علا سالم - فورين بوليسي- ترجمة علي النجار-
عندما هربت الشيخة "لطيفة"، ابنه حاكم دبي الشيخ "محمد بن راشد"، من بلدها في فبراير/شباط 2018، لتستقل في النهاية يختا مملوكا لثري فرنسي معروف، قام والدها بتشكيل فريق على وجه السرعة لتتبعها. وفي غضون أيام، أُعيدت بالقوة إلى وطنها.
القصة بأسرها، كانت ستبقى طي الكتمان، لولا مقطع فيديو مدته 39 دقيقة سجلته الأميرة -التي كانت تبلغ وقتها من العمر 33 عاما- قبل هروبها، وتم تسريبه قبل أن يتم إلقاء القبض عليها.
وفي ذلك المقطع، قالت الأميرة في مناشدة لإنقاذ حياتها: "إذا كنت تشاهد هذا الفيديو، فهذا ليس بالأمر الجيد؛ فإما أن أكون ميتة أو في وضع سيء جدا جدا".
ويبدو أن التوقعات المتشائمة للأميرة "لطيفة" تحققت بالفعل؛ فهي الآن رهن الإقامة الجبرية العلاجية، لكن محاولتها لنيل الحرية جديرة بالاهتمام.
وإضافة إلى تفاصيل محاولة الهروب التي تم إحباطها، يقدم الفيديو لمحة نادرة عن الحياة السرية لأميرات العالم العربي ولنسائه الأخريات المرفهات، ويركز الضوء على الفجوة الكبيرة بين السمعة المأخوذة عنهن، والحقيقة المرة التي يعيشونها.
فمعظم النساء في العالم العربي من المحرومات اجتماعيا. عائلات تقليدية، عادة ما تُفرض قيود شديدة على النساء، اعتمادا على أي قبيلة ينتمون، وقد تواجه النساء قيودا على من يمكنهن الزواج به، ومدي الحرية الممنوحة لهن خارج المنزل، وإذا ما كان بإمكانهن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والسفر، وأين ستكون وجهتهم، وإمكانية العمل، وما يمكنهم دراسته، ومتى يتزوجون، ومن يستطيع أن يري وجوههن؟.
بموجب نظام الوصاية السعودي، فإن القريب الذكر –الزوج أو الأب أو الأبن في بعض الحالات- يكون لديه سلطة كاملة لاتخاذ قرارات حاسمة في حياة المرأة المسؤول عنها من الولادة وحتى الممات.
هذه المعاملة تمتد إلى المؤسسات العامة خارج منزل العائلة. فحتى وقت قريب، على سبيل المثال، كانت جامعة الإمارات الحكومية تحظر على الطالبات حمل هاتف خلوي مزود بكاميرا، بينما كان الحرم الجامعي النسائي مغلق بجدار من الأسلاك الشائكة، ويخضع بواباته لحراسة مشددة.
ولا تزال تلك الجامعة تفصل بين الجنسين، ويمكن للطالبات مغادرة الحرم الجامعي مع شخص أخر فقط إذا وافق أولياء أمورهم، الذين يتم إخطارهم من خلال رسالة بمجرد مغادرتهن.
وتقول "هبة زيادين"، وهي باحثة مساعدة في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، إنهم (الإماراتيون) يستخدمون صيغة مختلفة، لكن نظام الوصاية موجود هناك، لكن الأمر ليس بالتطرف الموجود بالسعودية".
وأضافت: "في الإمارات على وجه الخصوص لا يوجد قانون ضد العنف المنزلي تجاه المرأة؛ فالاغتصاب الزوجي ليس جريمة، والنساء اللواتي يعملن دون مواقفه أزواجهن يعتبرن غير مطيعات".
وللتغلب على هذه القيود، فإن العديد من النساء العربيات يمارسن الخداع؛ حيث يستخدمون أسماء مزيفة على الإنترنت، ويرتدون البرقع لإخفاء هوياتهن في الأماكن العامة، كما يخفون هواتفهن مسبوقة عن عائلتهم، ويضعن خطط مفصلة للتسلل من المنازل.
وتعتمد العقوبة للنساء اللاتي يتم ضبطهن متلبسات بمخالفة القواعد السلوكية، بناء على أي قاعدة خرقنها. فإذا وجدت امرأة متورطة مع رجل، ستوقع بحقها أشد عقوبة، بما ذلك الجلد، وربما تصل للسجن أو القتل؛ دفاعا عن الشرف.
ويوجد في السعودية مرفق احتجاز يدعي "دار الراية"، هو حبس انفرادي سيء السمعة، والنطق بالحكم فيه يطول أمده، ويستخدم كمنازل لحالات السلوك غير الأخلاقي.
