملة دعائية تتهم فيها قطر بدعم التطرف في الشرق الأوسط، لكنها اعتقلت عارضة أزياء شابة تُسمى خلود؛ لتجولها في موقع تاريخي في نجد وهي ترتدي قميصًا قصيرًا وتنورة».
ولم تتاوفر تفاصيل حول ما حدث للفتاة في الفيديو وسبب إطلاق سراحها. ويُعد النظام القانوني السعودي غامضًا، فلم تستجب السفارة السعودية في واشنطن ومركز الاتصالات الدولية السعودي لطلبات بشأن الحصول على مزيد من المعلومات. وفي الماضي، انخرط القادة السياسيون السعوديون في قضايا قانونية عويصة ومثيرة للجدل، بحسب الصحيفة الأميركية.
وأثار اعتقال الفتاة استياء العديد من السعوديين؛ فعلى الشبكات الاجتماعية، تحدَّث العديد من المستخدمين في المملكة أن القواعد المتعلقة بملابس النساء غالبًا لا تتبعها السعوديات عندما يذهبن للخارج، وكذلك الأمر بالنسبة للأجنبيات اللاتي يزرن المملكة. وقامت سعوديةٌ بنشر صورة تهكمية على موقع تويتر، وضعت فيها وجه إيفانكا ترامب مكان وجه الفتاة وعلقت قائلة: «خلاص يا جماعة، انحل الموضوع»، في إشارة إلى أن «إيفانكا» لم ترتد العباءة عندما زارت المملكة، ولم تثر هذا القدر من الجدل.