سعيد السريحي- عكاظ السعودية-
لست أعرف ما سيؤول إليه أمر تلك الفتاة التي رفض والدها استلامها عندما أنهت عقوبتها من سجن وجلد في قضية أخلاقية، ومن المتوقع أن تتولى لجنة مساعدة السجناء والمفرج عنهم رعايتها ومد يد العون لها، غير أن ذلك كله لا يجعلها في مأمن من الخطر بعد أن أعلن والدها أنه سوف يقتلها فور إطلاق سراحها، مطالبا القاضي بحبسها مدى الحياة.
وقد حاول القاضي بحكمة أن يهدئ من غضب وروع ذلك الأب الذي فجع بابنته مذكرا إياه بأن الله غفور رحيم يقبل توبة عباده، وأن عليه أن يحاول احتواء فلذة كبده، فرفضه لها ليس حلاً وهو مسؤول عنها أمام الله.
غير أن الحكمة والنصح في مثل هذه المواقف لا تكفيان، إذ لا بد من الحزم والعزم الكفيلين بحماية تلك الفتاة من جور والدها واحتمال تعرضها للقتل على يده ما دام قد صرح بعزمه على فعل ذلك.
كان على القاضي أن يوضح له أنه لا يملك الحكم عليها بغير ما حكم عليها به القاضي، وأنه حين يطالب بحبسها مدى الحياة فإنه ينصب نفسه قاضيا ويحكم بغير ما أنزل الله، بعد أن كان القاضي، وهو أعلم بالعقوبات الشرعية، قد حكم عليها، وبعد أن قضت عقوبة ما تم الحكم عليها به، وكان على القاضي أن ينبهه إلى أنه يرتكب جريمة قتل وإزهاق للنفس المحرمة لو أقدم على قتل ابنته، وأن كونه أباها لا يعفيه من عقوبة ارتكاب ذلك الجرم.
ولربما يكون القاضي قد أوضح له ذلك كله ولم يرد في تفاصيل التقرير، الذي نشرته «عكاظ» يوم أمس، ولكن المسألة لا ينبغي أن تتوقف عند هذا الحد، ذلك أن على الجهات الأمنية أن تدرك أنها أمام فتاة مهددة بالقتل، وأن واجب تلك الجهات يفرض توفير الحماية لها من احتمال غدر والدها بها وتنفيذه لتهديده بقتلها فور إطلاق سراحها.
ثمة حوادث سبقت راح ضحيتها فتيات تعرضن لنفس التهديد، ولذلك كله فإن ما قاله القاضي لوالد تلك الفتاة من أنه مسؤول عنها أمام الله ينطبق على الجميع، فالقاضي مسؤول عن حياتها أمام الله، والجهات الأمنية مسؤولة عنها أمام الله كذلك.