في سن التاسعة، تم تحذير الناشطة السعودية في مجال حقوق المرأة، "أماني الأحمد"، من قبل إدارة مدرستها في محافظة "ينبع" من أن الفتيات اللواتي يقمن بإساءة التصرف قد ينتهي بهن المطاف في مرفق احتجاز.
النساء العربيات من أصحاب الامتيازات –سواء كانوا أعضاء في العائلة المالكة أو جزء من عائلات عريقة سياسيا– يكن الأكثر معاناة في نواح عديدة.
تقول "هالة الدوسري"، وهي ناشطة حقوقية سعودية بارزة وباحثة: بالنسبة لهن، هو أمر لا يطاق.. لديهن فعليا وسائل للعيش بشكل مختلف، ولديهن فرصة للتعرف على مستويات رفيعة من النساء المنتميات لثقافات أخرى".
النساء أصحاب الامتيازات لا يحرمون من وسائل الإعلام التي تصور حياة النساء في الغرب، وغالبا ما يكون لديهن اتصال مباشر معهن.
وفي المجتمعات التي تكون فيها العمالة الأجنبية الأغلبية، مثل بعض دول الخليج، فإن كثيرا من أولئك الذين يعملون في القصر هم من الأجانب. وخارج القصر، يتكرر اختلاط النساء أصحاب الامتيازات مع الأجانب في المدارس الخاصة وفي رحلات السفر إلى الخارج.
لكن هذه مجرد شواهد من حياة لا يسمح لهن بالحصول عليها. بالنسبة للعديد من هؤلاء النساء، تكون الثروة بالكاد عزاء لهن عن عدم المقدرة على القيام بالخيارات الأخرى التي يرغبون فيها، وما يزيد من تفاقم المشكلة هو النفاق المتفشي في المجتمع.
فكثير من العائلات العربيات من أصحاب الامتيازات يفضلون تقديم أنفسهم للعالم الخارجي كـ "ليبراليين" و"عصريين".
فالأميرة "لطيفة"، على سبيل المثال، هي ابنة أحد الحكام العرب الأكثر انفتاحا في الخليج، وغالبا ما يظهر مع زوجته الأميرة "هيا بنت الحسين" وبناتهن، واللواتي يكن دون حجاب للرأس.
الشيخ "محمد بن راشد"، أبدي معارضته للعنف الأسري في بلاده، ودفع نحو توفير مزيد من الحماية للقُصّر في البلاد. لكن معاملته لبناته تكذب تلك الصورة الدولية المأخوذة عنه.
وذلك لأن حكم الرجل يعتمد على أن تتم رؤيته من قبل رعيته كمتمسك بالقيم التقليدية، ويقع هذا العبء في المقام الأول على مسألة حقوق المرأة في العائلة والبلد.
وأي امرأة تهدد الصورة أو النظام الذكوري للعائلة يتم وضعها قيد الاحتجاز، سواء في المنزل أو من قبل الدولة.
وليس غريبا أن تواجه النساء الإقامة الجبرية من النوع المفروض الآن على الأميرة "لطيفة".
فينبغي أن تكون مفاجأة صغيرة، إذ أن محاولات هروب الأميرات العربية ليست بالشيء الجديد.
ولم تكن تلك أول محاولة للهرب من قبل الأميرة "لطيفة". ففي 2002، عندما كانت في السادسة عشر من عمرها حاولت العبور إلى سلطنة عمان، لكنها سجنت في وقت لاحق، وعذبت، وحرمت من العناية الطبية.
وكما أوضحت الأميرة "لطيفة"، في الفيديو، فإنها شعرت برغبة في الهرب بعد فشل محاولة شقيقتها الكبرى "شمسة" في الهروب من بلدها، وبعد ذلك وضعت قيد الإقامة الجبرية لسنوات.
المشكلة تمتد إلى خارج دبي. "يحي عسيري"، مدير مجموعة "القسط" لدعم حقوق الإنسان، التي تتخذ من لندن مقرا لها، والتي عملت لصالح النساء العربيات التي يسعين للهروب من الاضطهاد، قال إن 4 من بنات العاهل السعودي الراحل، الملك "عبدالله بن عبدالعزيز"، اتصلن به عام 2013، وكن مهتمات بالهروب من البلاد. وكانت الأربعة قيد الإقامة الجبرية، اثنتان منهمن في مكان واحد، والاثنتان الآخريتان في مكان آخر.
