مجتمع » شؤون المرأة

ماذا وراء اعتقال ناشطات القيادة في السعودية؟

في 2018/05/24

جين كليمونت - تشاتام هاوس-

على مدار العام الماضي، ألقت المملكة العربية السعودية القبض على مجموعة واسعة من المنتقدين والناشطين المستقلين، وحتى الأمراء الذين ينظر إليهم على أنهم منافسون محتملون على القيادة. ومع ذلك، تجلب الاعتقالات الأخيرة نظرة جديدة، فقبل بضعة أسابيع فقط من سريان قانون يسمح للنساء بقيادة السيارات، ألقت السلطات القبض على ما لا يقل عن 10 ناشطات قمن بحملة سابقة من أجل هذا الإصلاح.

التفاصيل محدودة للغاية، لكن وكالة الأنباء الرسمية صرحت بأن هؤلاء المعتقلات متهمات بمحاولة التأثير على أشخاص في أدوار حكومية حساسة نيابة عن جهات أجنبية، وهو ما يعني كما يبدو الحكومات الغربية. وقام موقع إخباري محلي بنشر صور النساء المعتقلات، وبعضهن بدون حجاب، مع كلمة «خائنة» على وجه كل منهن باللون الأحمر.

وسوف يأتي إلقاء القبض على ناشطين وناشطات حقوق المرأة بنتائج عكسية فيما يتعلق بجهود العلاقات العامة الدولية التي خصص لأجلها ولي العهد «محمد بن سلمان» الكثير من الوقت والجهد في الأشهر الأخيرة. وقد سعى إلى عرض إنجازات وديناميكية الشباب والمرأة السعوديين في محاولة لتغيير صورة البلاد، ولا سيما في نظر الحلفاء الرئيسيين. وفي هذه الأثناء، كان بعض المراقبين الغربيين سعداء بالتغاضي عن اعتقال رجال الدين أو المعلقين الذين يقال إنهم إسلاميون، وكانوا يفكرون على ما يبدو، حتى وإن لم يقولوا ذلك علانية، إن اتباع نهج استبدادي قد يكون ضروريا للتغيير الاجتماعي. وعلى النقيض من ذلك، فإن إلقاء القبض على النساء اللائي يقمن بحملة من أجل ما تقوم به الحكومة السعودية بالضبط الآن يؤدي إلى تكدير المياه الجارية.

الخوف من الحراك

والأساس المنطقي للقمع غير واضح حتى الآن، ولكن هناك عدة عوامل قد تكون مؤثرة. وأحدها هو اعتبار السلطات أي نشاط من أسفل إلى أعلى كتهديد، حتى لو كان موجها نحو هدف تشاركه الحكومة. وعندما أعلن الملك «سلمان» العام الماضي السماح للنساء بقيادة السيارات بدءا من يونيو/حزيران 2018، ابتهجت الناشطات من النساء، ونشرت الكثيرات منهن صورته على «تويتر».

ثم بدأت النساء اللواتي قادت الحملة باستقبال على مكالمات هاتفية من الديوان الملكي تطالبهن بالصمت. وبدا أن القيادة السعودية لم تكن تريد لهن أن ينلن نصيبا من الاحتفاء. وكان القصد من هذا القرار هو تقديم «بن سلمان» كمصلح قوي، وليس كخاضع للضغوط المجتمعية. وبعد كل شيء، فإن الاستجابة للنشاط الشعبي قد يشكل سابقة تشجع على المزيد من نفس الشيء.

وبدلا من ذلك، ووفقا لمؤيدي الحكومة، أظهر القرار المتعلق بالقيادة أن حملة الناشطات كانت مضللة وغير ضرورية. ومن وجهة نظرهم، يجب أن تدرك الناشطات الباحثات عن حق قيادة النساء أنه يمكن الوثوق بالقيادة من أجل توفير كل ما يحتاجه المجتمع بمجرد أن يكون الوقت مناسبا. وفي هذا السياق، قد تكون الحكومة راغبة في ضمان عدم احتفال الناشطات علانية، أو إعلان النصر عندما تبدأ النساء بالفعل في القيادة في غضون أسابيع قليلة.

