مجتمع » شؤون المرأة

قيادة المرأة.. بن سلمان يهدد العقد الاجتماعي في السعودية

في 2017/10/02

هاف بوست-

يثير رفع الحظر السعودي على القيادة النسائية للسيارات مجموعة من الأسئلة التي تتجاوز قضية حقوق المرأة وتذهب إلى صميم مكانة علماء الدين في المملكة والمعارضة المحافظة لإصلاحات ولي العهد، الأمير «محمد بن سلمان»، الاقتصادية والاجتماعية.

وليس هناك شك في أن تأييد العلماء لرفع الحظر يعد الموقف الأحدث من بين المواقف التي فرض فيها الأمير «محمد» إرادته على العلماء الذين عارضوا تحرير القيود الدينية والاجتماعية والخروج من تعاليم الشيخ «محمد بن عبد الوهاب»، فضلا عن الثقافة البدوية.

وإمعانا في الإهانة، صوت مجلس الشورى السعودي، بعد أيام من رفع الحظر، لصالح السماح للنساء بإصدار الفتاوى الدينية لأول مرة، والتي كانت منذ فترة طويلة مقصورة على علماء الدين الرجال.

وقد استفاد علماء الدين الإسلاميون من اتفاق تقاسم السلطة المبرم ضمنيا بين عائلة آل سعود الحاكمة وأتباع «ابن عبد الوهاب»، الذي يعود إلى تأسيس المملكة العربية السعودية الحديثة، حيث تمتع العديد منهم بوضعية المشاهير على وسائل التواصل الاجتماعي، وقد استمدوا من ذلك قدرتهم على فرض معايير متحفظة للغاية، بما في ذلك حظر قيادة المرأة.

ومن غير المرجح أن العلماء الذين كانوا دائما يصرون على أن النساء يفتقرن إلى العقل للقيادة وأن القيادة ستضر مبايضهن وتحرمهن من عذريتهن وعفتهن، قد اقتنعوا بشكل مفاجئ بأن معتقداتهم التي استمرت لعقود كانت خاطئة، حتى لو كانت هذه المعتقدات لا أساس لها في الدين.

وقد عبر الأمير «محمد» قبل عام من رفع الحظر عن نواياه قائلا إنه «إذا سمح للنساء بركوب الجمال (وقت النبي محمد)، ربما يجب أن ندعهن يقدن السيارات، فهي المقابل الحديث للإبل».

وتعليقا على رفع الحظر، قالت الباحثة «هيفاء جواد» إن «أكبر الخاسرين هم بلا شك علماء الدين السعوديين، حيث سيشكك ملايين المسلمين في المملكة وخارجها الآن في شرعية هؤلاء العلماء».

وقد حذر مفتي السعودية، الذي يؤيد الآن رفع حظر قيادة المرأة، الشيخ «عبد العزيز آل الشيخ»، في يناير/كانون الثاني الماضي، من الحفلات الفنية ودور السينما، مؤكدا أنها ضارة وتنشر الفجور. وادعى الشيخ «عبد الله المطلق»، عضو مجلس كبار العلماء أن غالبية السعوديين يعارضون الحفلات الموسيقية.

واستهدف علماء آخرون الفنانين، بدلا من مهاجمة سلطة الترفيه التي أنشأها الأمير «محمد».

وفي هذه المرة، أكد ولي العهد على أن رجال الدين الذين يعارضون سياساته سيواجهون تعاملا قاسيا من خلال اعتقال العشرات من العلماء والقضاة والمفكرين، الذين يظهرون آراء معارضة، بين محافظين وليبراليين. وكان من بين العلماء المعتقلين «سلمان العودة» و«عائض القرني» و«علي العمري» والشاعر «زياد بن نحيت» والاقتصادي «عصام الزامل»، ويتابع بعضهم أكثر من 17 مليون على تويتر.

وتهدف هذه الاعتقالات أيضا إلى إسكات أي دعم داخل المملكة لإنهاء أزمة الخليج التي دامت 4 أشهر تقريبا، والتي قادتها السعودية وحلفاؤها ضد قطر، مع تزايد الانتقادات لسلوك المملكة في اليمن المنكوبة.

وفقدت السعودية هذا الأسبوع معركتها لمنع بدء تحقيق مستقل من جانب الأمم المتحدة في انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، من قبل كل من المملكة والمتمردين الحوثيين.

