الخليج الجديد-
مشكلة ربما هي الأكبر تواجهها الخليجيات المتزوجات من أجانب، حالة من التوتر الدائم تعيشها أمهات خليجيات مع شعورهن بإمكانية مفارقة أبنائهن في أي لحظة، بسبب تعنت القوانين ورفض إعطاء الجنسية لأبنائهن من زوج أجنبي.
«أبناء المواطنات» ملف شائك مسكوت عنه في أغلب دول الخليج، ربما باستثناء الإمارات التي أقرت منح الجنسية لأبناء المواطنات ونفذت بالفعل القانون على أرض الواقع.
ويعد هذا الملف دليلا واضحا على التمييز في دول الخليج ضد المرأة، ففي حين يحصل أبناء المواطن الخليجي من أجنبية بمنتهى السهولة على جنسية الأب، يحرم أبناء المواطنات المتزوجات من أجنبي من الأمر ذاته، بالرغم من أن الكثيرين منهم لم يعرفوا لهم وطنا غير وطن الأم، وبالرغم من أن دستور أغلب هذه الدول أقر المساواة بين المواطنين والمواطنات في الحقوق والحريات.
بعض الدول الخليجية لجأت لحلول جزئية، كالإقامة الدائمة لأبناء القطريات، وإمكانية كفالة المرأة السعودية لزوجها وأبنائها، وكذلك كفالة البحرينية لأبنائها وزوجها، لكن الحلول الجزئية هذه لا تمثل حلا جذريا للمشكلة.
أبناء السعوديات
ففي السعودية مثلا، يعامل أبناء السعوديات كالأجانب فلا يحق لوالدته توكيله عنها، ويصنفون على أنهم «عمالة وافدة» كما يخضعون لقوانين الإقامة الخاصة بالأجانب، ولا يحق له التملك في المملكة أو حتى أن يرث عقارا كان مملوكا لوالدته.
ورغم تقديم أعضاء في الشورى السعودي مقترحا لتعديل نظام الجنسية ومنح أبناء السعوديات جنسية والدتهم، لكن الأمر قوبل بالرفض حتى على صفحات التواصل الاجتماعي، حيث أعرب مغردون عن خوفهم من تغير التركيبة السكانية للمملكة بعد إعطاء أبناء السعوديات الذين يزيد عددهم على المليوني شخص، بحسب إحصاءات غير رسمية، جنسية المملكة، كما أعربوا عن خشيتهم من مزاحمتهم في سوق العمل الذي يشهد بالفعل نسبة بطالة ليست بالقليلة.
وفي حين تسمح المملكة لأبناء السعودية المتزوجة من غير سعودي أن يتقدموا بطلب للحصول على الجنسية السعودية إذا ما بلغوا سن الـ18 بالنسبة للذكور وفي صورة الزواج من سعودي بالنسبة للإناث، لكن الشروط التي وضعتها المملكة لهذا الأمر وصفت بالتعجيزية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نقلت «دويتشه فيلله» الألمانية عن «مازن العبدالله» وهو ابن لمواطنة سعودية من زوج يمني، وصفه لهذه الشروط «بالمعضلة» ويرى «مازن» في الشروط الموضوعة تعجيزا لأبناء المواطنات السعوديات المتزوجات من أجانب، ويوضح: «أمي عمرها الآن 52 سنة وأبوها 80 سنة، كيف لي أن أجد هوية جدها في هذه البلاد التي لم تتوحد إلا قبل ثمانين عاما»، لافتا إلى أن أهم الشروط لحصوله على الجنسية هو إثبات أن جد والدته سعودي الجنسية.
وتابع: «بعد سبع سنوات من الانتظار تفاجأنا بشروط عقيمه جدا، من الصعب تحقيقها».
إقامة دائمة لأبناء القطريات
ومؤخرا، أعلنت قطر قانونا جديدا يمنح أبناء القطريات المتزوجات من أجانب بطاقة إقامة دائمة تساوي بينهم وبين القطريين في الخدمات الطبية والتعليم والتوظيف.
وبحسب القانون الجديد، فإنه سيكون من حق حاملي هذه البطاقات التملك العقاري وممارسة الأنشطة التجارية دون شريك محلي، فضلاً عن التقدم للوظائف العسكرية والمدنية في الدولة.
وكانت القوانين القطرية قبل صدور هذا القانون تعامل أبناء القطريات من أجنبي معاملة الأجانب إذ يمنعون من العمل في المؤسسات الحكومية كما أنه لا يحق لهم حتى ميراث والدتهم إذا كانوا يحملون جنسية غير خليجية.
