مجتمع » شؤون المرأة

بطلب "اللجوء الإنساني".. السعوديون ينضمون لقائمة الشعوب المضطهدة

في 2019/02/22

متابعات-

تعتبر ظاهرة هروب البشر من مواطنهم الأصلية نحو بلدان أخرى سمة من سمات القرن العشرين التي لاتزال في ازدياد وتوسع. 

وتظهر تقارير الأمم المتحدة أن الحروب والصراعات والفقر من أهم الأسباب التي تدفع الناس إلى البحث عن ملاذات آمنة خارج بلدانهم؛ وبناء على ذلك تتصدر بلدان مثل سوريا والعراق وأفغانستان قوائم الإحصائيات سنوياً.

انضمام دولة مثل المملكة العربية السعودية إلى قوائم الدول التي يهرب منها مواطنوها؛ خصوصاً في السنوات الخمس الماضية، يطرح العديد من علامات الاستفهام حول ما يجرى في البلد الذي يعد من أثرى دول العالم.

فهذه المملكة التي تتصدر قائمة مصدري النفط، إلى جانب العمق الروحي الذي تتمتع به نظراً لاحتضانها أكثر المواقع قدسية عند المسلمين: مكة المكرمة والمدينة المنورة، إلى جانب كونها دولة خليجية تتمتع بتماسك عقائدي وعرقي، مؤهلة لأن تكون من أكثر دول العالم استقراراً.

 مؤشرات وأرقام

سلطت قضية هروب الفتاة السعودية رهف محمد القنون (20 عاماً) من بلادها إلى تايلاند، واستغاثتها بالأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الضوء على هذه القضية.

قصة الفتاة السعودية التي تعتبر الأبرز بين القضايا التي تفضح التسلط في المملكة، وانتشرت مؤخراً، بدأت بهروبها من أسرتها التي كانت في زيارة إلى دولة الكويت، وتوجهها إلى أستراليا عبر رحلة جوية كانت أولى محطاتها في مطار بانكوك الدولي الذي وصلت إليه في (6 يناير)، قبل أن تمنحها كندا حق اللجوء.

أشارت رهف إلى أنها هربت خوفاً على حياتها، التي ستكون في خطر إذا ما رحلتها السلطات التايلاندية إلى السعودية؛ الأمر الذي دعا منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية إلى مطالبة السلطات التايلاندية بعدم ترحيل الفتاة إلى الرياض.

رهف تفتح باب الصراخ أمام السعوديات

وما يجعل قضية رهف القنون حالة غير استثنائية، هو إقدام طالبات سعوديات ناشطات في مواقع التواصل الاجتماعي على إطلاق وسم عبر منصة "تويتر" حمل عنوان "#اسقطو_الولايه_ولا_كلنا_بنهاجر".

السعوديات هددن من خلال تغريداتهن عبر هذا الوسم بالسير على خُطا مواطنتهن رهف بالهروب من البلاد.

ومن خلال الوسم الذي تصدر قائمة أكثر الوسوم انتشاراً؛ مسجلاً أكثر من عشرة آلاف تغريدة، عبرن عن المعاناة التي تمر بها المرأة السعودية.

اللجوء في كندا

فئة الشباب السعودي هي الأخرى تمر بظروف اجتماعية حرجة؛ تجلى ذلك بوضوح في أغسطس من العام الماضي، حين أعلن 20 طالباً سعودياً يدرسون في كندا عن رغبتهم في اللجوء السياسي.

إعلان الشباب جاء على إثر خلاف سياسي بين الرياض وأوتاوا؛ بعد إعلان الأخيرة عن قلقها إزاء اعتقالات نشطاء المجتمع المدني وحقوق المرأة في السعودية؛ وهو ما دفع السعودية إلى مطالبة رعاياها بمغادرة الأراضي الكندية، لكن الطلاب العشرين فضلوا التمرد على أوامر قيادتهم، وإن كان ثمن ذلك النفي الاختياري عن الوطن والبعد عن الأهل.

مئات السعوديين فروا من بلادهم في 2017!

وبحسب الأرقام التي نشرتها مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، فإن 755 سعودياً فروا من بلادهم وتقدموا بطلبات للحصول على اللجوء في بلدان أخرى عام 2017، وأشارت إلى أن أكثر دول المقصد كانت الولايات المتحدة وكندا وألمانيا.

