مجتمع » شؤون المرأة

أو لا أقود... تلك هي القضية!

في 2017/10/04

نبيلة حسني محجوب- المدينة السعودية-
قضية قيادة المرأة للسيارة أشبعت نقدًا وتبريرًا، طرحًا وتحليلًا، قبل وبعد أن أصبحت حقًا تمارسه السعوديات، إلا أني لم أتمكن من تجاوز الأمر وتناول قضية أخرى أو موضوعًا آخر، ربما لأن القرار جاء مفاجئًا ومبهجًا، فأصبح هو القضية التي تناقش في المنزل، والشارع، والعمل وعلى طاولة الطعام، وفي المطار والطائرة، ووسائل الإعلام بتنوعها، فأصبحتُ مشبعة بالقضية، وما يثلج الصدر أن غالبية النقاشات إيجابية، تعبّر عن تقبل المجتمع وسعادته بالأمر السامي الكريم يوم الثلاثاء 26 سبتمبر 2017م المتضمِّن (السماح للمرأة بقيادة المركبة.. والتنفيذ شوال المقبل). الأمر السامي أشار إلى السلبيات التي ترتب عليها عدم السماح للمرأة بالسياقة، وهذا يؤكد تلمس القيادة حاجات ومعاناة أفراد المجتمع، وأن الإيجابيات المتوخاة من السماح بالسياقة أعظم من المخاوف التي أدت إلى المنع طوال تلك السنوات، فما رآه أغلبية أعضاء هيئة كبار العلماء بشأن سياقة المرأة من حيث الأصل فيه الإباحة -حسب ما ورد في الأمر السامي- هو هذا مربط الفرس، أو الجزء المرتبط بالشريعة الذي يمثلها الدستور العام للمملكة العربية السعودية.

سياقة المرأة في ظل الضمانات الشرعية والنظامية اللازمة لتلافي تلك الذرائع التي تقبع في نطاق الاحتمال المشكوك فيه، أي أن الأمر الحقيقي هو الإباحة والسماح للمرأة بدخول هذا الاختبار المجتمعي والأمني، وهي على ثقة بأنها تستطيع النجاح كما نجحت في التعليم، حتى برنامج الابتعاث لم يفرق بين شاب وفتاة، بل أعطى الفرصة لكل متميز ومتميزة، لم يكن إجبارًا بل خيارًا خاصًا بالأسرة وما يوافق طموحها ورغباتها.

اعتماد تطبيق أحكام نظام المرور ولائحته التنفيذية بما فيها إصدار رخص القيادة للذكور والإناث على حد سواء، يؤكد أن أنظمة الدولة منذ تأسيسها لم تفرق بين ذكر وأنثى، وأن أي بند ينص على حق المواطن فهو يعني المواطنة أيضًا دون تفرقة ودون تمييز، شأن لائحة المجالس البلدية، والأندية الأدبية، وجمعيات الثقافة والفنون، والمؤسسات الحكومية.

قضية «سياقة السعوديات» من القضايا الشائكة التي لم يكن يمكن التنبؤ بموعد صدور قرارها، لذلك كانت تمثل حلمًا من الأحلام المؤرقة لشريحة كبيرة من النساء العاملات وغير العاملات، لصعوبات مادية وأخرى تكمن في الأنظمة التي تمنع المرأة من حق الحصول على تأشيرة سائق أو خادمة، إلا إذا كانت مطلقة أو أرملة، من يحصي كم امرأة عاملة ومعيلة لا ينطبق عليها أي من الشرطين!

جاء الفرج في الأمر السامي وما تلاه من قرارات، تمهد لتنفيذ القرار كقانون التحرش الذي راوح مكانه في كل دورة من دورات مجلس الشورى ننتظر هذا القانون الذي يحمي المجتمع قبل المرأة من المستهترين والفوضويين والمعيقين لخطوات التقدم، إلا أن هناك من يكبت ظهوره ويكتم أنفاسه قبل أن يرى النور.

إذن أنظمة الدولة مبنيَّة على التشاركية، لكنها استخدمت بذهنية ذكورية أقصت النساء، حتى صدر الأمر السامي الكريم من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بتطبيق النظام، فأحدث هذا الهياج المبهج داخل الوطن وخارجه، حتى الجدل بين المواطنين، سواء داخل الأسرة أو خارجها، يؤدي إلى الوصول بالجميع إلى نوع من الفهم المشترك للحاجات والحقوق، لذلك تمثل فترة تنفيذ القرار وهي عشرة أشهر «10 /10 /1439هـ» ترسيخًا للفكرة داخل الذهنيات المترددة أو المتخوفة، أما بالنسبة للذهنيات الرافضة فهي ستظل على موقفها لأنها أغمضت عينيها وصمّت أذنيها عن رؤية الحقيقة الواضحة وضوح الشمس، لها حق الاختيار إما أن تقود أو لا تقود!

الإحساس بحرية الاختيار هو مصدر البهجة العارمة التي عمت الجميع، في الداخل والخارج، وأصبحت سياقة السعوديات واقعًا بعد أن كانت حلمًا بعيد المنال، كما أن هذه الفترة بين القرار والتنفيذ، فرصة جيدة لاستيعاب الوضع وتهيئة البنية التحتية وحصول النساء على رخص القيادة، مع أن كثيرات لديهن رخص قيادة من دول مختلفة إلا أن سعادتهن وفخرهن يترقبان الحصول على رخص وطنية، ربما معظمهن لم يقدن في البداية، ربما حرجًا أو خوفًا، لكن المهم أنهن يتمتعن بهذا الحق وبعد ذلك أقود أو لا أقود ليست تلك القضية، إنما القضية كانت في إقرار هذا الحق والحرية.