مجتمع » شؤون المرأة

ماريا كاري في السعودية.. هل تقطف نساء البلد ثمار "الترفيه"؟

في 2019/02/01

dw- عربية-

بعد إنريك إغليسياس، وياني، وديفيد غيتا وعمرو دياب وماجدة الرومي وغيرهم من نجوم الغناء، تستقبل السعودية هذا الأسبوع ماريا كاري. فهل ستستفيد النساء من هذا الانفتاح؟ وهل هناك انفتاحٌ حقاً في ظل واقع حقوق الإنسان بالبلد؟

لم يكن الكثير من السعوديين المتفائلين بوقوع انفتاح ليبرالي في المملكة، يتوقعون أن يروا المغنية العالمية، ماريا كاري، في حفل بالمملكة التي منعت طوال عقود إحياء حفلات غنائية حتى تلك التي يحييها أبناء البلد. فالسعودية تظهر، منذ تسلّم الأمير محمد بن سلمان، منصب ولي العهد، بلداً جديداً لا مشكل لديه مع الموسيقى ومع "دمقرطة" الترفيه الذي أضحى متاحاً للجنسين معاً، فقد صار ممكناً للمرأة قيادة السيادة وحضور المباريات الرياضية وكذا الأحداث الفنية.

إلّا أن هذا الانفتاح الترفيهي، يقابله استمرار احتجاز مجموعة من الناشطات النسائيات في السجون السعودية، وورود تقارير حقوقية عن تعذيبهن وسوء معاملتهن، وهن اليوم جزء من حملة واسعة استهدفت العديد من النشطاء وشخصيات مستقلة تقبع في السجون منذ مدة، حيث تؤكد المنظمات الحقوقية أنهم معتقلو رأي، ما يخلق موجة شكٍ في حقيقة الإصلاح الذي أعلن عنه ولي العهد، محمد بن سلمان.

جدل على التواصل الاجتماعي

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، أذكى قدوم ماريا كاري إلى السعودية الخلاف حول العلاقة بين الأخلاق العامة في المملكة وبين الحق في الترفيه، وتنتشر في تويتر تغريدات بأسماء مستعارة (خوفاً من الملاحقة الأمنية) ضد حضور المغنية التي اشتهرت بإحياء بعض حفلاتها بلباس خفيف.

كما أعاد حضورها جدل الواقع الحقوقي للنساء. وفي هذا الإطار، وجهت علياء الهذلول، شقيقة المعتقلة لجين الهذلول، رسالة إلى المغنية العالمية، قالت فيها: "تذكري أنه بفضل أختي، أنت حالياً قادرة على الاستعراض في السعودية. تمنيت أن تحضر لجين إلى حفلتك، لكنها محتجزة خلف القضبان لأنها طالبت بتحسين ظروف النساء. لا تنسيها وأنت على المنصة".

انفتاح حقيقي في المملكة؟

تقول أماني العيسى، ناشطة سعودية تعيش في أستراليا، إن الانفتاح الذي نراه حالياً في السعودية يبقى "انفتاحاً سطحياً أو حتى وهمياً"، لأن الانفتاح الحقيقي حسب تعبيرها هو الانفتاح السياسي الذي لن يأتي إلا عبر "حصول المواطن على جميع حقوقه" . وتضيف العيسى لـDW عربية أنه ما لم تقم الدولة بتشريعات تحمي حقوق الفرد أولاً، فلن يحصل أيّ تغيير اجتماعي، مشيرة إلى أن الانفتاح الحالي لا يشمل جميع طبقات المجتمع، وهو موجه في الأساس لفئة معينة هي من ستحصد نتائج التغييرات في المملكة، خاصة منها ما هو اقتصادي.

بيد أن عرفات الماجد، إعلامية وعضو مجلس بلدي بمحافظة القطيف ترى أن الترفيه جزء رئيسي من سياسة الانفتاح في المملكة، وإن تثمين هذا الانفتاح الترفيهي لا يعني عدم السعي نحو تشريعات تخدم المرأة في مجالات أخرى. وتشير الماجد في حديث مع DW  عربية أن الحكومة السعودية متوجهة حالياً نحو هذا المسعى، إذ توجد حالياً نساء في مناصب عليا كوكيلات وزير أو مديرات مطارات كبرى وقريبا قد يصلن إلى مناصب أكبر. وتتابع الماجد أن الدولة تسير بوتيرة مطمئنة في خطط الانفتاح، لافتة إلى أن ولي العهد السعودي يؤكد دوماً أن المرأة شريك حقيقي.

تأثير بلدان الجوار

على مدار نهائيات كأس آسيا التي نظمتها الإمارات، كانت المرأة جزءاً أساسياً من المشهد بين المتفرجين، والتقطت عدسات المصوّرين لقطات لمشجعات المنتخبات وهن يلتحفن بأعلام بلدانهن أو يرتدين قمصان نجوم المنتخبات، حتى منهم مشجعات المنتخب الإيراني. هذا الوضع كان ليظهر مشابهاً في السعودية التي سمحت للعائلات بدخول الملاعب الرياضية قبل أشهر، إلّا أن حجم إقبال النساء، حسب تقارير إعلامية، لا يزال محتشماً بسبب القيود الاجتماعية في البلد.

وتقول أماني العيسى إن أيّ انفتاح اجتماعي في دول الجوار لن يؤثر أبداً على واقع النساء السعوديات، لأن وضع المرأة في الخليج متشابه نوعاً ما، فهي، وإن حصلت على حقوق في المجال الاجتماعي، تبقى مقيّدة قانونياً وشرعياً، ولا تحظى بجميع الحقوق المدنية باعتبارها مواطنةً كامل الأهلية.

في الجانب الآخر، تتفق عرفات الماجد مع فكرة أن المملكة في معزل عن التطوّرات الاجتماعية الحاصلة في دول الجوار، لكن المتحدثة ترّد ذلك إلى نمط الثقافة السائدة المرتبط بما هو تاريخي: "باستثناء المملكة السعودية، كانت دول الخليج تحت الاستعمار البريطاني، وقد أسس البريطانيون لنوع من الحرية الاجتماعية في هذه الدول، بينما حكم التيار الإسلامي السعودية خصوصاً بعد السبعينيات". وتتابع أن أيّ تغيير في السعودية سيأتي من الداخل، ومن تطوّر المجتمع السعودي، وليس من الخارج.

هل ما يجري مقدمة لتغيير قادم؟

ترى أماني العيسى، أن مثل هذه الحفلات لن تنعكس على واقع النساء، خاصة وأن أيّ امرأة سعودية تحتاج إلى الموافقة من لدن وليها في إطار "نظام الولاية" لحضور مثل هذا الحفل، وفي حال رفضت، فيمكن لوليها الزج بها في السجن بتهمة التغيّب أو العقوق. وتشير العيسى إلى أن المرأة السعودية لا تلعب أيّ دورٍ في هذا الانفتاح، لأنها "تعاني من أنظمة وقوانين وضعتها السلطة السياسية".

بيدَ أنه في الجانب الآخر، تثق عرفات الماجد في المستقبل، وتقول إن ما يجري مقدمة لتغييرات أخرى قادمة، قد تصل لمجال ولاية الرجل على المرأة: "القادم أجمل في وضع النساء. صحيح أنه لا يمكن إلغاء نظام الولاية لأن التشريع الإسلامي يلزم بها، لكن قد يتم سنّ ضوابط جديدة تخدم المرأة بشكل أفضل".