الناشط السعودي المعارض سلطان العامر، المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، نشر مخططاً بيانياً عبر حسابه في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، قال إنه يستند إلى معلومات مصدرها مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، يظهر تزايد عدد طالبي اللجوء السعوديين خلال الفترة الممتدة من عام 2000 حتى عام 2016.

القمع أدى للانفجار

مراقبون يرون أن شعار المرحلة الذي رفعه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، منذ وصوله للسلطة بعد إزاحة ابن عمه محمد بن نايف في يونيو 2017، أبهر دوائر صنع القرار في الغرب، ومن خلاله حصل على دعم كبير، لكن الممارسات السياسية قدمت صورة عكسية تماماً.

وقد استهجنت المنظمات الحقوقية والدولية ممارسات القمع التي اتخذت باسم "الإصلاحات"؛ حيث غُيب مئات العلماء والمثقفين ونشطاء المجتمع المدني في المعتقلات دون وجود أي معلومات عنهم، ولا عن ظروف احتجازهم؛ الأمر الذي ولّد حالة احتقان وترقب داخل المجتمع، حتى أمراء الأسرة الحاكمة لم يسلموا منها، وبات العديد منهم يفضلون العيش خارج بلادهم؛ خشية على حريتهم بعدى اعتقال أقران لهم في فندق الريتز كارلتون.

ولعل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، الذي قتل في قنصلية بلاده في أكتوبر 2018، على يد فريق استخباري متخصص مرتبط بمكتب ولي العهد، بحسب اعتراف الرياض، كان أكثر الأشخاص جرأة وقدرة على التعبير عن أوضاع المملكة، وكيف تحولت إلى مملكة للخوف.

في أكتوبر 2017، قال خاشقجي لشبكة "سي إن إن" الأمريكية: "هناك الكثير من السعوديين ذهبوا إلى أمن الدولة ووقعوا تعهدات بعدم معارضة الحكومة ورغم ذلك تم اعتقالهم لاحقاً"، مضيفاً: "هذه ليست السعودية التي يجب أن يسعى إليها محمد بن سلمان".

جرأة خاشقجي وانتقاده العلني للسلطة وهو يقيم في واشنطن، عاصمة صنع القرار العالمي، كان وراء قرار تصفيته، بحسب توقعات مراقبين ذكرتها مختلف وسائل الإعلام العالمية، وقد ذكر في المقابلة ذاتها أن السلطات طالبته بالصمت، وقال بهذا الخصوص: "تلقيت اتصالاً هاتفياً يأمرني بالصمت دون حكم قضائي، من شخص في الديوان الملكي، وهو مسؤول مقرب من القيادة يأمرني بالصمت، هذا جعلني أشعر بالإهانة، وهذا ما يمكن أن يحدث لأي سعودي آخر".

ويرى مراقبون أن إقدام السلطات السعودية على اغتيال خاشقجي كان كاشفاً للأوضاع والتحولات التي يمر بها المجتمع، ولم تكن رهف القنون لتجرؤ على ما أقدمت عليه قبل تلك الحادثة؛ فهي وظفت السخط الدولي ضد المملكة في تحقيق غايتها، ولم يكلفها الأمر سوى بضع تغريدات عبر "تويتر" كانت كفيلة بتوفير الحماية الدولية لها.

سياسة التسلط وتكميم الأفواه، التي يتبناها محمد بن سلمان في إدارة الحكم، تسببت بظهور معارضة باتت تزداد قوتها يوماً بعد آخر؛ وهذا ما يوضحه ظهور بعض المعارضين في القنوات الفضائية ووسائل الإعلام المختلفة، معلنين معارضتهم لحكومة بلادهم دون خوف من العواقب.

رعب التهديدات يلاحق اللاجئات

آخر ما تكشف عن هروب السعوديات ما كشفته شبكة "سي إن إن" الأمريكية عن حكاية جديدة لشقيقتين سعوديتين تمكّنتا من الهرب من عائلتهما خلال رحلة سياحية معهم في كولومبو بسريلانكا؛ "بسبب ممارسة والدهما وأشقائهما عنفاً جسدياً عليهما".

ونقلت الشبكة، في تقرير متلفز لها على موقعها باللغة الإنجليزية، الخميس (21 فبراير)، تفاصيل تمكّن الشقيقتين؛ وهن ريم وروان (18 و20 عاماً) من الهرب أثناء رحلة عائلتهما، في 6 سبتمبر 2018، من خلال تمكّنهما من سرقة جوازات السفر الخاصة بهما.