القليل من الدعم

وقد ذكرت «الإيكونوميست» إنه «من الصعب تصور نجاح محمد بن سلمان في خططه الطموحة بموجب مرسوم ملكي. إنه يحتاج إلى الحصول على مزيد من الدعم الشعبي والنخبوي. ومن أجل الحصول عليه، يجب عليه أن يتعلم التسامح مع النقاش والاختلاف».

ومن المحتمل أن تؤدي عمليات الاعتقال إلى نتائج عكسية. حيث من المرجح أن تتأكد مصداقية أولئك الذين يقفون وراء القضبان، في حين قد يفقد أولئك الذين عادوا خطوة للتماشي مع النظام شعبيتهم، وقد يجدون صعوبة متزايدة لتبرير التراجع عن الآراء المحافظة أمام المجتمع السعودي.

ولضمان دعم الشباب السعودي لاستمراره في الإصلاحات، والذين يشكلون أكثر من نصف السكان، ويقفون معه ضد المعارضة، على الأمير «محمد» أن يبدأ في الوفاء بالوعود. ولا يكفي أن يدعم رفع الحظر المفروض على القيادة وعشرات الفعاليات الترفيهية الجوانب الاجتماعية، ولكن لا يزال من المهم أيضا تحقيق الإنجاز في الوظائف والفرص والمسارات الوظيفية للشباب السعودي.

لكن ما أسهل الكلام عن الفعل، حيث يكلف ذلك قيام الأمير، من جانب واحد، بإعادة كتابة العقد الاجتماعي للمملكة، الذي يعد بدولة من الرفاهية مقابل قبول السعوديين بالتخلي عن الحقوق السياسية وقبول القوانين الأخلاقية والاجتماعية المحافظة للغاية.

وقد اضطر الأمير «محمد» إلى إعادة الإمتيازات التي ألغيت كجزء من برنامج التقشف، بعد غضب الشارع من ارتفاع الأسعار، وخاصة أسعار المرافق.

وتعتمد آمال ولي العهد على تقييم شركة أرامكو الوطنية للنفط بقيمة 2 تريليون دولار قبل بيع حصة 5% منها عبر الاكتتاب العام الأولي المتوقع العام المقبل. وكان قد تم التشكيك في هذه القيمة من قبل المستثمرين المحتملين، الذين يضعون أسئلة حول القيمة الواقعية لعملاق النفط وتقديرات احتياطيات المملكة النفطية وسجل الأمن.

ومما يضاعف مشاكل الأمير مسألة ما إذا كانت المؤسسة الدينية المحافظة سترى أن تكلفة الصمت أمام الإصلاحات أو دعمها قد يكون أقل تكلفة من الوقوف ضدها. ويمكن أن يتأثر هذا القرار بقدرة العلماء على إقامة تحالفات مع أفراد الأسرة الحاكمة الذين يقال إنهم يعارضون الأمير.

وبالمثل، سيعتمد الكثير على الدرجة التي يكون بها الأمير «محمد» على قدر التوقعات التي أثارها بين شريحة هامة من الشباب السعودي، الذي يطمح إلى وظائف ذات مسارات مهنية راقية ودرجة من التحرر الاجتماعي.

وعلى الرغم من تزايد فرص الترفيه ورفع الحظر على القيادة، إلا أن الأمير «محمد» لم يتمكن بعد من السيطرة على الفجوة بين التوقعات غير الواقعية والإطار الزمني الذي قد يتمكن من خلاله من تحقيق الجوانب الاقتصادية الرئيسية في برنامجه الإصلاحي، رؤية 2030.

وقال الباحث السعودي «عبد الله ليلي»، في مقابلة أجريت معه العام الماضي: «تتمحور المسألة حول الطريقة التي يتصور بها السعوديون التغيير». وشبه رؤية 2030 بالريح في مثل سعودي يقول: «الباب الذي قد يجلب لك الريح، أغلقه واسترح».

ومن وجهة نظر السيد «ليلي»: «لا يؤمن الناس بالتغيير .. وليس لدى الحكومة خطة لبيع رؤية 2030». وبالإضافة إلى ذلك، فقد تمت صياغتها من قبل الأجانب. وكل هذه عوامل مهمة. وقال «ليلي» إن تطبيق الإصلاحات على الأرض لن يكون سهلا.