سحر أبو شاهين- مكة السعودية-
يبدو أن غطاء وجه المرأة السعودية هو طوق النجاة الذي يتشبث به المتشددون على أمل أن يحملهم خارج جب النسيان والإقصاء، فالتحولات المتسارعة التي تمر بها السعودية على جميع الأصعدة الاقتصادية والثقافية والترفيهية بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده المجدد، والانفتاح الذي فتحت له ذراعيها فاحتضنت بهما العالم، يصيبانهم بالذعر والخوف الشديدين من فقدان تأثير مارسوه عقودا عديدة باسم الدين وبذريعة الخصوصية، فجرموا وحرموا أبسط أنواع الترفيه والمتع البريئة تحت باب سد الذرائع ولحمايتنا وبدرجة أكبر حماية المرأة ومربية الأجيال من التغريب والأفكار المنحلة والتأثر بمن لا يخاف الله أو حتى لا يؤمن به، فتمكنوا من إقناع الكثيرين بنهجهم، وعلت أصواتهم حتى أخفت أصوات كل من يعارضهم، ونجحوا في نشر فكرهم فكانت الحصيلة تطرفا وتزمتا ولدا في بعض الأحيان حين تهيأت لهما الظروف إرهابا وموتا ورعبا، فكانا النقيض الطبيعي الذي لا بد سيوجد بعد سد كل منافذ الحياة السوية.
والآن بعد أن اتجهت البوصلة مجددا شطر الإسلام الوسطي المعتدل، كما أكد على ذلك مرارا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، غصت صالات السينما بروادها، واحتفت المسارح بموسيقاها، وتنوعت الفعاليات والمهرجانات حتى احتارت الأسر في تقسيم وقتها بينها، بعد أن كانت المطاعم والأسواق خياراتها الوحيدة تقريبا للترفيه خارج المنزل. بعد كل ذلك تأكد المتشددون ورافضو الحياة أن البساط سحب من تحت أقدامهم، وأن عجلة التطور والانفتاح لن تتوقف، ولأن الغريق يتعلق بقشة رغم علمه أنه سيغرق في النهاية تشبثوا بأن غطاء وجه المرأة السعودية هو أساس شرفها وعفتها وكرامتها، وأن تخليها عنه هو تخل عن كل ذلك، واتضحت ملامح هذه الدعوات وكثفت بعد تصريح لعضو هيئة كبار العلماء الدكتور عبدالله المطلق بأن العباءة ليست الشكل الوحيد للحجاب الساتر، وبعد أن صرح ولي العهد في لقاء تلفزيوني أن المرأة السعودية هي من تختار شكل الحجاب المحترم والمحتشم الذي تريد الظهور به، وربما كلمة «هي من تختار» هو ما أثار حفيظتهم تحديدا، فالمرأة لديهم لا يجب أن تختار وتحديدا في موضوع الحجاب، المرأة برأيهم يجب أن تلزم وتجبر على شكل الحجاب الذي يوافقون هم عليه ويرونه متوافقا مع فكرهم، فلا يكفي إلزامهم من يحطن بهم من النساء بل لا بد لكل السعوديات أن يفعلن ذلك.
وربما يظن البعض أن دعوات المتشددين لاعتبار كشف المرأة لوجهها محرما كانت عشوائية ومشتتة، ولكن ما ظهر على أرض الواقع يشير لخلاف ذلك، ومن ذلك اتفاق أئمة مساجد على توحيد خطب الجمعة لتكون عن أهمية غطاء الوجه والعباءة كأساس للحجاب الشرعي الذي فرضه الإسلام، ومن ثم تداول رسائل تحث على المشاركة في وسم له صلة بذلك، ووصول الوسم بالفعل إلى الوسوم الأعلى تداولا أكثر من مرة.
وعلى كل مهما فعلوا وحاولوا فعملية تحول السعودية نحو مستقبل مشرق لجميع السعوديين الراغبين في الحياة لا مكان فيها للجامدين ورافضي التقدم والانفتاح على الآخر، ولا أظن لديهم خيارا سوى قبول ذلك والتأقلم معه.