عزة السبيعي- الوطن السعودية-
أعرف أنها مفاجأة صعب تصنيفها، أن تستيقظي صباحا وتكتشفي أنك حرة، على طاولتك اليسرى صك طلاق، قضيتِ الليل تتأملينه مبتسمة، استوقفك خطه الجميل والصغير جدا، ولمع وسطه اسمك بطريقة ما، ذكّرتكِ باسمك في شهادة التفوق الأولى في حياتك في صفك الأول المخبأة في درج أمك، والتي تخرجه كل سنة تمرين بها لتذكّرك بقيمتك التي تظنها، وربما لتسمع تأوهك وحشرجة ألف سؤال داخلك، أهمها: لماذا لم تفعلي شيئا عندما قلت لك إنني خائفة تلك الليلة، عندما اكتشفت أن الفستان الأبيض والطرحة ليسا كل شيء، وأن هناك جانبا مظلما من الحكاية ستتركينني فيه وترحلي؟!.
حسنا، أمهاتنا كلهن يكرهن الإجابات، إنهن يقلن عادة «انظري في جيب ثوبك واصمتي» بطريقة أخرى، تذكري أنك أنثى أُعدت للزواج والإنجاب، ولا توجد مساحات عمرية لتعيشيها ككائن حي، حتى المراهقة يجب إلغاؤها لاستغلال فترتها، لتصبحي أما لطفل سيعترف بالجدات والأمهات، وربما قبلك على مضض إذا غبن.
أعرف أنك تتساءلين: هل رأى صغيرك حقيقتك وعرف أنك طفلة مثله؟، هل هو الوحيد الذي شعر بأنه حتى لو أنجبه جسدك فروحك المراهقة صعب أن تكون جاهزة لتكون أما له؟، فطعنك في الصميم وهو يختار حضن أمك للمبيت ويضحك الجميع إلا أنت؟!
بفرح عميق والقليل من الحزن، تتأملين خبرا عن زواج الصغيرات، وسن قوانين لحماية المراهقات من الزواج، وتفكرين في آلاف الضحايا اللواتي اُنتُهكت براءتهن بذرائع تنسب إلى الدين كذبا وبهتانا. كم مرة كرهتِ أولئك الذين يخلطون الأوراق، ويحاولون إقناعك أن الله يريد عذابك وحزنك، ويهددونك عندما ترغبين في التصحيح، أن الله لن يجعلك تشمين رائحة الجنة، كأنما جحيم الحياة مع رجل انتهك براءتك طفلة ليس جحيما كافيا تتخلصين به من كل ذنوبك في الدنيا. ذات يوم، سمعت رجلا يقول: إنهم لا يستأذنوننا في قراراتهم، فلماذا نترك لهم تحديد خياراتنا؟، وعرفت فقط أن خيارك للحياة هو هذا الصك الزاهي باسمك! تتأملينه مرة أخرى كأنه مفتوح للحياة وتبتسمين! هناك دائما فرصة لاقتناص الحياة وإعادتها إلى مسارها، هذا الصك أول سهامك الصائبة، وأول إشراقات الحياة التي تختارينها، وأول الاعتذارات لعمر لم تعيشيه، تقولين ذلك لنفسك بصوت عال هذه المرة.