وعانت الأسر القطرية كثيرا عقب الأزمة الخليجية، وبحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية في ديسمبر/كانون أول الماضي، فإن الحصار الذي فرضته كل من السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر، على قطر، أدى إلى تشتت العائلات، ما يعد انتهاكاً للحق في حياة العائلة والتعليم وحرية التعبير.
الكويتيات وآمال معلقة
وفي الكويت، بالرغم من مساواة الدستور بين المواطنين والمواطنات في الحقوق والحريات، لكن الدولة الخليجية مازالت تضرب بالدستور عرض الحائط رافضة منح أبناء الكويتيات الجنسية، لكنه يحق للمرأة الكويتية كفالة أبنائها وزوجها إذا لم يكونوا يعملون في أي جهة أخرى، كما يتم معاملة أبناء الكويتية معاملة الكويتيين في قطاع التعليم والصحة.
وفي العام الجاري، وضعت الكويت استثناء، إذ يمكن لوزير الداخلية منح الجنسية لأبناء الكويتية المحافظين على الإقامة فيها حتى بلوغهم سن الرشد إذا كان والدهم أسيرا أو طلّق والدتهم طلاقا بائنا أو توفي عنها.
وكانت صحيفة «الراي» الكويتية قد كشفت عن أن ملفات أبناء الكويتيات التي يستحق أصحابها الحصول على الجنسية، لا تتجاوز الألف ملف، رغم أن الإحصائيات الرسمية أكدت أن عدد الكويتيات المتزوجات من أجانب بلغ نحو 20 ألفا.
ومازالت الأمهات الكويتيات في انتظار إقرار القانون الذي أقرته اللجنة التشريعية في مجلس الأمة الكويتي منذ يناير/كانون ثاني 2017 ويقضي بقانونية تعديل المادة الثانية من المرسوم الأميري رقم 15 لسنة 1959 الخاص بقانون الجنسية بحيث تمنح الجنسية لكل من له أب كويتي أو أم كويتية، بعد أن كانت المادة مقتصرة فقط على من له أب كويتي.
حلم رهين مكرمة ملكية
وعلى النسق الكويتي تسير البحرين، فبالرغم من مساواة الدستور بين المواطنين والمواطنات في الحقوق والحريات ورغم الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الدولة الخليجية والتي تقضي أيضا بالمساواة، تتعارض القوانين البحرينية مع ذلك تماما.
ورغم تقديم مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون الجنسية البحرينية للعام 1963، المحال منذ 12 يناير/كانون الثاني للعام 2014، لكنه لم يجد طريقه حتى الآن إلى مجلس النواب لدراسته والتصويت عليه ليبقى أمل هذه الفئة من البحرينيات رهين مكرمة ملكية.
وفي 2009 صدر قانون يتضمن أحكاما تتعلق بمعاملة أبناء البحرينية المتزوجة من غير البحريني معاملة المواطن البحريني من حيث إعفاء أبنائها من رسوم الخدمات الصحية والتعليمية والإقامة الدائمة في المملكة.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أكد المجلس الأعلى للمرأة منح ما يقارب 4 آلاف ابن وابنة الجنسية البحرينية خلال الأعوام الـ10 الماضية، بعد تلقيه طلبات الحصول على الجنسية لأبناء المرأة البحرينية المتزوجة من غير البحريني، بموجب أوامر ملكية.
وأكد أنه يقوم بدراسة تلك الطلبات ومتابعتها في إطار أعمال اللجنة المشتركة بين المجلس والديوان الملكي ووزارة الداخلية.
تشدد عماني
وعلى خلاف الدول الخليجية، ينص القانون العماني صراحة على عدم منح الجنسية لابن العمانية المتزوجة من غير عماني، ذلك أنه وبحسب مرسوم أصدره السلطان قابوس سنة 2014 لا أحقية للمرأة العمانية المتزوجة من غير عماني في منح أبنائها الجنسية العمانية والاستثناء الوحيد هو السماح للقصّر من الأبناء بالحصول على الجنسية في حالة مرور عشر سنوات كاملة على طلاقها أو ترمّلها.
كما أنه لا يسمح للمحاكم البتّ في هذه القضايا فوزير الداخلية فقط هو المؤهل لمنح وسحب الجنسية العمانية.
وقبل عدة سنوات تم إقرار العلاج المجاني والتعليم الحكومي لأبناء المواطنات العمانيات وتم تسهيل حصول أبناء العمانيات على عمل داخل السلطنة بالقطاع الخاص.
ويبقى حلم كل امرأة خليجية تزوجت من أجنبي في يوم الأم أن تطمئن على وجود أبنائها بجانبها، وأن يزول قلقها وخوفها من أي خلاف خليجي أو أزمة خليجية أخرى قد تحرمها من أبنائها وتشتت شمل عائلتها.