نبيلة حسني محجوب- المدينة السعودية-
حادثة معنفة أبها وتوابعها من إنكار وإثبات ونشر إعلامي أثبت بما لا يدع مجالاً للشك بأننا أمة لا تفرق بين الوعي والإثبات والنفي، الحادثة سواء وقعت كما بثها الفيديو المسجل أو لم تقع كما نفت الزوجة.. قضيةٌ تدخل في نطاق الوعي والإحساس بالمسؤولية، وعي المواطن بمسؤوليته عن التبليغ إذا سمع أو رأى خطراً أو خطأ يمارس بجواره أو أمامه حتى لو من وراء جدار سمع استغاثة أو صوتاً يوحي بعنف ضد امرأة، طفل، أياً كان المستغيث، فمن مسؤوليته التحرك بشكل إيجابي لحماية المستغيث أو إنقاذه ومعاقبة الفاعل أياً كان زوجاً، أباً، أخاً أو زوجة أب أو أماً مريضة أو تنتهج سلوكاً عنيفاً ضد صغارها واستمع الجار أو المار قربها إلى صوت استغاثة عليه تقع مسؤولية التحرك الإيجابي للتدخل عن طريق إبلاغ الجهات المسؤولة. ولأن تجارب كثيرة فشلت في تحريك المسؤول أو المسؤولين عند الإبلاغ الشخصي، أصبح النشر الإلكتروني الوسيلة الأسرع والأضمن لتحرك المسؤول والجهات المعنية وغير المعنية لذلك ولنضرب مثالاً بمعنَّفة أبها لأنها الحادثة التي اتخذت مناحي كثيرة ولأنها الأخيرة -وأرجو أن تكون كذلك في مسلسل العنف ضد النساء- فإن توابع هذه الحادثة انحصرت في نفي المعنفة للواقعة وبذلك اتجهت أصابع الاتهام إلى المبلّغ أو المبلغة وربما تصل القضية إلى معاقبة البريء وتبرئة المعتدي لأن قانون الأسرة في الوعي الاجتماعي يمنع تسريب المشاكل الزوجية خارج جدران المنزل أو الأسرة ، حتى لو كان العنف والسلوك المهين من الزوج ضد الزوجة سلوكاً يومياً وأسلوب حياة ينشأ عليه جيل يتحول إلى معنف أو مجرم ضد نفسه وضد أسرته وضد المجتمع الذي عجز عن حمايته وحماية الأم التي تمثل بالنسبة للطفل الأمان والحنان والحضن الدافئ، وعندما يراها ضعيفة ذليلة مهانة يفقد ثقته في الحياة والمجتمع وكل دروس التربية والأخلاق ويتحول إلى مريضٍ نفسيٍ أو مواطن مأزوم محبط وفاشل.
لكل هذه الأسباب ولصحة وسلامة المجتمع أجد أن مسؤولية المجتمع وضميره الواعي تكمن في منع العنف عن طريق عدم الصمت حتى إذا قبلت الضحية بما تتعرض له من عنف رغبة منها في استمرار حياتها الزوجية أو وقوعها ضحية الخوف من الطلاق أو الفقر أو من نظرة المجتمع أو رفض الأسرة، كل تلك أسباب تدفع بكثير من النساء الى الرضوخ والرضا بما يقع عليها من عنف وإذلال. لكن ومجتمعنا يسير بخطى سريعة في ركب الحضارة وقد عانينا ما عانينا من تهميش وإذلال للمرأة والآن تستعيد حقوقها في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الشاب المقدام محمد بن سلمان لا يليق بالمجتمع تقبل مثل هذه التصرفات ولا تقبُّل تقبُّل المرأة لها لأنها في النتيجة تنتج جيلاً مشوهاً نفسياً وفكرياً وسلوكياً وهذا يناقض رؤية 2030 التي نتطلع إليها بكثير من الحماس لنخلع آخر أسمالنا البالية ونظهر في رونقنا الجديد مجتمعاً سوياً لا يعاني من إعاقات نفسية وأسرية واجتماعية.
إذاً لدينا الآن إشكاليتان في قضية معنفة أبها؛ الأولى النشر بهدف التبليغ وهو وعي لا بد من ترسيخه وتمجيده وبذلك لا يمكن تجريم المبلغ أو لومه وتثبيطه كي لا نتحول إلى مجتمع متبلد المشاعر لا ينتفض لصوت مستغيث يغيثه، أو مظلوم يعينه على رفع الظلم عنه فينتهك ضعفاؤه وهم كثر ليسوا النساء فقط بل الأطفال والشباب الصغير وكبار السن والمرضى والمعوقون والفقراء والموظفون والعمال وكل من يمكن أن يتسلط عليه الأقوى منه لذلك لابد من دعم هذا التوجه وتحفيز أفراد المجتمع لنصرة المستغيث أياً كان وأين كان.
الجانب الثاني وهو انكار الحادثة أو واقعة التعنيف وهذا المفروض أن يؤخذ بعين الاعتبار للاعتبارات الأخرى التي يمكن أن تدخل في نطاق العنف أيضاً كتهديد الزوج للمعنفة بالطلاق مثلاً أو حرمانها من صغارها أو أي مهددات كثيرة يمكن استخدامها لاجبار الضحية على الوقوف بجوار الجلاد.
أما بالنسبة لاهتمام الإعلام بظهور أطراف القضية في برامج الفضائيات والصحف فلا أظنها وسائل تحفز الوعي أو تحفظ الحقوق بل تتوه القضية بين المهاترات الكلامية التي تحيل الجلاد إلى ضحية والمبلغ إلى مجرم لأنه انتهك خصوصية أسرة مع أن الصوت إذا تجاوز جدران المنزل ووصل إلى أسماع الآخرين انتفت الخصوصية وأصبح الأمر من حق المسؤولية والوطنية والشهامة العربية نصرة المستغيث أيا كان وأين كان.