وبعد تولي الملك "سلمان بن عبدالعزيز"، الأخ غير الشقيق للملك "عبدالله"، العرش، فقد "عسيري" جميع الاتصالات مع اثنتين من الفتيات وأمهما، التي كانت تحاول مساعدتهن على الفرار.
وقال "عسيري": "كانت رسالتي الأخيرة إلى الأم هو السؤال عما إذا كانت قادرة على حل المسألة، أو إذا ما كانت تعرضت للتهديد. أردنا فقط معرفة ما إذا كان عملنا قد ساعدهن بأي شكل من الأشكال.. لكننا لم نحصل على رد".
ورغم اختفاء الفتيات (بنات الملك عبدالله)، لا يزال "عسيري" يتلقى مكالمات من أميرات أخريات في السعودية يطلبون مساعدته لمغادرة البلاد.
ويتمثل التحدي الأكبر في أن أوصياء المرأة الذكور عادة ما يحتجزون جوزات سفرهن. وقال "عسيري": "ليس هناك الكثير الذي يمكنك فعله إذا لم يكن بحوزتهن جوازات سفرهن".
ورغم فشل الأميرة "لطيفة"، إلا أن ذلك لم يمنع النساء الأخريات في المنطقة من المغادرة عبر الطيران، تاركين ورائهن ثروات وامتيازات ملكية؛ للحصول على فرصة الوصول إلى الحرية في الغرب.
في الشهر الماضي، حصلت "رهف محمد القنون"، ابنه حاكم بلدة "السليمي" في شمال السعودية، على حق اللجوء إلى كندا بعدما كانت عرضة للترحيل لبلدها مرة أخري من تايلاند.
وظلت تغرد بشراسة من مقر احتجازها لمدة أسبوع تقريبا، وجذبت انتباه العالم قبل دخولها لكندا.
وتقول "زيادين": "القنون كانت محظوظة؛ فمقابل كل قصة هروب ناجحة هناك العديد من القصص الفاشلة".
وتشبه حالة الأميرة "لطيفة" إلى حد كبير، حالة "القنون"؛ فقد فرت الشابة السعودية بسبب القيود المفروضة على حركتها وتعليمها، ومُنعت من الإبلاغ عن تعرضها للإساءة المنزلية.
وقالت "القنون" إنها لم تستطع قص شعرها بالطول المناسب للشعر المفضل للرجال الذين يبحثون عن زوجة، لكنها قصت شعرها على أي حال، وردا على ذلك، وضعتها عائلتها قيد الإقامة الجبرية حتى نما شعرها.
وتحدثت "القنون" معي من كندا قائلة: "كان لدي مال، لكن لم يكن لدي حرية، لم أكن أريد المال، كل ما أردته هو الحرية وراحة البال".
والآن، أعلنت عائلة "القنون" التبرؤ منها؛ لإعفاء أنفسهم من العار الذي جلبته لها.
حالتا الأميرة "لطيفة" و"القنون"، ربما تعد بمثابة دعاية سيئة في الخارج، لكنها رغم ذلك تساعد السلطات الخليجية في كسب الدعم محليا.
فقصة "القنون" تم تسيسها على الفور في السعودية. ونالت تغطية إعلامية واسعة داخل المملكة، وساعدت في تغذية الرواية الحكومية أن الحكومات الأجنبية تستغل المرأة السعودية لخدمة أجنداتهم الخاصة.
وسائل الإعلام بدورها سلطت الضوء على أن "القنون" أرادت التخلي عن دينها تماما، وهي خطيئة كبيرة للمسلمين، وعقوبتها عموما الموت.
المحافظون في المملكة يقدرون موقف الحكومة الثابت من قوانين الوصاية من أجل حماية النساء. والعديد منهم أشاد بمبادرات مثل "أبشر"، أو ما يسمي تطبيق تعقب النساء الذي يرسل إخطارات لأولياء الأمور إذا حاولت النساء السفر خارج البلاد.
ما هو واضح أن قصة الأميرة "لطيفة" و"القنون" هزتا عائلات أخرى في المنطقة، واتخذ البعض منهم الاحتياطات اللازمة لتفادي فقدان بناتهم.
وقد اتصل العشرات من أصدقاء "القنون" وغيرهن من النساء في المنطقة بها، بعد وصولها لكندا، وأخبروها بأن عائلاتهن سحبوا جوازات سفرهن، وقالوا لهن إنهن لن يتمكن من السفر مجددا، وتقول النساء إنهن يشعرن بالخوف.
من وجهة نظر "القنون"، "ينبغي أن يتم تقديم المساعدة لهؤلاء النساء عن طريق إخراجهن من المنطقة بالكامل؛ فالنظام لا يدعمهم. وإرسال المساعدة لهن يجدي نفعا".