مشاري الشلهوب- الوطن السعودية-
عدد ليس بالقليل منا كان يرى أن قيادة المرأة عيب، وسن نظام التحرش ذريعة للفاحشة، والسينما مرفوضة لما قد يظهر فيها من مشاهد. سنوات طويلة ناقشنا فيها قيادة المرأة، ونظام التحرش، ودور السينما؛ فالبعض منا نافح، والآخر منا جادل، والجاهل منا قذف حتى فصل ولي الأمر فيها، بقرارات تاريخية جريئة، وحكيمة تبشر بعهد جديد، وتخرجنا من «الدوامة التي كنا فيها طوال الـثلاثين سنة الماضية، والتي سببت التطرف، والإرهاب، لقد ولى زمان تلك الحقبة».
يا ترى ما هي القضايا - مطروحة كانت أم مستقبلية - التي قد تأخذ منا سنوات طويلة من المداولة، والمجادلة، والقذف الذي يتشبث به البعض بعد أن تم إقرار قيادة المرأة، وتوجيه الملك -حفظه الله- بإعداد مشروع نظام التحرش، واقتراب موعد فتح دور للسينما؟ قبل التنبؤ بالقضايا، يجب أن أبين نقطة مهمة، وهي أن إرادة المجتمع هي من تمهد الطريق للسلطة في إقرار ما يطمح له الشارع، وتلبية ما يسمو إليه المواطن، ولا شك أن قيادتنا الرشيدة على علم باحتياجات المجتمع، وتطلعاته، وتعي جيداً رغبة الغالبية المتعلمة، بإقرار ما تم إقراره، وإعداد ما تم التوجيه به، وتنفيذ ما تم الإعلان عنه، والمصلحة العامة تقدم على كل اعتبار.
أما عن القضايا، فإلغاء هيئة الأمر بالمعروف أو ضمها لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، وعدم إغلاق المحلات التجارية خلال وقت الصلاة، وعدم مصادرة الحق في كشف الوجه من عدمه، كما هو الحق في إسدال اللحية من عدمها، وعدم الفصل بين النساء والرجال في مكان العمل، وإزالة يافطة «العوائل» و«الأفراد» عن المطاعم، والمقاهي، ووجود مناطق سياحية ساحلية لها سمات خاصة تسمح للسياح فيها بالتمتع بها دون تضييق، ووفق أنظمة محددة، وحذف مصطلح اختلاط الجنسين -من غير خلوة- من القاموس الإسلامي، وسن نظام ضد التمييز العنصري، وإقرار تعلم مادة الموسيقى في المدارس، وتقنين القضاء، وما ذكرت ليس تأييداً مني لكل المواضيع المذكورة، وإنما هو تنبؤ بأنها قد تأخذ مساحة كبيرة من المداولة، وربما سنوات طويلة من النقاش.
هذه ليست دعوة للانفتاح، وإنما هي دعوة للتفكر، فكثير من الخطوط الحمراء التي كنا نظنها حمراء، ظهرت اليوم بلونها الحقيقي الأخضر، فمن كان منا في عهد قريب يرفض كل هذه التغييرات أصبح اليوم يتغنى بها، ويُذّكر بحاجتنا لها، ولا أريد التذكير بما مضى من خطوط كان يُظن حينما طرحت أنها حمراء، فتجلت بعد ذلك بلونها الحقيقي الأخضر.
كما أنها ليست دعوة للقلق من المستقبل فالقادم أفضل، وليست دعوة لمصادمة من قد لا يؤيدون هذه التنبؤات أو البعض منها، فمن قدن السيارات في العاصمة قبل ربع قرن تقريباً تعرضن من البعض للقذف، والتشهير، والتضييق، ولا يتجرأ أحد اليوم التعرض لهن.
هذه دعوة للتمني بألا نضيع سنوات قادمة في المنافحة، والمجادلة، والقذف الذي قد يتجرأ عليه البعض، بسبب قضايا يظن أنها قطعية، ولا تحتمل النقاش، مما قد يدخلنا في دوامة أخرى لثلاثين سنة قادمة.