سايمون هندرسون- معهد واشنطون-
تصدرت حقوق المرأة في السعودية عناوين الأخبار في الأشهر الأخيرة، بعد أن أصبح باستطاعتهن قيادة السيارات ومشاهدة الفعاليات الرياضية وأنشطة الترفيه المباشرة. لكن وفقاً لـ تقرير "منظمة العفو الدولية" من 25 كانون الثاني/يناير، فضلاً عن تقارير سابقة أخرى، يتعرض البعض منهن للتعذيب والاستغلال الجنسي أثناء احتجازهن تعسفاً من قبل الحكومة السعودية. وكانت الخطيئة الظاهرة لهؤلاء الضحايا هي كونهن ناشطات سياسيات شاركن في حملات دفاعاً عن المزايا التي تتمتع بها العديد من النساء حالياً.
لكن مسألة المعاملة التي تحصل عليها النساء السعوديات أوسع من ذلك بكثير، كما تُظهر القضية الأخيرة لـ رهف محمد القنون. فقد هربت الفتاة البالغة من العمر 18 عاماً من عائلتها وتوجهت إلى بانكوك، آملةً في الوصول إلى أستراليا. وقد سمح مسؤولون تايلانديون لدبلوماسي سعودي باحتجاز جواز سفرها ولكنها احتفظت بهاتفها الخلوي، ونجحت في تنظيم حملة للحصول على اللجوء، زاعمةً أن والدتها وشقيقها قد ضرباها. وفي غضون أيام، سُمح لها بالدخول إلى كندا، حيث رحّبت بها شخصياً وزيرة الخارجية كريستيا فريلاند، التي كانت تخوض حرباً دبلوماسية مع الرياض منذ الصيف الماضي، حين استنكر السعوديون نشر المسؤولة الكندية تغريدة تُعرب فيها عن قلقها بشأن احترام حقوق الإنسان.
فهل التقارير المقلقة هي مجرد انحرافات في خطط الإصلاح التي يُطلقها حاكم المملكة الفعلي، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أم أنها متجذرة بشكل أعمق؟ إن ما يمثّل تقدماً في المملكة هو مدهش في بعض الأحيان. ففي وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت وزارة العدل السعودية عن إجراء يرمي إلى وضع حدّ لممارسة إقدام الرجال على تطليق زوجاتهم من دون إخبارهن. وستقوم الآن محكمة الطلاق بإرسال رسالة نصية إلى الزوجة السابقة! كما يمكن للنساء التحقق من حالتهن الزوجية على موقع إلكتروني رسمي.
ويبدو أن جوهر النقاش هو أن الأمير محمد بن سلمان يرغب في الحصول على كل الفضل لقاء الإصلاحات في البلاد ولا يريد ظهور حركة شعبية تحض على التغيير. وقد تكون هذه رؤية حديثة عن المجتمع السعودي القديم الطراز - حيث أن الأب أو الجدّ أو أكبر الرجال في العائلة يملي على أفرادها كيفية التصرّف. وإذا كان الأمر كذلك، قد يكون هناك تناقض مع الواقع الجديد الذي يبرز على الأرض.
وتشير التقارير إلى أن الرأي العام يؤيد بشكل كبير إصلاحات محمد بن سلمان. واستناداً إلى الشواهد، يبدو هذا صحيحاً. فقد أخبرتني إحدى الزائرات مؤخراً إلى المملكة عن مدى دهشتها بعد أن شهدت التحول في المجال الاجتماعي في الرياض منذ زيارتها السابقة. ولكن من الصعب قياس ما إذا كان ذلك ينطبق خارج المراكز الرئيسية المزدهرة في المناطق الحضرية وفي أوساط الفئة العمرية دون 30 سنة. إن الملك سلمان الذي يتقدّم في السن يعقد مجلساً للزعماء الدينيين وغيرهم من المواطنين على أساس شهري تقريباً. ولأنهم ملتحون ومن ذوي الشعر الأبيض، فإن أيا منهم لا يبدو من النوع الذي قد يسارع إلى حضور حفل المغنية الأمريكية ماريا كاري في جدة في 31 كانون الثاني/يناير.
وبعد أسابيع من الحذر الدفاعي الظاهري بعد مقتل الصحفي المنشق جمال خاشقجي وتقطيع جثته في القنصلية السعودية في اسطنبول في 2 تشرين الأول/أكتوبر 2018، تتخذ المملكة من جديد موقفاً هجومياً حيث بذلت جهداً كبيراً في هذا الاتجاه خلال "المنتدى الاقتصادي العالمي" في دافوس، سويسرا، الأسبوع الماضي. وفي هذا السياق، صرح وزير المالية السعودي محمد الجدعان لصحيفة "فاينانشال تايمز": "عندما ورد هذا الموضوع [مقتل خاشقجي] في الحديث، قال كل من اجتمعنا به إنهم أدانوا ما حدث وتوقعوا تقديم المسؤولين إلى العدالة. ومع ذلك، لا ينسحب أي طرف من دون استثناء أو يتردد في مواصلة [العمل معنا]".
لكن في أوساط الوفود المشاركة في "منتدى دافوس"، نقلت الصحيفة "ردود فعل متباينة بشأن التعامل التجاري مع السعودية". فآراء أسوةً بـ "[داخل] قفص العقاب" أو "حادثة مثيرة للجدل للغاية" قوبلت بوجهات نظر أخرى التي اعتبرَت أن "قضية خاشقجي أصبحت من الماضي". وقد يتوقف الخلاف على وجهة نظر شخصية حول ما إذا كان محمد بن سلمان على علم بمخطط القتل.
وقد يتبيّن أن أبرز من يطلقون الأحكام بشأن نظرة العالم حول السعودية هم من النساء غير السعوديات. وعلى الرغم من تعليقات الوزير السعودي، كان لقضية خاشقجي تأثير كبير. وقد أخبرني أحد الأشخاص خلال مأدبة غداء في واشنطن الأسبوع الماضي أن "حتى والدتي سمعت الخبر". وقد يكون مستثمرون محتملون في المملكة، وخاصة الشركات المملوكة للقطاع العام، قد درسوا مخاطر التأثير على السمعة عند الرهان بأموالهم على محمد بن سلمان.
وتستمر الضغوط. فقد أعلنت أغنيس كالامارد، مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء، عن عزمها زيارة تركيا الأسبوع المقبل لبدء تحقيق مستقل في ما حصل بالفعل لخاشقجي الذي ما زالت جثته مفقودة. ويمكن أن تقابل المعنويات المرتفعة للناشطات السعوديات بانزعاج محمد بن سلمان إلى حدّ كبير.