سامية الجبالي- البيت الخليجي-
تتّجه سياسات الحكومات الخليجية في السّنوات الأخيرة نحو تمكين المرأة ورفع تمثيلها النّيابي والسّياسي، توجّه تترجمه مجموعة من القرارات والمعطيات في بلدان مجلس التعاون الخليجي أنتجت واقعًا غير مسبوق في هذه المنطقة التي لطالما اتّهمت حكوماتها كما مجتمعاتها باضطهاد المرأة، والتمييز ضدّها.
اليوم في هذه المنطقة التي تعتبرها منظمات حقوق الإنسان أرضًا خصبة للإنتهاكات والتمييز الجندري خصوصًا، تترأّس سيدتان المجلسين البرلمانيين في بلديهما، أمل القبيسي في الإمارات العربية المتّحدة وفوزية زينل في مملكة البحرين. المفارقة أن كلتيهما اعتلتا منصة الرئاسة بعد عمليّات إقتراع وبطريقة ديمقراطية، وليس بقرار ملكي ولا حتى بتزكية.
صورة تبدو مضيئة وتشي بواقع مزهر يدعمه أداء البرلمانيات في الكويت (صفاء الهاشم) والبحرين (زينب عبد الأمير) خصوصًا، وهنّ اللاتي يقدّمن أداءًا مميّزًا يصل حدّ الشراسة في بعض الآحايين.
الواقع المزهر ذاته يشير إلى ارتفاع نسبة تمثيل المرأة الخليجية في المجالس التشريعية إلى مايقارب الـ17% في العام 2018 مقارنة بنحو 1% في العام 2017م. وأسهم قرار الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتّحدة بتمكين المرأة الإماراتية من نصف مقاعد المجلس الوطني في الرفع من التمثيل النسائي الخليجي في المجالس التشريعية.
وكما يبدو تشهد دول الخليج تسابقاً نحو تمكين المرأة في مواقع القرار، خصوصا منها مجالس الشورى فيما يشبه الردّ على التقارير الدوليّة التي لطالما أدانت الحكومات الخليجية بالتمييز ضدّ المرأة. وبحسب نسب التّمثيل النسائي في المؤسسات التشريعية تتصدّر الإمارات القائمة بعد قرار رفع تمثيلها إلى 50% لتصبح الأولى على مستوى الخليج متقدمة على السعودية (30 عضوا) ثم البحرين بنحو 12 عضوا ما بين مجلسي النواب والشورى.
وحلت قطر في المرتبة الرابعة بوجود 4 نساء في مجلس الشورى بالتعيين، فيما تذيلت الكويت وعمان قائمة نسبة تمثيل المرأة في البرلمان ومجالس الشورى بعضوة واحدة لكل منهما.
السؤال: هل تؤكد هذه المعطيات والأرقام نضج التجربة النسائية السياسية في دول الخليج؟ وهل تعكس حجم الوعي السياسي النسائي؟
فعليًا؛ لا تقدّم لغة الأرقام صورة صادقة عن الواقع، بل قد نذهب إلى حدّ القول بأنها تقدّم صورة مغلوطة إن لم ننتبه إلى التفاصيل الصغيرة، إذ لا يبدو المشهد السياسي في دول الخليج وفيًّا للواقع، ذلك أن لغة الأرقام لا تعكس واقع الحال بتاتاً؛ التمثيل النسائي في البرلمان الكويتي لا يعكس عراقة وتاريخ نضالات المرأة الكويتية، كما لا يعكس التمثيل النسائي في المجلس الوطني الإتحادي حجم المشاركة النسائية. ولكن وعلى الرغم من ذلك فإن هذه الصورة المغلوطة صورة محمودة ولا نملك إلا أن نساندها لأنه وعلى أساسها يمكن للمرأة الخليجية أن تتجاوز مراحل كثيرة من النضال بفضل هذه الرغبة التي تبديها الحكومات الخليجية في تمكينها.
على أنّ التمكين السياسي ولئن كان خطوة مهمة بل وضروريّة في مجتمعات تتمسّك بالأعراف والتقاليد التي ترفض منح المرأة أبسط حقوقها، إلا أنّه من الضروري أن يكون ترجمة حقيقية لواقع المرأة، لا باعتباره وسيلة تلميع لصورة الحكومات على المستوى الدولي.
قد يتساءل البعض، هل ينبغي إذاً رفض التمكين السياسي؟ قطعا لا، التمكين في كل القطاعات آلية ضرورية من أجل إرساء ثقافة مستجدّة. التمكين السياسي كما التمكين الإقتصادي، أدوات لتكريس الوجود لكن الإكتفاء بالقرارات الفوقية دون العمل على الإرتقاء بها والبناء عليها سيكون كمن منح نبتة صغيرة جميلة وبدل أن يسقيها ظلّ يتبجح بجمالها حتى ذبلت، بل إنه قد يحوّل التمثيل النسائي في المجالس التشريعية من تجارب ناشئة تدعمها القرارات السياسية للحكومات إلى تمثيل يخدم الحكومات بدلا من الشعوب.
لقد حصلت المرأة الخليجية على مكاسب لم تتمكن غيرها من النساء العربيات من الحصول عليها على الرغم من تاريخهن العريق في النضال. المرأة التونسية وعلى الرغم من كل ما حقّقته من مكاسب – يضرب بها المثل عربيا وعالميا على مستوى الحقوق والقوانين – لم تترأس البرلمان إلى حدّ الآن، قبالة ذلك، اعتلت الإماراتية والبحرينية كرسيّ الرئاسة.
وسواءا كان هذا الإنجاز انتخابا حرًا نزيهًا أو دعمًا حكوميًا فهي في النهاية إنجازات ومكتسبات يجب أن تفك عنها قيد الوصاية الحكومية. والهدف هو أن تتحول هذه الإنجازات تمثيلاً حقيقياً للمرأة الخليجية في مفاصل صنع القرار السياسي والاقتصادي؛ تمثيلاً لا تتحكم به الدولة أو تتحكم بأولوياته ومخرجاته.
الهاجس اليوم يكمن في أن تظلّ المرأة الخليجية حبيسة الرّغبات الحكومية داخل قبة البرلمان أو خارجه لتتحوّل من صوت الشعب، ومن صوت المرأة نفسها، إلى صوت الحكومة وممثلاً عنها. وهي على أي حال نزعة طبيعية، فللكراسي ألقُها وللمناصب رونق وجاذبية تتحوّل فيها التوجّهات السياسية والمبادئ الإنسانية وفقًا للمصالح الشخصيّة.
تلاقي المصالح بين المرأة وطموحاتها والحكومات ودعايتها تتحوّل بموجبه الأولويّات وتختلف الأدوار ويتأثر الأداء ويتعطل التمثيل، ففي البحرين مثلا ما أن اعتلت زينل كرسي رئاسة البرلمان حتى ارتدت عباءة الموالاة للحكومة بشكل كامل بل اعتبرت نفسها طرفًا حكوميًا بإمتياز.
في المحصلة، وبغض النّظر عن طرق وصول المرأة إلى هذه المناصب فهي في نهاية المطاف نتاج رغبة حكومية فتحت المجال لهذا التميّز. وبإمكان الحكومات رفع “الفيتو” عليه مرة أخرى، وللحكومات في هذا الأمر طرق وسبل كثيرة ويبدو أن أغلب النّساء في البرلمانات الخليجية تعين جيّدا قوانين اللّعبة.