علاوة على ذلك، تواجه الحكومة بعض المقاومة داخل المجتمع للإصلاحات الاجتماعية المختلفة التي يتم إدخالها، خاصة فيما يتعلق بدور المرأة والقواعد التي تحكم الحياة الاجتماعية والترفيه. وفي هذا السياق، تعد مسألة قيادة المرأة واحدة من أكثر القضايا الرمزية في المملكة.

وكان رد فعل القوى المحافظة على القانون الذي يسمح للنساء بقيادة السيارات حتى الآن أكثر صمتا مما كان متوقعا من قبل العديد من المراقبين، داخل المملكة وخارجها. وربما يرجع هذا إلى أن عددا من رجال الدين والنقاد البارزين قد تم سجنهم، ونتيجة لذلك، لم يجرؤ سوى عدد قليل من الآخرين على انتقاد قيادة البلاد.

توازن القمع

ولكن هناك تذمر مستتر. وبدلا من الشكوى من الحكومة، وهو أمر محفوف بالمخاطر، فإن المحافظين يوجهون بدلا من ذلك غضبهم إلى النساء والليبراليين الآخرين. وتظهر الهجمات الخطابية على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل متزايد قومية شوفينية، حيث وجد السعوديون من أصول فارسية أو غيرها من الهويات الإقليمية، أنفسهم أهدافا للخطاب العدائي. ومع تغير الأعراف الاجتماعية وتدابير التقشف، فإن هذا الخطاب أحدث قناة لأولئك الذين يعانون من سرعة التغيير لتأكيد سلطتهم على السعوديين الذين لا يشاركونهم قيمهم.

وبالنظر إلى هذا التراجع الاجتماعي، قد تعتقد السلطات أن اتخاذ إجراءات صارمة ضد بعض الليبراليين سيوفر إحساسا بالتوازن، حتى لو كان ذلك بمثابة توازن في القمع. فبعد كل شيء، عندما قامت المملكة بإعدام رجل دين شيعي معارض، وهو الشيخ «نمر النمر»، في عام 2016، جادل البعض بأن السلطات كانت تسعى إلى «التوازن»، حيث كانت قد اتخذت إجراءات صارمة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، وأعدمت بعض أعضائه، وكانوا بحاجة إلى أن ينظر إليهم على أنهم يستهدفون كلا من المتطرفين الشيعة والسنة على حد سواء.

ولكن من غير الواضح ما إذا كان ولي العهد نفسه يريد أن ينظر إليه على أنه يستجيب لمخاوف المحافظين، أو ما إذا كانت الاعتقالات تعكس وجهات نظر كبار الشخصيات الأخرى في المؤسسة. ولم يحافظ ولي العهد على مكان ثابت في الأيام القليلة الماضية، مما أثار تكهنات بأن الاعتقالات يمكن أن تكون علامة على مكائد داخل العائلة الحاكمة ضده ومشاريعه التحريرية، لكن النظام السعودي الغامض معرض للإشاعات المتكررة ولا يوجد ما يثبت ذلك حتى الآن.

وبشكل عام، تضيف الاعتقالات إلى التناقضات المختلفة في النظام السعودي. ومع تطور الإصلاحات الاقتصادية، كان من المفترض أن تشجع الحكومة الشباب على لعب دور أكثر نشاطا ومشاركة وريادة في الاقتصاد والمجتمع. لكن الأمر خطر للغاية بالنسبة للسعوديين ذوي التوجهات المستقلة، المنخرطين اجتماعيا، الذين يمكنهم المساهمة بشكل كبير في أجندة الإصلاح هذه، والذين يعانون اليوم للبقاء في منأى عن النظام السياسي الحساس للغاية وخطوطه الحمراء المتقلبة.