كما كشف تقرير أعدته  قناة "DW" الألمانية ونشرته الثلاثاء (19 فبراير 2019)، عن أن اللاجئات السعوديات اللواتي يتعرضن لتهديد مستمر من أهاليهن يعتقدن أن السفارة السعودية وراء ذلك التهديد.

ونقلت القناة قصص الفتيات السعوديات، وذكرت عائشة (اسم مستعار) قصتها، حيث قرأت رسالة وصلتها "أين تختبئين؟ نعلم أنك لست في شقتك"، مضيفةً: "سنصلك، لو ذهبت إلى آخر العالم. يمكن لرجالنا تعقب خطواتك".

وتجلس عائشة في مطبخها وأمامها ملف جمعت فيه كل رسائل التهديد التي وصلتها. وقد قامت بطباعتها وترجمتها إلى الألمانية من قبل مترجم محلّف. ومن ضمن الرسائل الموجودة في الملف هذه الرسالة: "لدى السفارة أشخاص يمكنهم الحصول على معلومات عنك من خلال بلدية المدينة".

القناة الألمانية لفتت النظر إلى أن النساء السعوديات الأربع اللواتي تحدثت إليهن بشكل مكثف خلال الأسابيع الأخيرة، مقتنعات أنهن تعرضن للتجسس من قبل لاجئين آخرين من العالم العربي.

وتابعت تقول إن إحدى النساء تقدمت بشكوى ضد زوجها في السعودية، وضد نزيلة سابقة في أحد مراكز إيواء اللاجئين في مدينة هالبرشتات.

القناة أكدت أنه "بعد وقت قصير من وصولهما ألمانيا بدأت تصلهما أيضاً رسائل مثيرة للقلق على تطبيق واتساب"، فجأة ظهرت هذه الرسالة على شاشة هاتفها: "هل تعتقدين أننا لا نعلم أين أنت؟"، لتتبعها رسالة أخرى: "لقد تلقينا التعليمات من السفارة السعودية. سوف تفقدين حياتك".

كلتا السيدتين تعاملت مع التهديدات على أنها "إرهاب نفسي"، وقالت مشاعل: "هناك الكثير من النساء السعوديات اللاتي لم تتح لهن الفرصة للهروب". وأضافت: "وهذه هي فرصتنا لنكون صوت أولئك النساء".

وبحسب بيانات وزارة الداخلية الألمانية، تم في بداية فبراير 2019 تسجيل 146 لاجئاً من السعودية في ولاية "سكسونيا أنهالت"، منهم 97 لاجئاً حصلوا على حق الإقامة، ولكن لا يمكنهم تغيير أماكن إقامتهم.

القناة الألمانية تكمل قصة اللاجئة السعودية عائشة، التي تلقت تهديدات مختلفة.

وقالت إنه في أغسطس 2018 سمعت عائشة قرعاً على الباب في الصباح، كانت (الطارقة) امرأة منقبة، وتتذكر الموقف قائلة: "كانت تبدو مرتبكة، وكأنها في حاجة إلى مساعدة".

لكن عندما فتحت الباب دفعتها المرأة إلى داخل شقتها. ومن الجانب قفز رجل ذو شعر أسود ولحية. قام الاثنان بتفتيش الشقة في حين أغلقت عائشة الحمام على نفسها، ودعت الشرطة مرة أخرى وانتقلت إلى ملجأ آمن للنساء.

وذكرت أنه بعد الحادثة بدأت تصلها رسائل على تطبيق "واتساب" من السعودية، ومن الواضح أن شخصاً ما قد أعطى رقمها الألماني لعائلتها.

كانت نبرة الرسائل واضحة، وكانت تقول: "هل يجب أن أخبرك بسر حتى تعرفي أننا نستطيع الوصول إليك؟". ورسالة أخرى: "هل تعرفين الأشخاص الذين جاؤوا إلى شقتك؟ لقد أرسلناهم إليك حتى تعرفي أنه يمكننا الوصول إليك".

وألمحت القناة إلى أن عائشة قضت يومين في توتر، مع استمرار وصول رسائل التهديد إلى جهازها: "بالمناسبة، إنها مسألة وقت فقط قبل أن نعثر على منزلك الجديد، ولن يستطيع أحد حمايتك منا"، حيث تضيف عائشة: "إن رقم الهاتف السعودي الذي أُرسلت منه الرسائل يعود إلى أحد أشقائها".

وختمت القناة تقريرها أنه في سبتمبر عام  2018 غادرت عائشة ولاية "ساكسونيا أنهالت" هرباً نحو مدينة هامبورغ، المدينة الكبيرة.